بعد اختلاس أموال مودعيها والمتعاملين معها، تنتهك إدارات عدد من المصارف حقوق موظفيها وتتلاعب بمداخيلهم ومعيشتهم، وهم الذين وضعتهم بمواجهة مع المودعين على مدار السنوات الماضية.
تلك المصارف التي لم تتشارك يوماً مع موظفيها حصيلة ازدهارها والأرباح الطائلة المحققة في سنوات ما قبل الأزمة، قررت اليوم مشاركة العاملين لديها بأزمتها وانهيارها. وكما تحارب المصارف لتحميل المودعين والدولة خسائر بالمليارات، دخلت اليوم معركة جديدة مع موظفيها لتحميلهم أعباء تقليص فروعها المُبالغ بعددها.
وقف عن العمل
بالنظر إلى انتفاخ حجم القطاع المصرفي في لبنان وتقليص نشاطه إلى الحدود الدنيا نتيجة الأزمة المالية العميقة، التي تشكّل المصارف سبباً وجزءاً أساسياً منها، تتجه المصارف إلى تقليص حجمها وترتيب بيتها الداخلي قبل بلوغ مرحلة إعادة هيكلة القطاع. إلا ان جشع المصارف لم يمنعها من قضم حقوق موظفيها تحت عنوان خفض عدد فروعها.
وقد عمدت العديد من المصارف مؤخراً الى إغلاق فروع لها ودمج أخرى. إلا أن أسلوب التعاطي مع هذا الأمر اختلف بين مصرف وآخر، ومنها من سلك طريق الدمج من دون التعرّض لحقوق الموظفين أقله حالياً، ومنها من ضحى بموظفيه مباشرة من دون أي تردّد.
ومن المصارف التي اعتمدت آلية دمج فروع، البنك اللبناني الفرنسي BLF. وحسب المعلومات لم يُحدث المصرف المذكور أي تغييرات تُذكر على مستوى مداخيل الموظفين ومخصصاتهم. فقد اعتمد آلية تحويل نشاط فرع إلى فرع آخر بملفاته وزبائنه وموظفيه.
أما المصارف التي اعتمدت آلية إغلاق فروع وعدم دمج الموظفين، فقد ابتدعت أسلوباً جديداً لإغلاق فروع لها، ومنها البنك اللبناني للتجارة BLC، الذي لم يعمد إلى صرف موظفيه بشكل مباشر، إنما قام بإبلاغهم بالتوقف عن العمل والتزام منازلهم مقابل دفع رواتبهم الأساسية. أي من دون أي زيادات أو بدل نقل، بمعنى أن الموظف الذي كان يتقاضى قبل الأزمة 2000 دولار سيتقاضى اليوم من المصرف 3 ملايين ليرة فقط، مقابل عدم حضوره إلى العمل.
مع الإشارة إلى أن رواتب موظفي المصارف اليوم تختلف بين مصرف وآخر. ومنهم من يعادل جزءاً من الراتب مع انهيار سعر صرف الليرة، فيدفع جزءاً من الراتب بالدولار الفريش. ومنها من يسدد جزءاً من الراتب على أساس منصة صيرفة، ومنهم من يصرف الرواتب بالدولار المصرفي أي اللولار. ومصارف أخرى تخصص شهرياً مساعدات اجتماعية للموظفين على شكل راتبين أو ثلاثة بالليرة اللبنانية، وغيرها من الآليات الهادفة إلى دعم الرواتب.
وتعليقاً على عرض بعض المصارف اليوم على موظفين لديها بملازمة منازلهم وسداد راتبهم الأساس، يصف رئيس نقابة موظفي المصارف في لبنان أسد خوري الأمر بـ”المزحة”. إذ لا يمكن التعامل معها بشكل جدي “فهذا الأمر غير مقبول على الإطلاق”، على ما يقول.. “وإذا كان لا بد للمصارف من إغلاق فروع لها، فليكن، شرط إبلاغ الاتحاد والنقابة، والاتفاق على بروتوكولات واضحة لعمليات الصرف”.
ولا تقتصر عمليات الصرف والالتفاف على حقوق الموظفين على BLC. فمصرف سوسيتيه جنرال SGBL يعمل على صرف قرابة 150 موظفاً وإغلاق فروع من دون وضع آلية واضحة ومنصفة للتعويضات.
“هندسة” لصرف الموظفين
الآلية “الخبيثة” التي تعتمدها بعض المصارف، خصوصاً BLC، بحق موظفيها تستهدف دفعهم للتقدّم باستقالات طوعية. فالراتب الأساس بالليرة لا قيمة له ولا يمكنه تأمين معيشة عائلة الموظف على مدى يومين. وإذا ما قارنا بين راتب يتم سداده باللولار وآخر بالليرة كما تقترح بعض المصارف، فراتب الـ2000 دولار سيتقلص من 30 مليون ليرة (على أساس 15000 ليرة للدولار) إلى 3 ملايين ليرة فقط.
ويحذر خوري في حديث إلى “المدن”، من انتهاج المصارف هذا الأسلوب القائم على إغلاق فروع لها ودفع موظفيها إلى التقدم باستقالاتهم بشكل غير مباشر، وتجريدهم من كافة حقوقهم. لافتاً إلى أن خيار عدم الحضور إلى مقر العمل يرتب مخاطر كبيرة على الموظفين ومستقبلهم، في حين أن المصارف مغطاة قانونياً.
وإذ يحسم خوري مسألة رفض الإلتفاف على حقوق الموظفين، يطالب المصارف بالتعهد الفوري وتحديد ما إذا كانت تتجه إلى وضع الموظفين في حالة استيداع إلى حين ترتيب أمورها. وهذا الأمر يرتب عليها تحديد المدة الزمنية والآلية، أم أنها تتجه إلى صرفهم كلّياً فيما بعد.
لا بد من تحديد الخيارات والجلوس على طاولة للاتفاق على بروتوكول منصف يضمن حقوق الموظفين، يقول خوري. فلتكن المصارف واضحة وتحدد عدد الموظفين الذين يمكن إعادتهم إلى العمل فيما بعد وأولئك الذين ستوقفهم عن العمل، ليبنى على الشي مقتضاه.
وكانت نقابة موظفي المصارف قد سعت مراراً لتجديد عقد العمل الجماعي، لتفادي المشاكل مع إدارات المصارف، لاسيما في حال اعتماد بروتوكول موحّد في حالات الصرف من الخدمة، يؤمن حقوق الأجراء في ظل انهيار القدرة الشرائية للعملة الوطنية مقابل الدولار. غير أن ذلك لم يحصل ولم يتم التوافق مع إدارات المصارف على بروتوكول منصف. وهو ما يتيح لإدارات المصارف اليوم التهرب من واجباتها تجاه الموظفين الذين سيتم صرفهم من القطاع المصرفي.