على الصعيد المالي، بدأ مشهد الوضع النقدي بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان نهاية الشهر الجاري يضغط على الجميع، وخصوصاً على الحكومة التي تحتسب لتفلّت مخيف في سوق الصرف، إذا ما توقفت منصّة صيرفة في ظل غياب إجراءات بديلة تفرمل ارتفاع سعر الدولار المتوقع. وفيما يواصل نواب الحاكم جولاتهم على المسؤولين والمعنيين، والمحطة الأبرز امس كانت امام المجلس النيابي، علمت «الجمهورية» من مصدر مالي رفيع، انّ الاستقالة ستحصل عاجلاً ام آجلاً، وانّ الجميع يريد دعم التحرّك الذي يقوم به نواب الحاكم لتسلّم دفّة الحاكمية بطريقة ناعمة soft landing لكن ما يطلبه النائب الاول وسيم منصوري مع النواب الثلاثة، يكاد يكون شروطاً تعجيزية بل مطلباً مستحيلاً، إذ من الصعب ان تُعقد جلسة تشريعية لإقرار قوانين يطلبونها، فمن الذي سيؤمّن نصاب هذه الجلسة؟؟؟
وسأل المصدر، «وبطلوع الروح» نستطيع عقد جلسة لأمر ضروري وطارئ واحياناً لا ننجح، فكيف الآن خصوصاً انّ الكتلتين المسيحيتين الأقوى تدفعان في اتجاه ان يتسلّم منصوري مهمّات الحاكم بحسب قانون النقد والتسليف وانتهينا، رفضوا تعيين الضرورة لحاكم جديد، ولن يوافقوا على تزويد نائبه اي وسيلة او سلاح للحكم».
ويؤكّد المصدر «انّ مسار الامور بعد غد الخميس سيوصل إلى الاستقالة التي هي الآن مع وقف التنفيذ، تهيباً لما يمكن ان يؤول اليه الوضع بعد توقف منصّة صيرفة الذي يصرّون عليه». وقال: «انّ المنصة التي يروّجون لها (bloomberg) لن تكون سوى نافذة نقدية صغيرة يُسجّل فيها العرض والطلب. اما المنصّة الحقيقية فهي تقتضي التدخّل في سوق القطع، وهذا الامر سيؤدي الى النتيجة نفسها. وما يتمّ الحديث عنه تقنياً معقّداً وليس من السهل المضي فيه».
وكان نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة باشروا تحرّكاً ميدانياً امس في اتجاه المجلس النيابي، للمطالبة بضمانات وإجراءات تساعدهم في النجاح في مهمّة ادارة شؤون الوضع النقدي بعد 31 تموز الجاري، موعد نهاية ولاية الحاكم رياض سلامة وانتقال المسؤولية الى النائب الاول وسيم منصوري.
وعلى هامش هذا التحرّك أُمكن تسجيل الملاحظات التالية:
اولاً- انّ نواب الحاكم يتصرّفون على أساس انّهم جميعاً شركاء متساوون في المسؤولية في حقبة ما بعد سلامة، مع انّ القانون ينص على ان يتسلّم نائب الحاكم الاول الصلاحيات المعطاة للحاكم.
ثانياً- انّ نواب الحاكم يصرّون على إلغاء منصّة «صيرفة»، لكن لم يتضح بعد ما هو البديل العملي لهذه المنصة، وكيف ستكون التداعيات على وضع سوق الصرف.
ثالثاً- انّ نواب الحاكم يريدون ان يتمّ إقرار تشريعات تسهّل مهمّتهم، مثل قانون «الكابيتال كونترول» وقانون الانتظام المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. ولكن المفارقة، انّهم انفسهم، او اثنان منهم على الاقل، لم يتجاوبوا سابقاً لإصدار تعميم لتنفيذ قرار حكومي صادر في 18 نيسان لتنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين، في انتظار صدور قانون «الكابيتال كونترول» عن المجلس النيابي.
رابعاً- من خلال الانطباع الاولي لاجتماعات نواب الحاكم في المجلس النيابي، يبدو انّ لعبة تبادل الاتهامات بين المجلس النيابي وحكومة تصريف الاعمال ستتكرّر، وسيرمي كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر، بما يعني انّ نواب الحاكم لن يحصلوا على ما يصبون اليه.