لم تنجح خطة قمع السوق السوداء التي قرّرت الحكومة تطبيقها مع استئناف الصرّافين عملهم اوائل الاسبوع الماضي، فكان ان يتخذ مجلس الوزراء المزيد من القرارات غير المجدية، عبر إجبار حاكم مصرف لبنان هدر ما تبقّى من اموال المودعين، لضخّها في السوق وخفض سعر صرف الدولار الى ما دون الـ4000 ليرة.
صحيح انّ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية لم يرتفع الى 7000 ليرة كما أشيع في اليومين الماضيين، إلّا انّه كسر فعلاً حاجز الـ5000 ليرة ليتمّ تداوله عند 5500 ليرة، وليس في السوق السوداء فقط، بل لدى الصرافين المرخّصين الذين ارتأت الحكومة ان تجنّد عنصراً من القوى الامنية عند باب كلّ مؤسسة صيرفة، للحرص على تطبيقهم قرار عدم التلاعب بالاسعار المعلنة يومياً من قِبل النقابة. إلّا انّ الصرافين على اتصال متواصل مع زبائنهم، وهناك من يقف على الرصيف المقابل لمؤسساتهم، لخدمة الزبائن عبر شراء او بيع الدولار بسعر السوق السوداء.
وبالتالي، فإنّ الخطة التي سبق لرئيس الحكومة حسان دياب ان اعتمدها بالتعاون مع نقابة الصرافين الاسبوع الماضي لخفض سعر صرف الدولار بقوّة العصا والتهديد وسجن الصرافين، لم تأتِ بالنتائج المرجوة ولم يصل سعر الصرف الى 3200 ليرة كما كان مخططاً له، بل انّه ما زال يقبع، وفقاً لبيان نقابة الصرافين امس، عند 3890 حداً أدنى و 3940 حداً أقصى.
لكنّ بيانات نقابة الصرافين الصادرة يومياً هي شكلية فقط، لأنّ أحداً من الزبائن لا يقوم ببيع الدولار وفقاً لتلك التسعيرة، كما انّ أحداً من الصرّافين المرخصين لا يبيع الدولار بالتسعيرة المحدّدة بحجّة انّه لا يملكه، ليتحوّلوا جميعاً الى السوق السوداء.
بالإضافة الى ذلك، عدّلت مديرية النقد لدى مصرف لبنان امس سعر صرف الدولار للتحاويل النقدية الإلكترونية الواردة من الخارج الى 3,840 ليرة في كافة شركات تحويل الأموال، مقارنة مع 3200 ليرة في السابق. مما يؤكّد انّ حجم التحويلات المالية من الخارج عبر تلك الشركات قد تراجع بشكل لافت، نتيحة اعتماد سعر صرف بعيد جداً عن الاسعار المتداولة في السوق السوداء.
ومع تمسّك الحكومة بنظرية خفض سعر صرف الدولار من خلال القمع الامني للسوق السوداء، وهي تجربة باءت بالفشل، اعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد اجتماع عقده رئيس الجمهورية ميشال عون امس ضمّه ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب، انّه تمّ الاتفاق على “تخفيض قيمة الدولار ازاء العملة اللبنانية ابتداء من اليوم (أمس) وسيظهر ذلك بدءاً من الاثنين، الى ما دون 4000 ليرة للدولار الواحد، وصولاً الى 3200 ليرة للدولار”.
وكان مجلس الوزراء قرّر امس، انّ على مصرف لبنان ضخ السيولة بالعملة الاجنبية في السوق، بما يكفي حاجة المستوردين والمواطنين، حيث اكّد نائب نقيب الصيارفة محمود حلاوي في تصريح من السرايا “اننا سنرشّد بيع الدولار كي لا يذهب مخزون البنك المركزي “عالفاضي”، وسنلتزم بيع الدولار بسعر 3940 اي السعر الذي وضعته نقابة الصيارفة”. وتمنّى وفد الصيارفة على اللبنانيين أن يقصدوا الصرّافين المرخصين “فذهابهم الى السوق السوداء سيؤدي الى خروج الدولار من البلد”.
واوضح حلاوي لـ”الجمهورية”، انّ الصرّافين سيقومون ببيع الدولارات التي سيؤمّنها لهم مصرف لبنان للمستوردين، شرط إثبات ابراز الاوراق الرسمية كترخيص الشركة ورخصة الاستيراد وفاتورة طلبية المواد المنوي استيرادها.
