“في 23 أيلول 2024 أقرت حكومة نجيب ميقاتي مشروع موازنة 2024 وأحالته إلى مجلس النواب ضمن المهل الدستورية قبل بداية عقد تشرين الأول التشريعي كما يفرض الدستور، لتكون لديها القدرة على إصداره بمرسوم، ما لم تسمح الظروف لمجلس النواب بمناقشته وإقراره بقانون قبل نهاية شهر كانون الثاني المقبل.
وبما أن أرقام مشروع الموازنة استندت إلى افتراضات وتقديرات ما قبل الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان، رفع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الصوت عالياً، واصفاً إياها بـ”مشروع موازنة وهمية لمواجهة ظروف استثنائية ناجمة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان وتأثيرها الكبير سواء على تحقق الواردات المقدرة وإمكانية تحصيلها من جهة، أو على تقدير النفقات الملحوظة كاعتمادات لمواجهة النفقات الطارئة والمستجدة من جهة ثانية، أو على تأمين مصادر الأموال اللازمة لتغطية كل الإنفاق الفعلي من جهة ثالثة وأخيرة”. وطالب الحكومة “بضرورة استردادها ومراجعة أرقامها”، جازماً بأن “تقدير النفقات في مشروع موازنة 2025، وتخصيص الاعتمادات، يفتقر إلى الواقعية ويقتضي إعادة النظر فيه على الأقل ليصبح منسجماً مع متطلبات مواجهة الآثار المتمادية للحرب الإسرائيلية على لبنان، وتلبية الحاجات الفعلية المترتبة على ذلك من أمن وطبابة واستشفاء وإغاثة وإيواء وسواها”.
ولم يكتف كنعان بالتحذير، بل زار للغاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتواصل هاتفياً مع كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري. واستتبع ذلك لقاءات مع الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية وكان خلاصتها الاتفاق على عدم واقعية تقدير الواردات فيها وتالياً استحالة تحصيلها.
توازياً، كان حديث عن اقتناع الكتل النيابية والحكومة بضرورة استرداد المشروع وإجراء التعديلات اللازمة عليه، وفق ما فرضته الحرب من أولويات لمناقشتها في مجلس النواب، خوفاً من أن يكون لمشروع الموازنة في صيغتها الحالية تداعيات نقدية ومالية واقتصادية.
وفيما يبدو أن كنعان لا يزال على موقفه من مشروع الموازنة لاعتبارات عدة، تبدّل موقف الهيئات الاقتصادية منها فور الإعلان عن وقف لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل وما رافقه من تغييرات في المنطقة بما أشاع أجواءً إيجابية قد تنعكس على لبنان وفق ما قال رئيسها محمد شقير لـ”النهار”.
وأكد أنه “قبل إعلان وقف إطلاق النار، طالبنا كهيئات اقتصادية الحكومة باستردادها وتعديلها على خلفية الخوف الذي كان ينتابنا من أن تطول الحرب وتصبح الأرقام التي اعتمدت في الموازنة غير واقعية، إذ كان ثمة تخوّف من أن لا تتحقق الإيرادات كما هو وارد في الموازنة والمقدرة بقيمة 445.214 مليار ليرة، إضافة إلى التخوف من المسّ باحتياط مصرف لبنان وصرفه لضرورات الدعم في فترة الحرب”. ولكن اليوم مع توقف الحرب أصبح لدى شقير أمل في أن تتحقق الإيرادات المتوقعة في الموازنة “لا بل يمكن أن تتجاوزها”. ويستند شقير في ذلك إلى “التفاؤل الكبير إثر التغييرات الإيجابية التي تحصل في المنطقة، خصوصاً إذا صاحبه استقرار طويل الأمد في لبنان، مع انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل وما سيليه من إجراءات قد تعيد النموّ إلى السكة”. ولتأكيد موقفها من مشروع الموازنة، أكد شقير أن الهيئات الاقتصادية ستجتمع في فترة ما بين عيدي رأس الميلاد ورأس السنة على أن تصدر بياناً مفصّلاً عن الموضوع”.
فلماذا لم تستردّها الحكومة بعد؟
يؤكد المدير العام لوزارة المال جورج معراوي أن الوزارة في انتظار مناقشة الموازنة في مجلس النواب لتبني على الشيء مقتضاه، ويقول لـ”النهار” إن الأرقام في مشروع الموازنة لا تزال على حالها، إذ وفق القانون يناقش مجلس النواب مشروع الموازنة، وإذا قرر إجراء تعديل على أرقام في الواردات، فإنه يجب موافقة الوزير والحكومة”.
وإذ يستند إلى قانون المحاسبة العمومية، ليؤكد أنه ليس ثمة ما يسمّى استرداد موازنة، قال “لا يمكن لوزارة المال وضع أي تعديلات على الموازنة حالياً خصوصاً أنها لا تزال في عهدة مجلس النواب الذي من المفترض أن يناقشها”.
وإن لم تقرّ الموازنة في مجلس النواب، وبما أنها قُدّمت ضمن المهل الدستورية يمكن للحكومة وفق معراوي، إصدارها بمرسوم في أول شباط. أما إن لم تصدرها الحكومة بمرسوم، فإن الصرف سيكون حتماً وفق القاعدة الاثني عشرية أي الإنفاق وفق السقوف التي كانت محدّدة في موازنة عام 2024.
وفيما لم يُعرف بعد توجّه الحكومة حيال المساهمة في إعادة الإعمار، يؤكد معرواي أن “المساهمة ستكون ضمن إمكانيات الدولة”، مستبعداً إدراج هذه المساهمة ضمن الموازنة، بل عبر تخصيص اعتمادات للغاية في قانون مستقل. ولكن أردف بالقول “كلها فرضيات، إذ يمكن أن يكون لمجلس الوزراء رأي مختلف، وكذلك وزير المال”.
قدّرت الحكومة واردات مشروع موازنة 2025 بقيمة 445.214 مليار ليرة، في مقابل إيرادات مقدرة بموجب قانون موازنة 2024 بقيمة 308.435 مليار ليرة، أي بزيادة قدرها 136.779 مليار ليرة ونسبتها 44,35%.”