مصرف لبنان يملك 1220 عقاراً مساحتها 43 مليون م٢

يطرح مصرف لبنان بين الحين والآخر وبشكل خجول بعضاً من العقارات الخاصة التي يملكها والتي استحوذ عليها من المصارف التي تمّت تصفيتها، او من خلال دعمه للمصارف المتعثرة من خلال شراء العقارات التي تملكها من اجل دعمها بالسيولة التي تحتاجها وتفادي افلاسها، بدلاً من فرض اصلاح هيكلي فيها ومعالجة اسباب تعثرها بشكل جدّي. اللافت في الامر ان صفقات بيع العقارات لمصرف لبنان من قبل المصارف كانت تدرّ الاموال على المصارف المتعثرة لصالح إنقاذها وعلى الخبراء الذين يوكلهم مصرف لبنان مهمّة تحديد قيمة العقار.

سمسرات وتقييمات

وبما ان مصرف لبنان كان يسدد للمصارف 60 في المئة من القيمة التقديرية التي يحددها الخبراء، فان سمسرات عديدة وكبيرة كانت تحصل بين المصارف والخبراء من اجل تزوير قيمة العقارات. لا بل كانت تعمد المصارف المتعثرة التي تحتاج الى السيولة، الى شراء العقارات بأبخس الاثمان لاعادة بيعها لمصرف لبنان بأسعار مضاعفة أضعافاً. أي على سبيل المثال، كانت المصارف تشتري عقاراً بمساحة 100 ألف متر مربع بقيمة دولار واحد للمتر المربع وتبيعه في اليوم الثاني للبنك المركزي بقيمة 3 دولارات للمتر المربع.

منطقة الطفيل

كما ان قضية منطقة الطفيل الحدودية خير مثال عن تلك الممارسات. فقرية الطفيل تبلغ مساحتها ما يقارب 40 كيلومتراً مربعاً وهي جزء من لبنان ولا يمكن الوصول اليها الا من الاراضي السورية ولا تربطها بسهل البقاع اي طريق معبدة بل هناك بعض الطرق الترابية التي تستعمل غالباً للتهريب. يملك مصرف لبنان الجزء الاكبر من العقارات في المنطقة المذكورة نتيجة شرائه عقارات في الطفيل من بنك “مبكو” الذي كان متعثراً آنذاك ومهدداً بالافلاس. وبهدف إنقاذ المصرف وحسابات المودعين المنتمين بغالبيتهم لحركة “أمل” تمّ تخمين قيمة المتر المربع بـ13 دولاراً، علماً ان القيمة الحقيقية لم تكن تساوي دولاراً واحداً! وقد أشيع في العام 2019 ان مصرف لبنان باع عقارات الطفيل الى شخصية سورية لها علاقات مباشرة بشخصيات مقربة من النظام السوري، بقيمة 22 مليون دولار.

ماذا تتضمّن المحفظة؟

تتضمن محفظة مصرف لبنان العقارية حالياً 1200 عقار خاص على مساحة تبلغ اكثر من 43 مليون متر مربع، متوزعة بين كافة المحافظات اللبنانية، وفي محافظة الشمال حصة الاسد حيث يبلغ عدد العقارات التي يملكها مصرف لبنان هناك 634 عقاراً هي بغالبيتها اراض باستثناء عقار هو عبارة عن حصة في بناء، وعقار عبارة عن شقة سكنية. تلي محافظة الشمال، محافظة جبل لبنان التي يملك فيها البنك المركزي 395 عقاراً، هي بغالبيتها ايضاً اراض. من ثم بيروت التي يملك فيها 81 عقاراً في غالبيتها تعود سابقاً الى بنك المدينة، تليها محافظة البقاع التي يملك فيها 62 عقاراً، فالجنوب 24 عقاراً واخيراً النبطية 4 عقارات فقط.

الاصول الثابتة 4.6 مليارات دولار

ضمن ميزانية مصرف لبنان الرسمية عن كانون الثاني 2023، تبلغ قيمة الاصول الثابتة التابعة للبنك 437106 مليارات ليرة، اي ما يعادل حوالى 29 مليار دولار على سعر صرف الـ15 ألف ليرة الرسمي المعتمد في القطاع المصرفي، او ما يعادل حوالى 4 مليارات و600 مليون دولار على سعر صرف السوق الموازية. تضم الاصول الثابتة محفظة العقارات التي يملكها مصرف لبنان بالاضافة الى ممتلكاته الخاصة الاخرى، كحصته في شركة انترا التي تمتلك العديد من العقارات.

لا تقديرات رسمية

لا توجد تقديرات دقيقة او رسمية لقيمة محفظة عقارات مصرف لبنان حالياً، لان الممتلكات التي يستحوذ عليها مصرف لبنان تسجل قيمتها في دفاتره بالسعر الذي تم تسديده تاريخ اتمام عملية الشراء وبالليرة اللبنانية. وبالتالي، تستوجب عملية تقدير قيمة محفظة العقارات اعادة تخمين لمجمل العقارات التي يملكها بعد انهيار سعر الصرف وبعد تبدّل أسعار العقارات.