كما اشار الى انّ الصرافين سيبيعون الدولار ايضاً للافراد الذي يثبتون بالاوراق الرسمية حاجاتهم للدولار، من اجل دفع اقساط اولادهم في الخارج او تسديد رواتب العمال الاجانب على سبيل المثال.
اما باقي المواطنين الذين يطلبون شراء الدولار من دون اي اوراق تثبت حاجتهم له، قال حلاوي، انّه سيحق لهم شراء 200 دولار فقط.
وكشف انّ حاكم مصرف لبنان تعهّد امام الحكومة، تأمين الدولار من احتياطه لتلبية حاجة الصرافين ومن دون سقف، وتمّ التوصل الى اتفاق على ان يضخ البنك المركزي 30 مليون دولار، يمكن ان تخدم الصرافين لمدة اسبوع، على اعتبار انّ حاجة الاستيراد تبلغ حوالى 6 ملايين دولار يومياً.
واشار حلاوي، الى انّه تمّ المراهنة على ضخ سيولة في المرحلة الاولى تلبّي حاجة السوق، من اجل احداث صدمة ايجابية تؤدي الى خفض سعر الدولار وتقضي على السوق السوداء، مما قد يجعل المواطنين يلجأون مجدداً للصرافين المرخصين لبيع دولاراتهم وليس الى السوق السوداء، على أمل ان تتراجع لاحقاً حاجة الصرافين لدولارات مصرف لبنان.
وقال حلاوي، انّ الصرافين حصلوا امس على الدولارات من مصرف لبنان، ما ادّى الى تراجع سعر الصرف الى 4500 ليرة.
كما لفت الى انّه تمّ الاتفاق خلال اجتماع امس، على إلزام كل من يريد تحويل الدولارات عبر المصارف، اثبات مرجعية تلك الدولارات من خلال وصولات لعملية الصرف لدى الصرافين المرخصين.
بيان مصرف لبنان
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد اصدر بياناً امس جاء فيه:
“عطفاً على بياننا الصادر في 2020/6/9 والمتعلق بآلية بيع وتسليم شركات الصيرفة الدولار، نطلب من كل شركات الصيرفة من الفئة “أ” التقدّم بطلبات حصولها على الدولار نقداً من شركات تحويل الأموال OMT,OCI,Masri أو مباشرة من المركز الرئيسي لمصرف لبنان، وذلك وفقاً للأسعار التي تحدّدها نقابة الصرافين يوميا (3940 – 3910). كما يطلب من شركات الصيرفة إرسال جدول يومي بأسماء المستفيدين والمبالغ والتعليل، على أن تتمّ مراجعة هذا الجدول من قبل لجنة في مصرف لبنان”.
بركات
من جهته، اعتبر كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة د. مروان بركات، انّ تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار مردّه لفقدان عام للثقة في ظلّ التخبّط السياسي الذي يشهده لبنان. وقال لـ”الجمهورية”، انّ تراجع حركة الأموال الوافدة إلى لبنان هي من الاسباب ايضاً التي ادّت الى هذا التدهور، حيث سجّل ميزان المدفوعات عجوزات كبيرة في الآونة الأخيرة، حيث بلغ العجز التراكمي 19 مليار دولار في العقد المنصرم.
كما اشار بركات، الى انّ انخفاض احتياطيات مصرف لبنان السائلة إلى ما دون 20 مليار دولار أدّى الى تراجع قدرته على التدخّل في سوق القطع. بالاضافة الى انّ خلق نقد بالليرة اللبنانية في ظلّ العجز المالي للدولة، والذي ارتفع بنسبة 76% هذه السنة، نتيجة تراجع الإيرادات العامة وزيادة الإنفاق العام، سبّب ضغوطاً إضافية في السوق الموازية. لافتاً الى النزف الناجم عن التهريب عبر المعابر غير الشرعية.
واعتبر بركات “إنّ الإجراءات المعتمدة للجم الضغط في السوق الموازية تبقى مرحلية الأبعاد. أما على المدى المتوسط والطويل، فيبقى العامل الأهم للجم التدهور النقدي هو احتواء العجوزات في ميزان المدفوعات وإصلاحات الدولة لخفض عجوزاتها وحاجاتها التمويلية”.