مصر على طريق لبنان؟… نعم ولا!

قال موقع دويتشه فيله إن «أسعار المواد الغذائية في مصر تضاعفت، وانخفضت قيمة الرواتب إلى النصف، وفرضت البنوك قيوداً على عمليات السحب، محذراً من أن المصريين الآن يعانون من نفس المشاكل التي يواجهها اللبنانيون». لكن إذا ساءت الأمور في بلاد النيل والفراعنة، فإن التداعيات ستكون أكثر ضرراً من بلاد الأرز.

وأضاف الموقع في تقرير له أنه مع انخفاض قيمة الجنيه المصري، تغير تسوق البقالة بالنسبة للعديد من المصريين من الطبقة الوسطى، وأصبحوا يتبعون ممارسات صارمة في معيشتهم.

وقال أحمد حسن ( 40 عاماً)، وهو محاسب وأب لثلاثة أطفال من حي شبرا في القاهرة: «بدلا من شراء ثلاثة كيلوغرامات من الأرز عندما نذهب للتسوق، نشتري فقط كيلو أو نصف كيلو. نحن نحاول خفض نفقاتنا، لكن للأسف لا يمكننا الحد من كل الانفاق، لأن أطفالنا يحتاجون إلى أشياء ضرورية».

وأوضح التقرير «أن قيمة العملة المصرية انخفضت بنحو الثلث منذ أواخر تشرين الاول الماضي، ويبلغ التضخم حالياً أكثر من 20% لكن يشك بعض الاقتصاديين في أنه أعلى من ذلك، وقدروا المعدل الذي يشمل الاقتصاد غير الرسمي الضخم في مصر بنحو 101%». اما في لبنان فبلغ تراكم انخفاض العملة منذ اواخر 2019 نحو 96%، وسجل مؤشر اسعار الاستهلاك ارتفاعاً بنسبة 142% بين تشرين الثاني 2021 وتشرين الثاني 2022.

أوجه التشابه بين الأزمتين

ذهب مودعون لبنانيون يائسون إلى حد الهجوم على بنوكهم المتهمة بتبديد مدخراتهم، وغرقت المدن والقرى في الظلام مع نفاد الوقود لمحطات الطاقة. الادارة العامة مشلولة باضرابات واحتجاجات على تدني قيمة الاجور بين 70 و90% بفعل انهيار الليرة، المدارس والجامعات العامة شبه متوقفة عن التعليم، القطاع الصحي يعاني الأمرين بعدما تراجعت التغطيات الاستشفائية العامة الى ما دون 20% من التكلفة، تتردى اوضاع البنى التحتية يومياً بسبب نقص الموارد للصيانة والاستثمار، يكابد اللبنانيون يومياً مع ارتفاع اسعار المحروقات وكلفة النقل في ظل شبه انعدام شبكات النقل العام… لم تصل الأمور إلى هذا الحد في مصر بعد، ولكن مع استمرار الأخبار الاقتصادية السيئة، يتساءل البعض، هل يمكن أن تصبح مصر قريبا لبنان جديدا؟

وكتب روبرت سبرينغبورغ، الأستاذ المساعد في جامعة سيمون فريزر الكندية، في تقرير لمنظمة Project on Middle East Democracy (POMED) غير الربحية ومقرها واشنطن: «هناك أوجه تشابه ملحوظة بين اقتصاد لبنان الفاشل الآن واقتصاد مصر المتعثر»، وحذر من أن «عواقب انهيار الثقة في لبنان كانت مدمرة لكنها ستتضاءل إلى ما يقرب من التفاهة إذا تكررت على نطاق مصري». وذلك بسبب صغر الاقتصاد اللبناني قياساً بحجم اقتصاد مصر وعدد سكانها الهائل. ولفت التقرير إلى أن المشاكل الاقتصادية الحالية في مصر هي نتيجة لعدد من العوامل الداخلية، بما في ذلك الفساد وسوء الإدارة، والتي اجتمعت مؤخراً مع عوامل الأزمات الخارجية، مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وخطر الركود العالمي.

مشاريع عملاقة بعشرات مليارات الدولارات

واكد التقرير أن الوباء قضى على مواسم في السياحة المصرية والتي هي واحدة من أكبر مصادر المال في البلاد، ثم عطلت الحرب الأوكرانية إمدادات القمح إلى البلاد، أكبر مستورد للقمح في العالم. بالاضافة الى تأثر مصر سلباً بتداعيات أخرى للحرب الروسية على اوكرانيا.

وتابع: «منذ عام 2014، انخرطت مصر في مشاريع وطنية عملاقة بما في ذلك أطول قطار أحادي بدون سائق في العالم بتكلفة 23 مليار دولار، ومدينة جديدة بالكامل (العاصمة الإدارية الجديدة) تبلغ تكلفتها 50 مليار دولار، بالقرب من القاهرة، وقد دفعت هذه المشاريع النمو بشكل مصطنع، ويرتبط العديد منها بشبكة أعمال الجيش المصري الواسعة».

