لا يقدّم مشروع قانون “إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها” أي إضافة جديّة على ما بات معروفاً بأنّ الجميع يتهرّب من مسؤولية توزيع الخسائر ويحاول رميها على الآخرين. فالمشروع يكرّر ما ورد في عدد من القوانين لجهة آليات التعامل مع المصارف المتعثّرة ومعالجة أوضاعها، سواء بأهدافه التي حُدّدت بما يشبه المهمة العامة لمصرف لبنان المرسومة في قانون النقد والتسليف، أو بمعاييره لجهة تعريف التعثّر ودرجاته… باختصار هو مشروع لا لزوم له. يمكن استبدال كل هذا النقاش بتطبيق القوانين الموجودة أصلاً
في 10 تشرين الثاني، أحال نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، إلى مجلس الوزراء، مشروع قانون أعدّته لجنة الرقابة على المصارف مع مصرف لبنان وأرسلته إلى الشامي بعنوان “إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها”. ويطلب الشامي من رئاسة الحكومة، إدراج المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء في أقرب فرصة ممكنة، ثم إلى مجلس النواب، معلّلاً ذلك بأهميته القصوى في نطاق برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي.المشروع مؤلف من 22 صفحة، وفي بدايته يحدّد تعديلات في تركيبة الهيئة المصرفية العليا التي ستكون الهيئة المختصة للنظر في شؤون المصارف التي يتوجّب إخضاعها لعملية إصلاح الوضع أو لعملية التصفية. فأُلغي المقعد المخصّص لمدير المالية العام، وعُيّن بدلاً منه ممثّل عن لجنة الرقابة على المصارف، وأُعطي مقعد إضافي دائم للمؤسّسة الوطنية لضمان الودائع ليس محصوراً برئيس المؤسّسة. وتضمن المشروع جملة تعريفات للإصلاح والتصفية، فضلاً عن مواصفات لتعيين أعضاء الهيئة واستقلاليتهم وطرق إبلاغ قرارات الهيئة ونشرها، كما حصر تمويلها بمصرف لبنان. وفي مادته العاشرة، حدّد المشروع مبادئ تقييم المصارف وتعيين جهات مستقلّة للتقييم. وأنيطت بلجنة الرقابة على المصارف مهمّة «تعيين مقيمين مستقلّين» ولها أن «تطلب من المصارف أن تعيّن على نفسها مقيّماً مستقلّاً». أما معايير التعثّر فقد حصرت بخمسة، كلها تبدأ بعبارة “تعثّر المصرف أو احتمال تعثّره”: الحدّ الأدنى للأموال الخاصة، الحدّ الأدنى للسيولة، تسديد المطلوبات عند استحقاقها، تحقيق ربحية، تقيّده بشروط الترخيص.
أدوات إصلاح المصرف الواردة في المشروع، هي: الإنقاذ من الداخل أو ما يعرف بـ Bail-In، إعادة الرسملة عبر مستثمرين جدد، تحويل المطلوبات والموجودات إلى مصرف آخر، نقل الملكية إلى مصرف آخر من خلال الدمج… في الواقع، ثمة الكثير من التفاصيل التي تشير إلى أُطر التعامل مع المصرف المتعثّر، وكيفية التعامل بين الدائنين والمساهمين، لكن أبرز ما ورد في هذا الإطار هو ما يتعلق بـ“حماية المودعين المؤمَّنين بحدود المبلغ المضمون من قبل المؤسسة الوطنية لضمان الودائع». بحسب آخر تعديل نيابي لهذا القانون، فإن مبلغ التأمين لكل حساب لا يزيد عن 75 مليون ليرة.
ولا يأتي المشروع على ذكر القانون 110 المتعلق بإنشاء محكمة مصرفية خاصة، إلا للقول بأن مادته الـ 15 هي التي تطبّق «لحلّ النزاعات التي قد تنشأ بين دائن (بمن فيه المودع) والمصفّي/ لجنة التصفية حول دين على المصارف قيد التصفية».
عملياً، يمنح المشروع، المصارف، حقّ تعيين هيئة مستقلّة لتقييم أصولها وموجوداتها، بدلاً من أن تقوم لجنة الرقابة على المصارف بهذا الأمر الذي يقع ضمن اختصاصها الذي أُنشئت من أجله. فقانون النقد والتسليف أشار في مادته 134 إلى أن “تحديد الخسائر يعود إلى تقدير لجنة الرقابة على المصارف»، كما أنه في هذه المادة حدّدت طرق الاعتراض على تقديرات اللجنة برفع القضية إلى المجلس المركزي الذي يصدر «قراراً نهائياً لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة الإدارية أو القضائية”.
