عاد المعنيّون والسياسيّون يتبارون عبر شاشات التلفزة والمنصّات، بالاضافة إلى اقتراحات مشاريع قوانين إعادة الهيكلة الوهمية، ووعود كاذبة بإعادة الودائع، واقتراح مشاريع قوانين خيالية، لإعادة النهوض الإقتصادي. علماً أنه من المعروف أن كل ما يتمّ التداول به، مجرد وعود عشوائية وغير واقعية ولا أساس لها من الصحة.
ينسى أو يتناسى الجميع، المشروع الذي قامت به شركة «ماكنزي»، في العام 2018 وقد كان يشكل رؤية وإستراتيجية إقتصادية للمرحلة حتى العام 2025. فهل هذا المشروع يُمكن أن يكون نقطة انطلاق جديدة وخطة واقعية على المدى المقصير والمتوسط والبعيد لإعادة الإنتعاش الإقتصادي؟
نذكّر بأهمّ النقاط الأساسية لمشروع شركة ماكنزي، وهي من أكبر شركات الإستشارات والتدقيق وإعادة الهيكلة، والتي ركّزت على مكوّنات الإقتصاد اللبناني، نقاط الضعف ونقاط القوة، في دراسة معمّقة ودقيقة منذ العام 2017. وقد أبصر مشروعها المتكامل النور في العام 2018. لكن لسوء الحظ، ندرك تماماً أن المشاريع تملأ أدراج كل المنصّات الرسمية اللبنانية، وتُدفن في اللجان، من دون أي ملاحقة دقيقة أو تنفيذ جدي. نشدد على أن أي مشروع يشكل نسبة 20% من المشوار الطويل، فيما الـ 80% المتبقية، تكمن في التطبيق والملاحقة. فمشكلتنا الأساسية في لبنان ليست في المشاريع الهائلة والمتراكمة، لكن في نية التطبيق والملاحقة والتدقيق.
بعد مرور ست سنوات على أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم، لم يُنفذ حتى هذه الدقيقة أي إصلاح أو حتى أي نية للإصلاح، لوقف الإنهيار المتتابع، ولم يُقترح أي مشروع جدي لوقف النزف وإعادة النمو. ما نشهده حتى اليوم هو بعض المشاريع الوهمية والوعود الشعبوية والكاذبة والعشوائية، من دون أي تنفيذ، لكسب بعض الوقت السياسي، وهدر الوقت الإنمائي.
إن القطاع الخاص اللبناني والرياديين اللبنانيين، يتطلّعون ويبنون على المدى القصير والمتوسط والبعيد، لمستقبل إنمائي أفضل، وبناء خطط وإستراتيجيات للتطوّر والتطوير، أما السياسيون فأولوياتهم مختلفة، وهمومهم أن يبقوا على كراسيهم، ورؤيتهم الوحيدة المواعيد الإنتخابية الجديدة، وشعاراتهم ووعودهم الوهمية والكاذبة.
من واجبنا كرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين تحضير الأرضية المناسبة، وتسهيل مهمة رئيس الجمهورية الجديد، وقيام حكومة مركزية جديدة، والإتفاق منذ الآن على إستراتيجية واقعية وخطة عمل جدية لإعادة الإنعاش والنمو الإقتصادي واستعادة الدورة المالية والنقدية. لذا، إن مشروع ماكنزي ذات الصفحات الـ 1275 والذي يشمل 6 قطاعات إنتاجية في لبنان، قد دُرس بطريقة واقعية ودقيقة، يُمكن أن يكون بعد إعادة النظر وتحديثه، نقطة إنطلاق لخطة إقتصادية شاملة وجامعة.
لسوء الحظ نُدرك أن العدد الأكبر من المسؤولين أو من الخبراء، لم يقرأوا إلاّ بضع صفحات من هذا المشروع، وقد استثمروا وقتهم الضائع للنقد وبعض السجالات السياسية، عوضاً عن التركيز في عمق هذا المشروع الجدي.
يُركّز مشروع ماكنزي على ستة قطاعات إنتاجية، هي: السياحة، الزراعة، الصناعة، والمال والإقتصاد الرقمي والتكنولوجي. ويتّكِل على إستثمارات الجالية اللبنانية التي تشكل العمود الفقري للناتج المحلي. ويطمح هذا المشروع إلى إعادة الإنماء لـ 5-6% سنوياً، جرّاء إنماء هذه القطاعات الإنتاجية، ورفع الناتج المحلي الذي نذكّر بحزن ويأس أنه انخفض من 55 مليار دولار في العام 2019 إلى نحو 25 ملياراً اليوم. فيُمكن أن يشكل هذا المشروع أرضية خصبة ومثالية، ونقطة انطلاق تتزامن مع الإصلاحات المرجوّة لصندوق النقد الدولي، وبعد إعادة النظر والتحديث، يكون هذا المشروع الرؤية الإقتصادية الجديدة للبنان 2025-2030.
الأهم هو أن يكون جميع الأفرقاء السياسيين قد قبلوا واتفقوا للمرة الأولى على مشروع موحّد وشامل وجامع، فعوضاً عن ضياع الوقت في اقتراحات بعض المشاريع العشوائية والوهمية، هناك فرصة ذهبية لإنطلاقة جديدة بمشروع واقعي وجاهز.
في المحصّلة، عوضاً عن التحضير للحرب، الذي ستكون له مخاطر دمار شامل للبنان، لم لا نتحضّر للسلام؟ وإعادة الإنماء وإعادة الدورة الإقتصادية؟ نذكّر ونشدّد على أن استرجاع الودائع لن يكون عبر تعاميم 151، 158 و166 وغيرها، والتي لا ترد سوى أموال بخسة للمودعين على المدى الطويل، والتي تخسر قيمتها الشرائية يوماً بعد يوم لاسترجاع الودائع الحقيقية. لذا، يجب أن نبدأ بمشروع إعادة هيكلة شاملة وواضحة ورؤية مالية ونقدية وإقتصادية على المدى القصير والمتوسط والبعيد. فعوضاً عن المنافسة على المنصّات والشاشات لاقتراح مشاريع وهمية، لم ينفّذ منها حتى اليوم حرف واحد، فلنركّز جميعاً على مشروع دولي ودراسة واقعية أُقيمت من أكبر الشركات الدولية، واجتمع كل الأفرقاء عليها، وهي خطة ماكنزي لتكون نقطة انطلاق وخطة الخلاص الممكن.