مصر تستعين بتجربة الهند لإنقاذ صناعة الورق

تتطلع مصر إلى تجربة الهند في توطين صناعة الورق التي تعتمد بشكل رئيسي على مخلفات محصول الأرز، وسد فجوة استهلاك الورق، وحل مشكلة حرق قش الأرز التي تتسبب في الاحتباس الحراري، وتزيد معاناة مرضى الصدر وترفع فاتورة العلاج سنويا مع تراجع هذه الصناعة بسبب التكنولوجيا، غير أن الإقبال عليها لا يزال مستمرا لتعدد استخداماتها.

تحاول القاهرة استنساخ التجربة الهندية في صناعة الورق عبر تدشين مصانع متكاملة تعتمد على قش الأرز في تصنيع ورق الكتابة لسد فجوة الاستهلاك المحلية ومواجهة مشكلة حرق قش الأرز التي تتكرر كل عام.

وتعاني القاهرة أزمة سنويا نتيجة غياب تقنية لإعادة تدوير أكثر من ستة ملايين طن من قش الأرز واستخدامه في عمليات التصنيع، ما يدفع المزارعين للتخلص منه عبر الحرق الذي يزيد أمراض الصدر والحساسية لدى المواطنين.

ووقعت مجموعة “الرتيمي” اتفاقا مع عدد من المستثمرين الهنود لتدشين أول مجمع عملاق لصناعة الورق، وانتهت من إعداد دراسة جدوى المشروع، ويتم عرضها حاليا على مجلس الوزراء.

ويوفر المصنع الجديد أكثر من 1.5مليار دولار قيمة واردات المنتجات الورقية لمصر، ويسهم في حل مشكلة الاحتباس الحرارى، وزيادة القيمة المضافة لقش الأرز في عمليات التصنيع.

وتتيح مصانع الورق الهندية التي سيتم تدشينها في مصر عبر سلسلة من الاستثمارات منتجات متنوعة من الورق، سواء الورق الفاخر في عمليات الطباعة أو المقوى الذي يدخل في صناعة الكرتون.

وتصاعد الطلب على هذه الصناعة في ظل اتجاه البلاد لتعميم الأكياس الورقية في جميع المحال والمطاعم والسلاسل التجارية بدلا من الأكياس البلاستيكية بهدف الحفاظ على البيئة من المخلفات.

ويصل عدد مصانع ورق الكتابة والطباعة الحكومية في مصر نحو أربعة مصانع هي “راكتا”، و”الأهلية”، و”إدفو”، و”قنا” تطبق نظام الدورة المتكاملة في مراحل تصنيع الورق من المواد الخام المحلية حتى المنتج النهائي.

وتصل استثمارات هذه المصانع لنحو 250 مليون دولار، وتوفر نحو 60 في المئة من احتياجات السوق المحلية إذا تم تشغيلها بكامل طاقتها الإنتاجية.

ويصل عدد مصانع الورق الخاصة نحو مئة، وتحتاج القاهرة سنويا 500 ألف طن، بينما تنتج المصانع المحلية نحو 150 ألف طن، ما يعادل 30 في المئة من الاستهلاك، وتتجه مصر لاستيراد 70 في المئة لسد فجوة الطلب.

وتستورد القاهرة ورق صحف بمتوسط 76 ألف طن سنويا، فيما تعمل نحو 45 شركة في استيراد هذا النوع من الورق، منها 6 شركات تابعة لمؤسسات صحافية، من المتوقع أن يتم إعادة النظر في استخداماتها بعد تراجع الاقبال على الصحف، وبالتالي انخفاض منسوب المطبوع منها.

قال عمرو خضر، رئيس الشعبة العامة للورق بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن مصر لديها خبرة في صناعة الورق، وتمتلك مصنعين لإنتاج ورق الكتابة والطباعة بجودة عالية، وتعتمد على مصاصة القصب كمادة خام في التصنيع، وهما شركة قنا لصناعة الورق بمحافظة قنا، وشركة مصر إدفو للب ورق الكتابة والطباعة بمحافظة أسوان، في جنوب مصر.

وتتركز زراعة قصب السكر في جنوب البلاد، الأمر الذي دفع الحكومة لتأسيس مصانع الورق التي تستخدم مخلفات القصب في عمليات التصنيع على تخوم المزارع، وتعرف مخلفات القصب تجاريا باسم “بجاس”.