مغارة علي بابا

وبما ان مصرف لبنان من الجهات المسؤولة عن الانهيار الاقتصادي والمالي وتضرُّر المودعين، فان الخوض في بحث لتحديد محفظة مصرف لبنان العقارية امر ضروري، في ظل الحديث عن أهمية تقاسم الخسائر واعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف وكيفية تحصيل حقوق المودعين وتمويل الميزانية العامة. وعلى حدّ تعبير احد المسؤولين فان محفظة مصرف لبنان العقارية ليست محفظة بل هي “مغارة علي بابا”، وبالتالي يجب التدقيق في عمليات البيع والشراء التي تمّت خلال السنوات العشر الماضية والتي لم يعلن عنها.

عياش: لا ضمانة للحصول على تخمين شفاف

في هذا الاطار، اوضح نائب حاكم مصرف لبنان السابق، د. غسان عياش ان استحواذ مصرف لبنان على تلك العقارات تمّ لدى تصفية البنوك المتعثرة في الماضي، وقد استملك عدداً كبيراً منها أيام توّلي إدمون نعيم سدّة الحاكمية، حيث كان يلجأ الاخير الى تصفية المصارف المتعثرة وشراء العقارات التي تملكها بدلاً من محاولة معالجة اوضاعها وإجبارها على زيادة رأسمالها. وقد “كرّت السبحة” لاحقاً، حيث بات البنك المركزي برئاسة رياض سلامة يساهم في مدّ المصارف المتعثرة بالسيولة المالية مقابل استحواذه على عقاراتها.

واعتبر عياش انه من المفترض اليوم ضمن المعالجات المطروحة لاسترداد الودائع، تصفية محفظة العقارات التي يملكها مصرف لبنان، “ولكنّ المشكلة تكمن بانعدام الطلب على العقارات حالياً وبعدم الضمانة في حصول عملية تخمين شفافة لقيمة العقارات، نظراً لعمليات التزوير والسمسرات والفضائح التي حصلت في الماضي”.

ضاهر: التدقيق أولاً ثم تحديد المسؤوليات

من جهته، شدد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين المحامي كريم ضاهرعلى ان أي استخدام لاصول مصرف لبنان اي اصول الدولة يجب ان يأتي في اطار خطة اقتصادية متكاملة تتضمن كيفية استعادة الودائع، وليس عبر خطوات مجتزأة. واوضح لـ”نداء الوطن” انه يجب أوّلا اعادة هيكلة مصرف لبنان والانتهاء من التدقيق الجنائي لتحديد العجز الفعلي في ميزانية مصرف لبنان وتحديد الاسباب او الجهات المسؤولة عن ذلك.

لا يجوز استخدام المحفظة

ورأى ضاهر انه لا يمكن استخدام محفظة مصرف لبنان العقارية على غرار المطالبات ببيع اصول الدولة لسدّ الودائع، لان مصرف لبنان مدين للمصارف وليس للمودعين، والمصارف بدورها مدينة للمودعين بمعزل عن علاقة المصارف بمصرف لبنان. وبالتالي أكد انه يجب تحميل المسؤولية الكبرى لاصحاب المصارف والمساهمين واجراء عملية اعادة هيكلة للمصارف وتحديد المصارف التي يمكن إنقاذها والتي تستوجب اعادة رسملتها. موضحاً انه في اطار اعادة الرسملة، وفي حال تبيّن ان هناك مبالغ مستحقة للمصارف لدى مصرف لبنان تتم اعادة جدولتها. أما المصارف التي لا يمكن إنقاذها والتي يجب تصفيتها، فان الدين المترتب على مصرف لبنان تجاه تلك المصارف، اي العجز الذي سيتم تحميله للمودع بنهاية المطاف، يمكن حينها تطبيق المادة 313 وتحميل الدولة اي مصرف لبنان المسؤولية تجاه المودعين الذين لم يسترجعوا حقوقهم رغم تصفية المصارف المتعثرة.

استخدام في إطار حوكمة

وبالتالي، أشار ضاهر الى انه بعد حلّ عملية التشابك بين مصرف لبنان والمصارف والطبقة السياسية، وبعد وضع آلية واضحة لضمان حقوق المودعين على المدى البعيد، يمكن آنذاك استثمار محفظة مصرف لبنان العقارية لاعادة حقوق المودعين على مراحل، باطار حوكمة رشيدة وادارة شفافة على صعيد مصرف لبنان.

تحذير من إفادة كبار المودعين فقط

وحذر ضاهر من ان تصفية محفظة مصرف لبنان العقارية لتسديد الديون المترتبة على مصرف لبنان للمصارف، لن تصبّ سوى في مصلحة كبار المودعين الذين راهنوا بأموالهم رغم درايتهم التامة بالمخاطر الكبرى بهدف تحقيق الارباح. وبالتالي لن تصبّ عملية تسديد ديون مصرف لبنان في صالح صغار المودعين (88% من اجمالي المودعين) واصحاب الودائع المتوسطة المشروعة والذين يُخطط لهم ان يستمروا في استنزاف ودائعهم عبر الاقتطاعات المفروضة حالياً من خلال التعاميم، الى حين سحبها كاملة. هذا السيناريو، سيطرح لاحقاً بيع اصول الدولة او تصفية محفظة مصرف لبنان العقارية لتسديد الودائع الكبرى المشبوهة او غير المشروعة او اصحاب الثروات الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة والاشخاص النافذين.

مصدرنداء الوطن - رنى سعرتي
المادة السابقةمخالفات الكازينو: الدولة «تستلشق» بـ 500 مليون دولار سنوياً!
المقالة القادمة“الطاقة المُتجدّدة” يلفّ ويدور في “لجنة المال”: فهل يبصر النور؟