مصرف لبنان 2023: أرباح “ذهبيّة” بقيمة 2.15 مليار دولار

لم يختلف العام 2023، على المستوى الاقتصادي، عن الأعوام الثلاثة الماضية، لناحية استمرار المراوحة وغياب المعالجات الجذريّة. وهو ما أبقى المعالم الأساسيّة للأزمة المصرفيّة على حالها. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى مجموعة من التطوّرات التي شهدتها ميزانيّة مصرف لبنان خلال العام، وخصوصًا على مستوى قيمة احتياطات الذهب والعملات الأجنبيّة.

فحتّى أواخر تشرين الثاني، استمرّ المصرف المركزي بتحصيل الأرباح الدفتريّة الناتجة عن ارتفاع أسعار الذهب العالميّة، والتي بلغت قيمتها حتّى الآن 2.15 مليار دولار. كما استمرّ بمراكمة الاحتياطات الماليّة الناتجة عن شراء الدولار من السوق، في مرحلة ما بعد رياض سلامة، والتي بلغت قيمتها حتّى الآن 490 مليون دولار. بطبيعة الحال، مازالت كل هذه التغيّرات بعيدة عن المس أو التأثير بأسباب الانهيار المصرفي المستمر، إلا أنّها ستؤثّر حكمًا على تركيبة الميزانيّة وملاءتها.

التغيّر في قيمة احتياطات الذهب
الأرقام المتوفّرة في بداية الشهر الحالي، كانون الأوّل، تشير إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب قد ارتفعت لتلامس حدود الـ 18.8 مليار دولار أميركي، وهو ما يزيد بنحو 599 مليون دولار عن قيمة هذه الاحتياطات قبل 15 يوم فقط، أي في منتصف الشهر الماضي تشرين الثاني. ومن المعلوم أن ارتفاع قيمة احتياطات الذهب في الميزانيّة بهذا الشكل السريع، الذي قاربت نسبته 3.3% خلال نصف شهر، ارتبط بشكل أساسي باستمرار الارتفاع في أسعار الذهب العالميّة، التي غالبًا ما تشهد قفزات من هذا النوع خلال الأزمات والاضطرابات الاقتصاديّة والعسكريّة.

على أي حال، ما جرى في بدايات هذا الشهر لم يكن جديدًا هذه السنة. ففي أواخر تشرين الأوّل، سجّل بند احتياطات الذهب في ميزانيّة المصرف المركزي ارتفاعًا ليصل إلى حدود الـ 18.42 مليار دولار، وهو ما زاد بنحو 1.05 مليار دولار عن قيمة الاحتياطات في منتصف الشهر نفسه. بمعنى أوضح، لم يكن ارتفاع قيمة احتياطات الذهب في بداية هذا الشهر مجرّد حدث عابر، بل كان جزءًا من مسار بدأ منذ أشهر، نتيجة الارتفاع المستمرّ والثابت في أسعار الذهب العالميّة. مع الإشارة إلى أنّ أسعار الذهب العالميّة ارتفعت بنسبة 11% منذ اندلاع حرب غزّة في 7 تشرين الأوّل، وهو ما يفسّر هذه التحوّلات في ميزانيّة المصرف المركزي.

على أي حال، إذا أردنا احتساب المكاسب الإجماليّة التي حققها مصرف لبنان خلال عام 2023، جرّاء ارتفاع أسعار الذهب، يمكن الإشارة إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب لم تكن تتجاوز حدود 16.65 مليار دولار في بداية السنة. وهذا ما يشير إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب ارتفعت بحوالى 2.15 مليار دولار منذ بداية العام 2023. وهذا المبلغ، سيزيد بطبيعة الحال من قيمة الموجودات السائلة أو القابلة للتسييل من الناحية الماليّة، وإن كان القانون يحظر حاليًا استخدام هذه الموجودات إلا بموافقة المجلس النيابي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب في بداية شهر تشرين الثاني الماضي، زادت بنحو 3.28 مليار دولار قيمة الاحتياطات في الفترة المماثلة تمامًا من العام الماضي، ما يؤكّد مجددًا أهميّة وحجم المكاسب التي حققها المصرف المركزي جرّاء هذه التحوّلات.

