يناقض مصرف لبنان نفسه فيما خص سعر صرف الدولار. إذ اعتبر في بيان له أن الأسعار الواقعية لسعر الدولار الأميركي، مقارنة بالليرة اللبنانية، هي تلك المعلنة يومياً من مصرف لبنان، بناءً على التداول الجاري في السوق، والمسجّل على منصة “صيرفة”. نافياً صحة أي أسعار أخرى للدولار. علماً أن المنصة التي يتحدث عنها مصرف لبنان تسعّر الدولار اليوم على سبيل المثال بمعدل 20000 ليرة للدولار، في حين أن السعر المعمول به في مؤسسات تحويل الاموال OMT وسواها، محدّد من قبل مصرف لبنان أيضاً، ويبلغ اليوم 24300 ليرة. فكيف يعتبر مصرف لبنان أن الأسعار المتداولة غير واقعية؟ وهو من يسعر التحويلات المالية الواردة من الخارج بأسعار متقاربة جداً وأسعار السوق السوداء للدولار.
إذا أخذنا بادعاء مصرف لبنان أن عمليات التداول وتسعير الدولار هي فقط تلك التي تتم عبر منصة صيرفة، إذاً، كيف يمكن تفسير قرار مصرف لبنان الأخير المرتبط باستيراد النفط، والقاضي بخفض نسبة تأمين الدولارات من 100 في المئة إلى 90 في المئة وتوجهه إلى خفض المزيد في المرحلة المقبلة؟ فهذا اعتراف واضح من مصرف لبنان بأن جزءاً من المستوردات تتم عبر تأمين الدولارات من قبل المستوردين من السوق السوداء مباشرة. وطالما ان حجم الطلب غير معروف في السوق السوداء ولا يمكن حصره أو ضبطه، كيف يمكن لمصرف لبنان أن يجزم بأن سعر صرف الدولار في السوق السوداء غير حقيقي؟
كما جاء في بيان مصرف لبنان “أن وراء هذه التطبيقات مصالح منها سياسية ومنها تجارية، وقد سعت السلطات القضائية والسلطات الأمنية إلى ضبط هذه التطبيقات، بناء على طلب الحكومة اللبنانية. وكون الكثير منها موجود خارج لبنان، قام مصرف لبنان بمطالبة شركات الانترنت العالمية بإلغاء هذه التطبيقات عن شبكاتها”، مؤكداً أنه سيتابع هذا الأمر في الخارج وسيحمّل المسوؤلية لشركات كـGoogle وFacebook وغيرها، لما لهذه التطبيقات من ضرر على لبنان، ويطالبها بنشر السعر الرسمي وسعر Sayrafa فقط.
لا شك أن من بين المستفيدين والمساهمين في التلاعب بسعر صرف الدولار تطبيقات تعمل لأهداف سياسية ومصالح مادية، لكن هل المصالح السياسية والمادية كافية ليتمكّن هؤلاء من التلاعب بسعر الصرف؟ أليست ممارسات مصرف لبنان التي أفقدته احتياطاته الأجنبية هي ما ساهم وبشكل أساسي بالوضع القائم، وبتدهور العملة الوطنية؟
يحاول مصرف لبنان “طمر” رأسه بالرمال، كي لا يعترف بحقيقة أن الانهيار النقدي بات واقعاً. وموجة الطلب على الدولار، الناجمة بشكل أساسي من انعدام الثقة بالعملة الوطنية، لن تهدأ قريباً.