كان من المفترض أن يعلن وزير الصحة العامة، حمد حسن، اليوم، لائحة الأولويات التي عملت عليها الوزارة، بناءً على طلب مصرف لبنان، لاستمرار عملية دعم الدواء، إلا أن حاكم المصرف، رياض سلامة، قرّر أن يفسد الأمر. وقبل ساعاتٍ من الموعد المنتظر، خرج سلامة بلائحته الخاصة التي نسف من خلالها كل أمل بتحصيل موافقة ممكنة لدعم الدواء. هكذا، وقبل ساعات من المؤتمر الصحافي المرتقب، ضرب سلامة ضربته، مستبقاً ما قد يقوله حسن اليوم في إعلانه، سواء كان حول ماهية الأدوية المطلوب دعمها أو القيمة المفترضة. ما فعله سلامة بدا محاولة لـ«فرملة» حماسة حسن ودفعه إلى التفكير ملياً… وترشيد ما أمكن من لائحة الأولويات.
منذ البداية، كان ثمة شكّ في ما يطلقه من وعود، وقد تأكّد هذا الأمر أمس مع الجردة التي خرج بها عقب اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان. وأعلن فيها الأخير أن ما صرفه على الأدوية والمستلزمات الطبية خلال ستة أشهرٍ من العام الجاري يفوق ما صرفه طوال العام الماضي. وبالأرقام، يلفت بيان المركزي إلى أن ما صرف حتى الشهر السادس من العام الجاري، بلغ ما قيمته مليار و500 مليون دولار أميركي، فيما كانت القيمة الإجمالية العام الماضي كله بحدود مليار و173 مليون دولار أميركي.
لا يفهم المعنيون من تلك الضربة الاستباقية سوى دأب حاكم مصرف لبنان دوماً على «ذر الرماد في العيون»، على ما تقول مصادر وزارة الصحة. يستغرب هؤلاء «قدرة هذا الرجل على تزوير الحقائق»، مؤكدين أن هذه الأرقام التي أوردها حول قيمة الدعم «غير دقيقة، استناداً إلى الكشوفات والتدقيق في الفواتير التي قامت بها مصلحة الصيدلة في وقتٍ سابق». فبحسب المعطيات التي توافرت، تبيّن أن «الحسابات التي يوردها سلامة لا تعود كلها للعام الحالي، إذ إن هناك حسابات تعود إلى الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي والتي يدمجها سلامة مع العام الحالي»، وقد ذهب الوزير حسن أبعد من ذلك أمس خلال مقابلة تلفزيونية بالقول إن «الفواتير التي سدّدها المصرف والتي يقول بأن قيمتها 536 مليون دولار لستة أشهر تضم فواتير متراكمة منذ شهر تموز من العام الماضي، والواضح أن أحداً لم يزوّد حاكم المصرف بتلك الأرقام». أما ما يتعلق بقيمة المبالغ التي لا تزال عالقة، فقد لفت حسن إلى أن بعضها مسجّل مرتين، بدليل اختلاف الأرقام بين الوزارة والمصرف، ومن هنا «سيكون هناك تفنيد لتلك الأرقام»
هذه الوقائع تكشف حالة من الاستعصاء التي لا حلّ لها سوى بأن تقرر الدولة، استناداً إلى حالة «التعبئة العامة» المفروضة بسبب أزمة وبائية، التصرّف وفق ما تقتضيه الحالة الطارئة التي تعيشها البلاد. البداية هي بمصادرة الأدوية المخزنة في المستودعات، ومعاقبة المستوردين والتجار الذين يثبت تورطهم بالتهريب. والأهم، إسقاط صفة «السلعة» عن الدواء، كونه من الحاجات الحيوية، واستيراده مباشرة وإيصاله إلى مستحقّيه من دون أرباح وتكاليف تسويق.
إلى ذلك، وعلى خط اللوائح التي سيعلنها حسن، تجدر الإشارة إلى أن هناك 4 لوائح جرى دمجها في ثلاث، واحدة للأدوية غير المدعومة والتي تضم أدوية الـ otc والـ acute (أي التي لا تستهلك سوى مرة خلال العام أو مرتين) وهي بحدود 1300 دواء. أما لائحة الأدوية المدعومة، فهي مقسّمة ما بين لائحة أدوية الأمراض المزمنة وأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية. وبالنسبة إلى أدوية الأمراض المزمنة، هناك توجّه نحو دعم المادة الدوائية، واختيار الدواء ذي الفعالية والأوفر ثمناً، ودعم «الجينيريك والبراند وفق معيار ثابت»، إلا أن هذه النقطة الأخيرة لا تزال موضع نقاش. في لائحة الأدوية المستعصية والسرطانية، فالميل نحو تفعيل لجنة المناقصات من أجل إجراء مناقصة موحّدة لكل الصناديق والجهات الضامنة للاستيراد المباشر لأدوية السرطان بما يخفف الكلفة في الفاتورة الدوائية، وخصوصاً أن تلك الأدوية تشكل ما نسبته 35% من مجمل الأدوية.