تراقب الأوساط المالية دخول القطاع المصرفي اللبناني في جولة جديدة من معركته الطويلة التي بدأت قبل أشهر ضد الحكومة لحماية أموال المودعين بعدما أظهرت مذكرة استشارية خارجية أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي غير قانوني.
ويصر صناع القرار السياسي على أنه لا مفر من أن تتحمل البنوك فاتورة الانهيار المالي للمضي في سياسة الإصلاح المتفق عليها مع الصندوق رغم وجود تيار رافض لهذا التمشي المثيرة للجدل.
ونقلت رويترز عن كارلوس عبادي مستشار جمعية مصارف لبنان قوله في المذكرة إن “البنوك اللبنانية تعتبر مسودة اتفاق توصلت إليها الحكومة مع صندوق النقد غير قانونية وغير دستورية”.
وينص اتفاق على مستوى الخبراء بين الطرفين على تقديم تمويل بقيمة 3 مليارات دولار على مدار أربع سنوات لمساعدة البلد الصغير في التعافي من انهيار مالي خسرت فيه العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها ودفع معظم اللبنانيين إلى الفقر.
وبحسب الصندوق، فإن اتفاقا نهائيا مشروط بتنفيذ عدد من التدابير من بينها إقرار استراتيجية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي “تعترف بالخسائر الكبيرة في القطاع وتتصدى لها بصرامة مع حماية صغار المودعين والحد من اللجوء إلى الموارد العامة”.
وتدعو مسودة الاتفاق أيضا البرلمان للموافقة على تعديل قانون السرية المصرفية وإجراء تدقيق محاسبي لأكبر 14 بنكا في البلاد.
ودأبت البنوك المحلية على الدعوة إلى أن تتحمل الدولة معظم خسائر القطاع التي تُقدر بنحو 70 مليار دولار، ملقية باللوم في تلك الخسائر على سياسات مالية غير مستدامة وهدر وفساد على مدى عقود.
وجاء في الرسالة المؤرخة في الحادي والعشرين من يونيو أن الجمعية “لديها تحفظات جدية للغاية على الاتفاق على مستوى الخبراء الأخير”.
كما ترى بأن “تنفيذ بعض الإجراءات السابقة بالإضافة إلى بعض بنود البرنامج من المرجح أن يلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد اللبناني، وبطريقة لا يمكن إصلاحها على الأرجح”.
وتقول الرسالة التي وقعها عبادي العضو المنتدب في شركة ديسيشن باوندريز للاستشارات المالية ومقرها نيويورك إن “الاتفاق لا يستند إلى رؤية اقتصادية للبنان”.
وأشارت إلى أنه يعتمد على “نقاط نقاش مضللة للمجتمع المدني اللبناني” ويمكن أن “يحرم جمعية مصارف لبنان بشكل غير عادل من حقوقها”.
وتدعو خطة الحكومة للتعافي المالي والمعتمدة في مايو الماضي البنوك التجارية إلى أن تكون في طليعة متحملي الخسائر، يليها البنك المركزي ثم الأصول العامة.
ويشير عبادي إلى أن “تقاسم الخسائر بهذه الطريقة سيكون غير عادل لأنه سيحول العبء على البنوك رغم أن معظم الخسائر تسبب فيها البنك المركزي”.
ولسد الفجوة المالية، تدعو الرسالة بدلا من ذلك إلى تجميع أصول الدولة مثل المباني والأراضي في شركة استثمارية وتحويل ما يصل إلى 30 مليار دولار من الودائع إلى الليرة على أن تسدد على مدى عشر سنوات.
كما يرى عبادي أنه من الأجدى إلغاء معاملات النقد الأجنبي المنفذة بعد بداية الأزمة في عام 2019 من الليرة إلى الدولار. وقال إن “إلغاء معاملات النقد الأجنبي هذه من شأنه أن يعفي البنك المركزي من التزامات تتراوح بين 10 و15 مليار دولار”.
كما تدعو الرسالة، التي لم تعلق عليها جمعية المصارف ومن المرجح أن تتبناها، إلى استخدام احتياطيات الذهب لدى البنك المركزي التي تبلغ نحو 15 مليار دولار.
ويأتي نشر هذه المعطيات بينما كشف مصدران رسميان لرويترز أن فريقا من شركة تدقيق الحسابات الأميركية ألفاريز آند مارسال سيصل إلى لبنان الاثنين المقبل ليبدأ تدقيقا جنائيا طال انتظاره للمركزي.
والتدقيق الجنائي لفحص المعاملات المالية السابقة للمركزي مطلب رئيسي للدول المانحة التي تريد من لبنان تنفيذ إصلاحات قبل أن تفرج عن تمويل لمعالجة الانهيار المالي الذي بدأ في 2019.
وتسببت الأزمة الاقتصادية التي راكمت من مشاكلها قيود الإغلاق بسبب الجائحة في العامين الماضيين وتداعيات الحرب في أوكرانيا في تسارع تبخر احتياطي العملة الصعبة.
وقال حاكم المركزي رياض سلامة في مقابلة بثتها محطة أل.بي.سي.آي التلفزيونية المحلية مساء الثلاثاء الماضي إن “احتياطي النقد الأجنبي انخفض بـ2.2 مليار دولار في 2022 إلى نحو 11 مليار دولار، فيما يمثل ثلث الاحتياطيات قبل ثلاثة أعوام”.
وكان لدى لبنان أكثر من 30 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي عندما بدأت الأزمة، لكن سلامة قال إن “المبلغ أصبح الآن ثلث ذلك”.
وسلامة، الذي كان يُحتفى به باعتباره ساحرا ماليا، في موقف دفاعي منذ عام 2019، عندما انزلق لبنان إلى انهيار اقتصادي، وهو يواجه تحقيقا قضائيا في مزاعم إساءة سلوك وفساد.
وفي محاولة منه لمساعدة الحكومة على مواجهة الأزمة كشف خلال المقابلة أنه سيقترح على مجلس الوزراء الجديد الذي من المتوقع تشكيله الخميس مشروع قانون لإصدار عملة بفئات أكبر لتسهيل استخدام الليرة في ظل خفض قيمة العملة.
وقال “ما إن تتألف الحكومة الجديدة سنرسل اقتراحا لها لإصدار فئات أكبر من النقود بالليرة بإزالة بعض الأصفار حتى يسهل استخدامها على غرار ما حدث في تركيا”.
ولكنه في المقابل أبدى معارضته لسياسة الحكومة حول تخفيف السرية المصرفية في لبنان، حيث قيدت البنوك بشدة وصول معظم المودعين إلى العملة الصعبة. وقال إن “السرية المصرفية في لبنان يجب أن تبقى”.
وتتناقض هذه التصريحات مع موقف نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي الذي قال لرويترز في وقت سابق هذا العام إنه “لا يرى أي فوائد للحفاظ على السرية المصرفية في البلاد”.
ووضع صندوق النقد تعديل قانون السرية المصرفية لجعله يتماشى مع المعايير الدولية شرطا مسبقا للحصول على خط ائتمان طال انتظاره.