وأضاف خضر، لـ”العرب”، أن مصنعي شركة الورق الأهلية والشركة العامة لصناعة الورق – راكتا، يقعان في شمال مصر، ويعتمدان على قش الأرز، وهو أقل جودة من المنتج الذي يعتمد على مصاصة القصب.

وتم اختيارهما بالقرب من منطقة الدلتا، التي تشهد تركزا في زراعة الأرز، إلا أن تقادم تقنيات التصنيع في “الأهلية” و”راكتا” يكبدهما خسائر كبيرة، فضلا عن عجز تكنولوجيا التصنيع في معالجة السائل الأسود الناتج عن عمليات التصنيع، ما أدى إلى إغلاق المصنعين عدة مرات لمخالفتهما شروط الحفاظ على البيئة.

وتمتلك الهند تقنيات عالية، بما يفتح المجال أمام الاستثمارات الهندية في مجال الورق الذي يعتمد على قش الأرز كخامة رئيسية في التصنيع.

وتتركز صناعة الورق عالميا في الدول التي تمتلك غابات، حيث تتم صناعة الورق ذي الجودة العالية عبر استخدام لب الأشجار في عمليات التصنيع، ما يقلل من اقتصاديات توطين هذه الصناعة خارج الدول التي لا تمتلك غابات، لأنها تعتمد على استيراد الخامات بشكل رئيسي.

وتفتح التقنيات الهندية بابا أمام مصر لتصدير الورق المصنع من مخلفات محصول الأرز، ما يعد رافدا جديدا للصادرات المصرية، وتجني القاهرة ثمار ذلك حصيلة دولارية، وفي نفس الوقت التخلص الآمن من مخلفات قش الأرز.

وبذلت جهود حكومية لإصدار قرار بفرض رسوم حمائية على واردات الورق لمدة عام للوقاية من أضرار الخسائر التي لحقت بصناعة الورق والكرتون، نتيجة إغراق الأسواق بمنتجات رخيصة قادمة من أوروبا، تدخل البلاد دون رسوم جمركية وفق اتفاق المشاركة المصرية مع الاتحاد الأوروبي.

وشهدت أسعار الورق تراجعا على المستوى العالمي بسبب جائحة كورونا، ويتراوح سعر طن الورق الأوروبي إلى تسليم الموانئ المصرية بين 680 دولارا و700 دولار بحسب الجودة، في حين وصلت الأسعار المنتجة من المصانع المصرية إلى 760 دولارا و900 دولار، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة واستيراد الخامات من الخارج، بما فاقم خسائر المصانع المحلية.

أوضح أحمد جابر، رئيس غرفة الطباعة باتحاد الصناعات المصرية، أن تطبيق التجربة الهندية بصناعة مستلزمات ومعدات الورق إيجابية للغاية، لتطور آلات ومعدات صناعة الورق هناك، ما يعزز تطوير تقنيات الإنتاج بالمصانع المصرية.

وأشار لـ”العرب”، إلى أن مجمع صناعة الورق الهندي الجديد بالقاهرة، يسهم بشكل فاعل في سد عجز حاجات السوق، فضلا عن إحلال المنتج المحلي بدلا من الاستيراد من الصين والهند ودول أوروبا لسد فجوة الاستهلاك.

وكشفت دراسة أعدتها شعبة الورق والكرتون في غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، أن 60 في المئة من مصانع الورق لا تعمل بالطاقة الكاملة لعدم قدرتها على منافسة الواردات فضلا عن تكدس مخازن الشركات بالمنتجات الورقية.

ولفتت إلى أن المصانع في طريقها للتوقف، الأمر الذي يحتاج لتدخل رسمي وفرض رسوم حمائية مؤقتة على واردات الورق للسوق المحلية لنحو عام.

وتسمح منظمة التجارة العالمية للدول بفرض رسوم حمائية مؤقتة على الواردات، حال ثبوت أضرار تلحق بصناعة الدول المحلية، لكن هذا السلاح له مخاطره، فقد تلجأ الدول المصدرة للورق إلى المعاملة بالمثل، وتفرض رسوما حمائية على المنتجات الأخرى للدول التي تشكو من الإغراق.

 

مصدرالعرب اللندنية - محمد حماد
المادة السابقةثروة مؤسس “فيسبوك” تتخطى حاجز الـ100 مليار دولار
المقالة القادمةهل تعوّض صيدا وصور عن مرفأ بيروت؟