مصرف لبنان “أهدى” أموال المودعين على “طبق” الهدر والفساد

حان الوقت لاجراء السلطتين السياسية والنقدية قراءة نقدية للسياسات المتبعة لوقف مسلسل الانهيار وبدء الاصلاح. فالاعتراف بالخطأ يعتبر الوسيلة الوحيدة لاتخاذ القرار الصحيح. وطالما الجميع مصر على صوابية قراراته، فان محاولات الخروج من المأزق عبر المراوحة مكاننا تعمّق الحفرة وتزيد من عمق الأزمة.

تصريحات حاكم مصرف لبنان الأخيرة حول وجود غطاء قانوني للهندسات المالية التي اتبعها “المركزي”، وآلية تسليفه للدولة طوال السنوات الماضية، أثارت استهجان القانونيين. فالمادة 91 من قانون “النقد والتسليف” التي يتسلح بها الحاكم لتبرير إقراضه الحكومة مبالغ طائلة من حسابات المودعين، “لم تطبق وفق الاصول والمعايير القانونية ولا مرة”، برأي المحامي انطوان مرعب، الذي أنجز دراسة مفصلة عن الازمة النقدية ستنشر قريباً في مجلة كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية.

إستقراض مفتوح

صحيح ان هذه المادة 91 تجيز للحكومة “في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، الاقتراض من المصرف المركزي، بعدما تحيط حاكم المصرف علماً بذلك”. إلا انها أيضاً تقول ان “المصرف يدرس مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ… وفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد اي حل آخر، واذا ما اصرت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن للمصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب”. هذه الآلية الاستثنائية تحولت بحسب مرعب إلى عملية “استقراض مفتوحة ومتواصلة. موّل المركزي من خلالها “هدر” الحكومة المزمن من دون ان يتم الرجوع إلى المجلس النيابي الذي يعطي الكلمة الاخيرة كما تقتضي الاصول”. كلام الحاكم الاخير لمحطة “arab news”، يناقض تصريحاً سابقاً قال فيه سلامة: “دفعنا بالدولار عن الدولة مبلغ 16 مليار دولار، على أمل استرداد هذا المبلغ. وعودة هذه المبالغ تغيّر وضعية ميزانية مصرف لبنان وقدراته للتدخل في السوق”. وهو ما يعتبر، بحسب مرعب، “هدية” من احتياطي العملات الاجنبية التي تعود للمودعين، لا يحق لـ “المركزي” تقديمها لأحد حتى ولو كانت الحكومة. الامور لم تقف عند هذا الحد بل ان المركزي اضطر ان ينفق في السنوات الماضية بحسب “لازارد” 44 مليار دولار من أجل الدفاع عن تثبيت سعر صرف العملة عند هامش 1515 الذي جرى “اختراعه” في التسعينات.

كلمة “لا” تقضي مئة غرض

الحجج التي ساقها المركزي بانه لا يوجد مصرف مركزي في العالم فلّس حكومته وبان الاجراءات الاستثنائية التي اتخذها كان يجب ان تكون موقتة، ريثما يتم تطبيق الاصلاحات لم تعد تقنع احداً. استمرارها لفترة طويلة من الزمن مع علم مصرف لبنان المسبق بفساد الطبقة الحاكمة وهدرها المفرط للاموال وعدم تنفيذها الاصلاحات، حوّله إلى شريك. وبرأي مرعب فان قانون “النقد والتسليف” كان واضحاً لجهة ضرورة بحث الحكومة عن مصادر أخرى لتمويل نفقاتها. كاستصدار سندات دين وزيادة الرسوم والضرائب او الاقتراض من الخارج قبل ان تستدين اضطرارياً واستثنائياً من مصرف لبنان، هذا من جهة. أما من الجهة الاخرى فان رفض المركزي تسليف الحكومة كان من شأنه إجبارها على القيام بالاصلاحات وتخفيض النفقات، خصوصاً بعدما استنفدت كل الوسائل التمويلية من اصدار السندات وزيادة الضرائب ومحاولاتها اليائسة للاقتراض من الخارج”. فعند هذا الحد كانت قد اجبرت على تخفيض نفقاتها وتفعيل جبايتها وزيادة ايراداتها واصلاح مؤسساتها، وتحديداً الكهرباء التي كلفت نصف الدين العام، وترشيد موازنتها وحوكمة مؤسساتها، وهو ما كان جنب البلد الازمة التي نحن في صددها. فاذا كانت كلمة “نعم” تقضي غرضاً فان قول المركزي كلمة “لا” كانت لتقضي مئة غرض. ذلك مع التأكيد ان لا عواقب لرفض المركزي تسليف الدولة من الناحية القانونية.

أموال المودعين لن تعود

أسوأ ما في هذه الازمة هو سطوها على أموال المودعين بالعملات الاجنبية، وعجز كل الابتكارات والخطط التي يجري الحديث عنها بثقة تامة عن ارجاع الودائع بالعملة نفسها. فلا القروض الدولية ولا صندوق اصول الدولة من شأنهما ارجاع الودائع إلى مستحقيها. “لان الخطأ الجماعي المرتكب من قبل الدولة مروراً بالمركزي ووصولاً إلى المصارف سهّل المضي بالقرارات بعدما ركبت موجة تحقيق الارباح.. كبير جداً”، يقول مرعب. “ويجعل من الصعوبة بمكان، إن لم يكن من الاستحالة، ارجاع الاموال بالدولار. الودائع سوف ترد بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف معين”. انما هذا يعني استمرار مصرف لبنان في طباعة العملة بما يناقض المادة 69 من قانون النقد والتسليف التي تنص على “وجوب ابقاء موجودات المركزي من الذهب والعملات الاجنبية التي تضمن سلامة تغطية النقد اللبناني، توازي 30 بالمئة على الاقل من قيمة النقد الذي اصدره وقيمة ودائعه تحت الطلب. وعلى ألا تقل نسبة الذهب والعملات المذكورة عن 50 بالمئة من قيمة النقد المصدر”، و”هذا ما قد لا يكون بوسع مصرف لبنان احترامه على المدى البعيد”، يقول مرعب.”حيث لم يعد يوجد احتياط من العملات الاجنبية. يوجد فقط احتياطي الذهب. فهل يكفي مقابل وتيرة طباعة العملة؟”.

إلتزام الحكومة المستقيلة ببيانها الوزاري لجهة تحرير سعر صرف العملة كان ليكون بداية الطريق نحو الخروج من الازمة. وهذا ما لم تجد الجرأة لاتخاذه مثل الكثير من القرارات الاصلاحية في الكهرباء والمياه والاتصالات تاركة لمصرف لبنان اتخاذ القرارات منفرداً.

مصدرخالد أبو شقرا - نداء الوطن
المادة السابقةالحذر يسيطر على الأسواق ترقباً لرؤية {الفيدرالي} الأميركي
المقالة القادمةأرباح شركات الطاقة في السعودية تهبط 51.7 % في النصف الأول