وسواء أحالت لجنة الرقابة دراستها عن أي مصرف مشكوك بتعثّره، إلى مصرف لبنان، أو أن الاعتراض قاد الملف نحو المجلس المركزي، فإن المادة 121 من قانون النقد والتسليف تحدّد التعثّر وفق الآتي: “تدعى مصرفاً المؤسّسة التي موضوعها الأساسي أن تستعمل لحسابها الخاص (الربح لها والخسارة عليها) في عمليات تسليف، الأموال التي تتلقاها من الجمهور (الودائع)”. بهذا المعنى، فإن كل مصرف لا يستوفي هذه المواصفات (التسليف) تسقط عنه صفة المصرف، ما يوجب حكماً تطبيق القانون 110 المتعلق بإنشاء المحكمة المصرفية الخاصة، والذي يحدّد آلية التعامل مع المصرف لجهة وضع اليد أو التصفية أو سواها. إذ يعود لهذه المحكمة بموجب الفقرة الثانية من المادة الثانية، أن “تقرّر، بناءً على الإحالة المعلّلة من حاكم مصرف لبنان، وضع اليد على أيّ مصرف إذا تبيّن أنه لم يعد في وضع يمكنه من متابعة أعماله”.
يثير هذا الأمر سؤالاً أساسياً: هل هناك شكّ لدى أيّ كان، بأن هناك، على الأقل، قسماً من المصارف لا يمكنها أن تقوم بعملها، وأنها لم تعد تسمّى «مصرف» لأنها ليست قادرة على التسليف ولا تستقبل ودائع. إثبات ذلك أو نفيه يقع على عاتق مصرف لبنان ولجنة الرقابة أصلاً، بينما هما يعدّان مشروعاً للتنصل من مسؤوليتهما عبر استقدام جهة خارجية تقوم بالتقييم نيابة عنهما. إذ إن قانون إنشاء لجنة الرقابة الرقم 28 تاريخ 09/05/1967، يحدّد في مادته التاسعة، مهمّة اللجنة بـ“التحقّق من حسن تطبيق النظام المصرفي المنصوص عليه في الباب الثالث من قانون النقد والتسليف على المصارف إفرادياً وفق الأصول المحددة في المادتين 149 و150 من قانون النقد والتسليف”، كما تشير إلى أنه يجب على اللجنة أن تقوم “بالتدقيق الدوري على جميع المصارف”، وأنها تمارس “صلاحيات الرقابة الممنوحة لحاكم مصرف لبنان ولمصرف لبنان”، ويحقّ لها أيضاً “أن تضع لأيّ مصرف برنامجاً لتحسين أوضاعه وضبط نفقاته وأن توصيه بالتقيد به”. وتقول المادة العاشرة من قانون إنشاء اللجنة إن عليها أن “تطلع تباعاً، حاكم مصرف لبنان، على أوضاع المصارف إجمالاً وإفرادياً، كما أن للهيئة الحقّ في أن تطلب من اللجنة أية معلومات إضافية عن القضايا التي تعرض عليها”.
إذاً، في ظل كل ما يرد في القوانين المنشأة سلفاً، سواء ما يتعلق بقانون النقد والتسليف أو قانون إنشاء الهيئة المصرفية العليا أو المحكمة المصرفية الخاصة أو إنشاء لجنة الرقابة على المصارف، ما الداعي لوجود قانون يستحوذ على كل الصلاحيات المتوافرة أصلاً في هذه القوانين؟ لا يمكن تفسير ذلك، سوى بأن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف يسعيان إلى الاستعفاء من المسؤولية في التعامل مع الأزمة ومع مسألة توزيع الخسائر. قذف المشكلة من مصرف لبنان ولجنة الرقابة إلى الحكومة يعني مزيداً من الاستعفاء لأن الحكومة ستحيلها بأيّ شكل من الأشكال، لدى وصول المشروع إلى مجلس النواب. فالاحتمال الأكبر هو أن يسقط كما سقط مشروع توزيع الخسائر في عام 2020 أيام حكومة الرئيس حسان دياب. أصلاً، لا داعي لإعداد هذا المشروع ما دام أن هناك قوانين تلحظ كيفية التعامل مع الخسائر.