خلقت موجات النزوح من الجنوب والضاحية والبقاع، نحو بيروت، طلباً هائلاً على المقاهي والمطاعم الصغيرة والمتوسطة ولا سيما التي تقدّم الوجبات السريعة، بينما تقلّص الطلب على المطاعم التي تقدّم وجبات أغلى ثمناً بأجواء تعكس الرفاهية.
يُقدّر أن عدد المقيمين في بيروت زاد بين 40% و50% خلال بضعة أيام فقط. أدّى الأمر إلى اكتظاظ سكاني غير مسبوقٍ وواضح للعيان. وأسفر ذلك عن زيادة في الطلب الاستهلاكي، ولا سيما الطلب المرتبط بالمقاهي والمطاعم، إذ إن المقاهي والمطاعم التي تقدّم وجبات سريعة أو رخيصة الثمن نسبياً تزدحم بالزبائن، بل يتكدّس فيها الزبائن، في مقابل مشهد آخر عن مطاعم مغلقة أو يندر روادها. زبائن هاتين الفئتين ينتمون إلى طبقتين مختلفتين. فالنازحون، وغالبيتهم من طبقات وسطى – دنيا، وفقيرة، لديهم ميزانيات محدودة ويتّكلون بشكل عام على المساعدات لتغطية حاجاتهم، وبالتالي فإن قدراتهم المادية لا تتيح لهم سوى ارتياد المقاهي للحصول على «منقوشة» أو «سندويش» أو لتدخين النرجيلة…
أما زبائن المطاعم الفخمة، فهم من ذوي القدرات المالية المرتفعة الذين يعيشون أصلاً في المدينة ولكنهم سافروا إلى الخارج أو انتقلوا إلى أماكن الاصطياف التي تشبههم، وبالتالي لم يعودوا قادرين على ارتياد المطاعم الفاخرة وتمضية الوقت في البحث عن مأكولات معينة تعجبهم لدى هذا المطعم أو هناك. هكذا اقتصر ارتياد هذه المطاعم على عدد قليل من الزبائن الباقين في المدينة. يميّز مسؤول في مقهى «أنكل ديك» في عين المريسة بين الزبائن المعتادين و»الوجوه الجديدة». يشير إلى تراجع ارتياد الزبائن المعتادين لأن العديد منهم قد غادر البلاد، في مقابل ارتفاع في نسبة «الوجوه الجديدة» التي صارت تمثّل 70% من الزبائن «وهم بمعظمهم من النازحين الذين يسكنون في شقق مستأجرة أو مدارس قريبة، أو لدى أقاربهم في المنطقة». وتتركّز طلبات هؤلاء النازحين على المواد الأساسية مثل المياه، علب السجائر، القهوة، والمياه الغازية، ما يعكس اعتمادهم على ميزانيات محدودة.
على بعد أمتار فقط، يعاني مطعم «لا تافالون» من ندرة في الزبائن. يُشير أحد مسؤولي المطعم إلى أن نسبة إقبال العائلات انخفضت بشكلٍ كبير، إذ لم يعد سوى عدد قليل من الشباب يقصد المطعم، وهم غالباً ما يطلبون النرجيلة أو القهوة. وتثير هذه التغيّرات قلق العاملين في المطعم بشأن استمرارية جودة الخدمات. ورغم الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية مثل الخبز، الصوصات، والبيض، لم يتم تعديل أسعار خدمات المطاعم والمقاهي بعد، ربما لأن القدرات المالية للنازحين متواضعة، وأصحاب المؤسسات لا يريدون خسارة هؤلاء الزبائن الآن. يقول صاحب سناك «الخباز» في شارع فينيسيا، إن الإقبال في بداية النزوح كان مرتفعاً، لكنه تراجع مع الوقت مع انخفاض القدرة الشرائية للنازحين. فالعديد منهم باتوا يعتمدون، عقب استقرارهم، على الطعام الذي يُحضّر في مطابخهم الخاصة أو على الوجبات التي تقدّمها الجمعيات الإنسانية، ما ساهم في تراجع المبيعات.
وفي هذا السياق، يضيف صاحب السناك أنه رغم مواصلة العروض لإغراء الزبائن، إلا أن الأسعار تأّثرت بارتفاع أسعار المواد الأولية مثل المايونيز، الذرة، والدقيق (بمقدار دولار واحد للشوال). تسبّب النزوح أيضاً بضغط كبير على إدارة العاملين في المقاهي والمطاعم. فالخباز نفسه استبدل من جهته، خمسة إلى ستة من عماله الذين غادروا لأسباب متعلقة بالنزوح، واستقدم عمالاً آخرين ليتمكن من مواكبة الطلبات المتزايدة. أما المقاهي، فأغلبها ما زالت تُفتح على مدار الساعة، لكنّ قرارات التشغيل أصبحت تتماشى مع الظروف اليومية، دون وجود خطط أسبوعية أو شهرية. في ظل هذه التحديات، قرّر بعض أصحاب المطاعم تقليل عدد أيام العمل، إذ وجدوا أنفسهم غير قادرين على تغطية التكاليف التشغيلية العالية في ظل انخفاض الإقبال. فوسط بيروت، حيث يصفها مدير مطعم «قمر» بـ»مدينة أشباح»، شهدت تراجعاً حاداً في عدد زبائنها. ومع استمرار الأوضاع، يعتزم المطعم الإغلاق ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع، على غرار بعض المطاعم المجاورة، علماً أن بعضها أغلق أبوابه بالكامل مثل مطعم «كن» المستمر في الإغلاق منذ حوالي العشرة أيام. وبحسب الشهود، أغلق مطعم «بيت حلب» للمأكولات الشرقية في عين المريسة أبوابه بشكل مؤقت بداية العدوان، تخوّفاً من أي أعمال شغب أو اعتداءات في المنطقة بفعل اكتظاظها بالنازحين، ورغم عودته للعمل إلا أن الإقبال لا يزال محدوداً، بحسب الشهود أيضاً. في المقابل، يتبنى كافيه «أبو الدهب» في شارع فينيسيا سياسة مختلفة، حيث ارتفعت نسبة الإقبال إلى 100% من العائلات والشباب.