أرخت الحرب في لبنان بظلال قاتمة على قطاع تصنيع النبيذ، وخاصة في مناطق شرق البلاد، لتنضاف إلى هموم أصحاب المصانع الذين يعانون منذ تفجر الأزمة الاقتصادية أواخر 2019.
يتحيّن رولان أبوخاطر توقّف الغارات على شرق لبنان، وخلو السماء من الطائرات الحربية الإسرائيلية، حتى يقود شاحنته التي رفع عليها راية بيضاء متوجها مع فريق من العمال إلى سهل البقاع لقطف عناقيد العنب من كرومه.
وتحوّلت الكروم الواقعة في قلب منطقة البقاع المعروفة بإنتاج النبيذ، إلى ما يشبه المصيدة، خصوصا بعدما بدأت إسرائيل في سبتمبر حملة جوية مركزة استهدفت معاقل حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب لبنان وشرقه، حيث سهل البقاع.
ويقول أبو خاطر الذي ورث مصنع النبيذ كوتو دو ليبان عن والده لفرانس برس “نقطف المحصول بسرعة ثم نهرب”، مضيفا “إنه لأمر مؤلم”، على وقع دوي الغارات وأعمدة الدخان الأسود التي حوّلت موسم القطاف من موسم خير إلى موسم محفوف بالمخاطر.
ويعدّ سهل البقاع الواقع في شرق لبنان، السلّة الغذائية والزراعية للبلد، وفيه تُنتج أجود أنواع النبيذ المحلي، لكنه من بين أكثر المناطق تضررا جراء الغارات الإسرائيلية.
ويقع مصنع كوتو دو ليبان الذي تأسس عام 1999، في منطقة زحلة ذات الغالبية المسيحية، وقد بقي بمنأى من الغارات. لكن كروم العنب التي يُصنع منها النبيذ، تقع قرب بلدات وقرى تطالها الغارات بشكل كبير.
ويشير أبوخاطر إلى أن “كثرا من العمال والسائقين لا يرغبون بالمجازفة والتوجّه إلى الحقول، لذا نأخذ فرقا أصغر، وهذا لا يعطينا الإنتاجية نفسها”. ويضيف “المساحة التي كان يستغرق قطفها يوما واحدا، أصبحت تستغرق الآن ثلاثة أو أربعة أيام”.
وينتج كوتو دو ليبان عادة 150 ألف زجاجة نبيذ سنويا من إجمالي نحو 22 هكتارا من الكروم. ويؤكد أبوخاطر “هذا العام، سينخفض الإنتاج بمقدار 20 ألف زجاجة، لأن ثمة كروما لا يمكننا الوصول إليها”.
وتشير بعض التقديرات إلى أن البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية ومالية حادة منذ خمس سنوات ينتج سنويا ما بين 8 و10 ملايين زجاجة نبيذ، نصفها يتم تصديرها بمتوسط عوائد تبلغ 15 مليون دولار.
لكن الخبراء يرون أن هذا الرقم من الممكن مضاعفته أو زيادته إلى ما بين 40 و50 مليون دولار، في حال ترافقت الجهود المحلية مع خطة تسويقية في الخارج.
وعلى غرار أبوخاطر، يكافح العديد من منتجي النبيذ في البقاع بسبب الغارات الإسرائيلية الكثيفة ومن بين هؤلاء إلياس معلوف الذي بدأت عائلته إنتاج النبيذ في بلدة رياق البقاعية منذ أكثر من قرن.
وفي الشهر الماضي، أصابت غارة إسرائيلية مصنع شاتو رياق الذي بناه معلوف للحفاظ على إرث عائلته. وبات المصنع الذي انطلق عام 2015، خارج الخدمة بعدما وجد نفسه تحت نيران الحرب التي لم تهدأ بعد.
ويقول معلوف لفرانس برس “أنا لست مقاتلا في الخطوط الأمامية”، معبرا عن استيائه من الغارة التي حطمت الآلاف من زجاجات النبيذ، وألحقت أضرارا بأقبية النبيذ، ودمرت البنية التحتية المستخدمة لتخمير العنب وتبريده.
ورغم القصف الشديد، بقي معلوف في رياق على أمل إنقاذ ما يمكنه من بقايا مصنعه. ويضيف “سأقوم بإخراج ستين ألف زجاجة هذا الأسبوع”.
ويتابع متسائلا “يردد الناس إن إيران ستموّل إعادة الإعمار بعد الحرب، ولكن هل ستعيد بناء مصنع نبيذ؟”، في إشارة إلى أن الجمهورية الإسلامية الداعمة لحزب الله تحظر الكحول.
ويضم البقاع مصانع نبيذ عريقة تعود إلى قرون، سبق بعضها إنشاء الجمهورية اللبنانية الحديثة في العام 1943. ويعتبر دومين دي توريل الذي تأسس في عام 1868 من أقدمها.
ويؤكد إميل عيسى الخوري الشريك الإداري في المصنع لفرانس برس “للأسف، هذه ليست حربنا الأولى، لكنني آمل أن تكون الأخيرة”.
ويوضح أن المصنع نجا من الهجمات، لكن بعض المحاصيل والكروم قريبة من المناطق المستهدفة. ويضيف “لا يستطيع المزارعون حتى قطاف العنب”.
ومع قطاف معظم الكروم هذا الموسم، يرى أن المشكلة ستكون في المبيع وليس في الإنتاج. ويشير الخوري إلى أن “الاقتصاد المحلي بأكمله في حالة إغلاق، لذلك فقدنا حوالي تسعين في المئة من السوق المحلية”.
ويدافع الخوري عن البقاع، رافضا تصويره كمعقل لحزب الله. ويقول “سهل البقاع مثل مناطق لبنان كافة، متنوع جدا”. ويضيف “ثمة معاقل لحزب الله، لكن هناك مناطق أخرى بعيدة تماما عن هذا التوجه”.