مصرف لبنان :الاموال الخاصة لن تتراجع في وجه اي صدمة سلبية

صدر عن مصرف لبنان البيان الاتي : مقدمة: يعتمد مصرف لبنان، على غرار البنك المركزي الأوروبي والعديد من المصارف المركزية الأخرى، معايير محاسبية جديدة منذ سنة 2007.
إن المعايير الدولية للتقارير المالية IFRS قد اعدت أصلا من أجل الكيانات التجارية، لذا لا يمكن تطبيقها مباشرة على المصارف المركزية (سرمون، 2005). وهذا كان السبب الرئيسي وراء إنشاء معايير محاسبية منفصلة محددة في المبادئ التوجيهية الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي حول الإطار القانوني للمحاسبة والتقارير المالية ضمن الجهاز الأوروبي للبنوك المركزية.

إن مصرف لبنان، مثله مثل العديد من المصارف المركزية، اعتمد بشكل جزئي المعايير المتعلقة بعرض التقارير والإفصاح عنها، إذ إن تطبيقها الكامل يتعارض مع الإفصاح عن الأنشطة المؤثرة في السوق. من هنا، اختار مصرف لبنان، كما العديد من المصارف المركزية الأخرى، استبعاد بعض المعايير والمعالجات المحاسبية في سياق تطبيقه الجزئي لمعايير الـIFRS. وليس مصرف لبنان ملزما بتطبيق المعايير المحاسبية الدولية تحديدا، فهو معترف به قانونا وبموجب القرار رقم 9172 تاريخ 24 تشرين الأول 2005 كـ”شخص معنوي من القطاع العام يتمتع بالاستقلالية”، تقضي مهمته بالمحافظة على سلامة النقد ويقوم بدور المقرض الأخير.

الخسائر المدورة
قد تستمر الخسائر لعدة سنوات. ومن السبل المتاحة لتغطيتها استخدام الاحتياطيات المتراكمة، وفي حال استنفاد تلك الاحتياطيات، معاوضة offset الخسائر المدورة بالأرباح المستقبلية، وذلك إلى حين تصفية تلك الخسائر. ووفقا لدراسة أعدها البنك المركزي الأوروبي حول قواعد توزيع الأرباح وتغطية الخسائر لدى المصارف المركزية، تم تحديد المعالجتين أدناه ضمن عيّنة شملت 131 مصرفا:
o الخسائر المدورة، أي الخسائر (المتبقية) المسجلة في سنة معينة، والتي لا يمكن تغطيتها بواسطة احيتاطيات خاصة أو عامة specific or general buffers، تُدور إلى السنة (السنوات) اللاحقة مع احتمال معاوضتها بكل أو بجزء من الأرباح السنوية المستقبلية، ما قد يتسبب بأموال خاصة سلبية بانتظار استكمال العملية ( 28 مصرفا)؛ o المطلوبات مقابل الأرباح المستقبلية، وهذا مماثل لمعالجة الخسائر المدوّرة، مع اختلاف في طريقة العرض ضمن الميزانية بحيث تسجّل الخسائر كمطلوبات على الدولة، فلا يتمّ بالتالي تسجيل أي أموال خاصة سلبية (9 مصارف).

إن البنك الفدرالي الأميركي والبنك المركزي البريطاني والبنك المركزي الأوروبي والمصارف المركزية الوطنية في أوروبا، واجهت جميعها سلسلةً من الأزمات المالية، ولو كانت مختلفة المنشأ. وقد لجأت هذه المصارف المركزية أيضا إلى تدابير غير تقليدية هي أوسع وأخطر ماليا من أي تدابير اتخذتها سابقا.

إبان الأزمة المالية، قام معظم المصارف المركزية في كافة أنحاء العالم بعمليات غير معيارية وبحجم غير مسبوق. نتيجة لذلك، توسعت ميزانية العديد من المصارف المركزية بشكل ملحوظ، فتغيّرت سمات وخصائص مخاطرها للغاية. كما أدّت هذه الأحداث إلى وضع المعلومات المالية التي تنشرها المصارف المركزية في متناول الجمهور وإثارة التساؤلات حول سلامتها المالية.

وفي لبنان، أدت الظروف السياسية المتقلبة المصحوبة بتوتر إقليمي وبأعباء الأزمة السورية، إلى إضعاف وإنهاك الإقتصاد اللبناني لسنواتٍ عديدة. غير أن لبنان لا يزال يتميز بقدرته الفريدة على الصمود والإستمرار في ظلّ ضغوطات اجتماعية وسياسية واقتصادية تتّسم بصعوبة استثنائية.

إطفاء مصرف لبنان لكلفة السياسة النقدية
طوال السنة، يتم تدوير كلفة الفائدة على الأدوات المالية وتسجيلها كأصول في حسابات مؤقتة؛ على أن تتم معاوضة جزء منها في نهاية السنة وإطفاء ما تبقى بأرباح مستقبلية متأتية من عدة مصادر دخل يعترف بها مصرف لبنان كالقيمة الإبرائية لسك وطباعة العملة وعمليات السوق المفتوحة والأصول غير المادية.
ومن الأمثلة على الحالات التي تم فيها تسجيل الخسائر كأصول أو مطلوبات سلبية وليس كتخفيضات في الأموال الخاصة، نذكر دولة كوستا ريكا في مستهل ثمانينيات القرن الماضي والبيرو في الثمانينيات أيضا، وتايلاند إثر أزمة 1997، والمجر في التسعينيات. في كلّ من هذه الحالات، لم يكن الدخل المستقبلي مؤمنا. وغالبا ما تحوّلت هذه الأصول الخاصة إلى مكوّنات أساسية في الميزانية (أكثر من 50% في كوستا ريكا و25% في البيرو؛ أما في المجر، فالمطلوبات الإسمية على الدولة تجاوزت رأس المال بـ20 ضعفا). وقد أثّرت هذه المعالجات على مسار تحليل الأوضاع الاقتصادية وأسهمت مباشرة في تأزّم مالية المصارف المركزية، إذ إنها سمحت باستمرار التوزيعات للدولة بالرغم من ضعف مالي كبير متفاقم.

لقد أوضح البنك الفدرالي الأميركي مؤخرا بأن الخسائر التي تؤدي إلى نقص في الاحتياطيات (الفائض) نسبة إلى مستواها المطلوب، ستسجَّل كأصول تمثل قيمة تدني التحاويل المستقبلية إلى الخزينة واللازمة لإعادة تكوين الإحتياطيات. وبفضل هذه الممارسة التي تجيزها المبادئ المحاسبية المتعارف عليها عموما GAAP ( افتراضا أن الأرباح المستقبلية تكفي بشكل مؤكد لتحقيق القيمة المطلوبة لهذه الأصول )، فإن الأموال الخاصة لن تتراجع في وجه أي صدمة سلبية مؤقتة في الأرباح. لقد سبق لمصارف مركزية أخرى أن استخدمت هذه المعالجة، كالبنك المركزي الألماني في سبعينيات القرن الماضي.

الخاتمة
لا يعتبر مصرف لبنان أن هذه المبالغ هي خسائر. فهي مبالغ مدورة ومطفأة بمداخيل مستقبلية. إن مصرف لبنان مؤتمن على الحفاظ على العملة الوطنية بهدف تأمين أساس نمو اجتماعي واقتصادي دائم (المادة 70 من قانون النقد والتسليف).

المادة السابقةحمود: “المركزي” في موجوداته ومطلوباته هو ملك الدولة
المقالة القادمةالكيّ بالـ Hair cut داء “يبخّر” السيولة وليس دواء