الزيادة في احتياطات العملات الأجنبيّة
في بداية الشهر الراهن، كان حجم الموجودات الخارجيّة لدى مصرف لبنان –أي الأصول بالعملات الأجنبيّة- قد ارتفع ليلامس 14.28 مليار دولار، من بينها نحو 5 مليار دولار هي كناية عن سندات يوروبوند يملكها مصرف لبنان ولا يستطيع تسييلها بقيمتها الإسميّة. بهذا المعنى، يمكن القول أن حجم الاحتياطات السائلة بالعملات الأجنبيّة بلغ حدود 9.28 مليار دولار في بداية هذا الشهر.

من الناحية العمليّة، تشير هذه الأرقام إلى أنّ المصرف المركزي خسر حوالى 910 مليون دولار من إجمالي احتياطاته بالعملات الأجنبيّة خلال العام 2023، إذا ما قمنا بمقارنة مستوى الاحتياطات الحالي بمستواه في بداية السنة الراهنة. ويعود الجزء الأساسي من هذه الخسائر إلى عمليّات ضخ الدولار التي قام بها الحاكم السابق رياض سلامة، من خلال منصّة صيرفة، قبل مغادرته الحاكميّة في بداية شهر آب الماضي.

إلا أنّ التحوّل الأهم يتمثّل في المسار المعاكس تمامًا، الذي شهده المصرف المركزي بعد مغادرة سلامة. فمنذ ذلك الوقت، ارتفعت قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة بأكثر من 490 مليون دولار، بعدما علّق الحاكم بالإنابة وسيم منصوري –مدعومًا بإجماع المجلس المركزي- عمليّات ضخ الدولار على حساب الاحتياطي، ناهيك عن تعليق العمل بمنصّة صيرفة نفسها. ومنذ ذلك الوقت، بدا أنّ المصرف المركزي نجح في الحفاظ على توازن نقدي مالي معقول، يسمح بالحفاظ على سعر مستقر لليرة في السوق الموازية، كما يسمح بمراكمة الاحتياطات (بدل استنزافها) عبر شراء الدولار من السوق.

على أي حال، وبعدما أعلن مصرف لبنان خلال شهر كانون الأوّل إنهاء العمل بسعر المنصّة نفسه، من المرتقب أن يشهد العام المقبل إطلاق المنصّة البديلة، التي يتم العمل عليها مع شركة “بلومبيرغ”. ومن المفترض أن تحدد المنصّة الجديدة آليّات تداول العملة الصعبة في السوق بيعًا وشراءً، بدل الارتكاز إلى سعر السوق الموازية كما هو الحال الآن.

في النتيجة، لن تؤدّي كل هذه المكاسب إلى معالجة أصل الأزمة المصرفيّة التي ضربت القطاع المالي، والتي تتمثّل في فجوة ضخمة يتجاوز حجمها حدود 73 مليار دولار. إلا أنّ التحوّل المرتبط بحجم الاحتياطات يدل على إمكانيّة تحقيق الحد الأدنى من التوازن النقدي، من دون الاضطرار لتعميق هذه الفجوة وهدر المزيد من الاحتياطات المتبقية. أمّا التحوّل المرتبط بقيمة احتياطات الذهب، فسيؤدّي إلى تقليص حجم الفجوة الموجودة، بفعل زيادة قيمة الموجودات الحقيقيّة، وإن لم يتم استعمالها للتعامل مع الأزمة المصرفيّة. أمّا المعالجة الجذريّة للأزمة القائمة، فمتعذّر من دون رزمة الإصلاحات الشاملة، التي لا يمكن المضي بها إلا من خلال الخطّة الماليّة المتكاملة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةمنطقة الخليج أمام طفرة أكبر في سوق الطروحات
المقالة القادمة2023 عام انهيارها وتقليص دورها: ما ينتظر الليرة بـ2024