تلتئم حكومة تصريف الأعمال برئسة الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع المقبل، وذلك لبحث وإقرار مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والذي يحمل عنوان “مُعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها”. الاجتماع يهدّف بالدرجة الأولى إلى إقرار هذا المشروع في صيغته الحالية التي لاقت معارضة شديدة من قبل المصارف ومن قبل العديد من الخبراء. لكن الضربة الأقسى لهذا المشروع أتت “من غير حسبان” من مجلس شورى الدولة الذي أبطل قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 20 أيار 2022 والقاضي بـ “إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف تخفيضاً للعجز في رأسمال مصرف لبنان”. هذا القرار يُعتبر العمود الأساسي للخطط الحكومية منذ حكومة الرئيس حسان دياب.
قرار مجلس شورى الدولة أتى بعد المراجعة التي قامت بها جمعية المصارف أمام المجلس ضدّ الدولة ممثلة بمجلس الوزراء. وللتذكير فإن مشروع الحكومة “الإصلاحي” الذي تقدّمت به في شهر أيار من العام 2022، تضمّن شطب 60 مليار دولار من ودائع المصارف بالعملات الصعبة لدى مصرف لبنان. وهو ما يعني حكمًا شطب ودائع المودعين لدى المصارف، وهو ما اعتبره مجلس شورى الدولة غير دستوري ومخالفا للقوانين. وبالتالي فإن هذا القرار – أي قرار شورى الدولة – نسف أسس مشروع الحكومة الأخير (تاريخ 8 شباط 2024) والأهمّ أنه نسف أسس التفاهم الموقّع مع صندوق النقد الدولي.
الجدير ذكره أيضًا أن صندوق النقد الدولي يرفض تحميل الأجيال المستقبلة الدين العام الحالي (أكثر من 96 دولارا أميركيا) بحكم أن هذا الدين بقسم كبير ناتج من الفساد وبالتالي لا يمكن تحميله للأجيال المستقبلة على شكل ضرائب عملًا بالمبدأ الاقتصادي: “دين اليوم هو ضرائب الغدّ”. وبالتالي يُطرح السؤال عن مصير الاتفاق بعد قرار مجلس شورى الدولة؟
أيضًا وفي الموضوع نفسه، تقدّم أحد عشر مصرفًا بمذكرة ربط نزاع إلى وزارة المالية، حيث طالبوا فيه وزارة المال بتغطية خسائر مصرف لبنان وفق المادّة 113 من قانون النقد والتسليف مستندين في طلبهم إلى تقريريِ ألفاريز آند مارسال وأوليفر وايمان اللذين أظهرا أن “الدولة اللبنانية مَدينة لمصرف لبنان بنحو 16 مليار و300 مليون دولار”.
كيف ستتصرّف الحكومة بعد هذه الضربة التي تلقتّها من مجلس شورى الدولة؟
هناك احتمالان: إمّا الالتزام بقرار مجلس شورى الدولة “المُلّزم للحكومة” وإما ضرب قرار الشورى بعرض الحائط، وهو ما قد يُعرّضها لغرامة إكراهية. وورد في حكم الشورى المبرم أنه لا يمكن مخالفة قرار الشورى بقرار تنظيمي من الحكومة أو بتشريع من مجلس النواب بحكم أن مضمونه يحوي على مخالفة القرار الحكومي للدستور اللبناني – أي بمعنى آخر لم يعد من الممكن على مجلس النواب إصدار قانون يخالف قرار مجلس الشورى الدولة.
هذا القرار بالإضافة إلى انقضاء فترة الشهرين لربط النزاع، شجّع المصارف الأحد عشر للتقدم بدعوى جديدة أمام مجلس شورى الدولة ضدّ الدولة اللبنانية حيث من المتوقّع أن يتمّ تقديم هذه الدعوى أول الأسبوع المقبل. وهو ما ينقل المواجهة بين المصارف وحكومة تصريف الأعمال إلى مستوى آخر.
في المضمون، مشروع قانون “مُعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها” يحصد الكثير من الملاحظات التي قد تنّسف نتائج هذا المشروع إذا ما أُقرّ بصيغته الحالية، نذكر منها:
– الشروط التي يفرضها مشروع القانون على المصارف تجعل من شبه المستحيل على هذه المصارف الاستمرار. وهنا يُطرح السؤال عن مصير الودائع في حال تمّ شطب المصارف من لائحة المصارف العاملة في لبنان؟
– تصنيف الودائع بين مؤهّلة وغير مؤهّلة يُشكل ضربة اقتصادية واجتماعية على حدٍ سواء. فاقتصاديًا فقدان الثقة على خلفية “مصادرة” الملكية الخاصة، يجعل من شبه المستحيل استعادة الثقة بأي نظام مصرف ومالي جديد وهو ما يقوّض دور المصارف في الاقتصاد ويحدّ من قدرة الدولة على التمول من الأسواق المالية. أمّا اجتماعيًا، فهذا الأمر سيؤدّي إلى إفقار المجتمع اللبناني خصوصًا أن العديد من المودعين وضعوا جنى عمرهم في المصارف.
– السيولة المتوافرة، سواء حاليًا أو تلك التي قد تأتي من بيع أصول المصارف وأصحابها والاحتياطات الإلزامية وأصول المصرف المركزي، لا تكفي لسدّ كلفة هذه الخطّة المقدّرة بحدود 28 مليار دولار أميركي. وبالتالي، فإن معظم ما يرِدُ في هذه الخطّة سيبقى حبرًا على ورق.
– التواريخ المنصوص عليها لسد الودائع تصل إلى أكثر من 25 عامًا في بعض الحالات ولا تقلّ عن عشرة أعوام في أحسن الحالات.
– خطّة إعادة رسملة مصرف لبنان هي خطّة نظرية بحت إذ لا إمكانية للحكومة للاقتراض من الأسواق كما أن لا إمكانات لديها بأي شكل من الأشكال، وهي العاجزة عن تشغيل مرافقها العامّة بشكلٍ طبيعي، من ضخ الأموال في المصرف المركزي الذي فقد بدوره أي إمكانية للتمويل الذاتي من خلال نشاطاته.
بالطبع لائحة الملاحظات طويلة ولا مجال لسردها كلّها، إلا أنه من الضروري التشديد على أهمّية صون التزامات المصارف تجاه المودعين ووضع مصلحة هؤلاء على رأس أولويات أي خطّة سيتم البحث فيها.
السيناريوهات المتوقّعة في المرحلة المقبلة تنقسم إلى شقين:
رفض مشروع القانون من قبل الوزراء في مجلس الوزراء أو تطيير نصاب الجلسة، وهو ما يعني توجّها نحو ترك حلّ هذه المشكلة إلى الحكومة المُقبلة (؟).
إقرار المشروع في مجلس الوزراء. وهنا، من المتوقّع أن يتمّ سحق هذا المشروع في لجنة المال والموازنة. وحتى إن وصل إلى الهيئة العامة للمجلس، لن يتجرأ أي نائب على التصويت عليه نظرًا للثمن السياسي الذي قد يدفعه.
في الختام لا يسعنا القول إلا أن المماطلة في إيجاد حلّ جذري لمشكلة القطاع المصرفي هي أمر يضرّ قبل كل شيء بالمودعين. وبالتالي لا يمكن اعتبار سقوط مشروع الحكومة على أنه انتصار، إذ يجب أن يكون هناك اقتراح جدّي بديل يضمن حقوق المودعين وبالطبع حقوق الدولة.