وأردف التقرير: «أدت سياسات سمحت للشركات المملوكة للدولة والجيش بالهيمنة على الاقتصاد، إلى كساد اعمال في القطاع الخاص في مصر، وتثبيط الاستثمار الأجنبي، وجعلت البلاد أكثر اعتماداً على الاقتراض بالدولار، وتدين مصر بأكثر من 155 مليار دولار، ويخصص ما يقرب من ثلث دخلها القومي لخدمة هذا الدين الخارجي». وتبلغ قيمة استحقاقات واجب سدادها او جدولتها في 2023 نحو 17.6 مليار دولار و24 ملياراً في 2024 و15 ملياراً في 2025. اي باجمالي استحقاقات يبلغ 57 مليار دولار في 3 سنوات.

اما في لبنان فالدين الخارجي مع فوائده المتراكمة يبلغ نحو 39 مليار دولار، لكن لبنان متوقف عن سداد سندات اليوروبوندز منذ آذار 2020. وانخفضت كثيراً قيمة الدين الداخلي مع هبوط قيمة الليرة.

وقال يزيد صايغ، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، لـدويتشه فيله: «الوباء وحرب أوكرانيا كان لهما مثل هذا التأثير الكبير بسبب استراتيجية الاستثمارات العامة المصرية التوسعية لمدة تسع سنوات، كان الإنفاق هائلاً على المشاريع الضخمة، وبعضها غير ضروري، هذا ما جعل المالية العامة المصرية ضعيفة، من دون تزويد الاقتصاد بمكاسب حقيقية».

وأضاف صايغ أن الحكومات الدولية، بما في ذلك حكومات ألمانيا والولايات المتحدة، تتحمل جزءاً من اللوم، لم يكن بالامكان زيادة ديون مصر بنسبة 400% من دون مشاركات مباشرة (او غير مباشرة) لتلك الحكومات.

«في الآونة الأخيرة، اجتمعت كل هذه العوامل لوضع مصر على حافة الهاوية المالية والاقتصادية”، كما كتب رباح أرزوقي، كبير الاقتصاديين السابق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي.

دولتان لا يمكن مقارنتهما

هناك بعض أوجه التشابه بين مصر ولبنان، مستويات الفقر في مصر، على سبيل المثال، تقترب من لبنان حيث يعيش 60% على الأقل من المصريين عند خط الفقر أو بالقرب منه.

وقال تيموثي كالداس، الخبير في الاقتصاد السياسي في مصر وزميل السياسات في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط (TIMEP): «هناك استعداد النخبة لإثراء نفسها بقسوة على حساب الدولة والجمهور، هذا بالتأكيد شيء يشترك فيه البلدان (وبلدان أخرى) أيضا».

وأوضح يزيد صايغ من معهد كارنيغي: «لكن على الرغم من بعض أوجه التشابه، فإن مظاهر مثل الفقر والفساد شائعة في العديد من الدول العربية، لذلك لا يمكنك إجراء مقارنات بسيطة»، كما أن حكومة مصر ليست فاسدة بنفس الطريقة التي يفسد بها لبنان».

وتابع تيموثي كالداس: «على الرغم من كل مشاكلها، فإن مصر في الأساس في وضع أكثر استقراراً بكثير من لبنان، إنها ليست على وشك الانهيار التام كما في لبنان».

وأشار كالداس إلى أن الاقتصاد المصري لديه مصادر محتملة للنقد الاجنبي أكثر من لبنان، مثل قناة السويس وصناعة السياحة وصناعات التصدير المختلفة، اما لبنان فهو أكثر اعتماداً على التحويلات المالية للمغتربين للحصول على النقد الأجنبي، فقبل الأزمة الحالية، كانت تشكل تلك التحويلات ما يصل إلى ربع الدخل القومي اللبناني.

على صعيد آخر، يمكن التفاوض مع السلطات في مصر، كما أشار كالداس. بينما في لبنان ما زالوا يكافحون لاختيار رئيس جديد». ويذكر ان في القاهرة سلطة مركزية يمكن التفاوض معها، مقابل تشظّ سياسي في لبنان. كما ان اهمية مصر في الجيوبوليتيك الاقليمية والدولية أكبر من لبنان بكثير، وتكاد اهمية لبنان على هذا الصعيد تنحصر في مسألتين هما النازحون السوريون والتوتر شبه الدائم مع اسرائيل، رغم ان ترسيم الحدود البحرية قد يجعل الحدود البرية والبحرية مستقرة نسبياً لأن لبنان بحاجة لاستخراج الغاز لعل ايراداته تسعفه في الخروج من أزمته.

مصر أكبر من أن تفشل

وقال التقرير إن «الفرق الأكبر بين مصر ولبنان هو أن مصر ينظر إليها عموماً على أنها أكبر من أن تفشل، يبلغ عدد سكانها حوالى 107 ملايين نسمة، وهي الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في المنطقة، كما أن لديها أقوى جيش في الشرق الأوسط».

وأوضح كالداس أن «ما يجعل مصر محظوظة، هو أن الداعمين الخارجيين يولون أهمية أكبر لقدرة الدولة على البقاء، بغض النظر عن مدى سوء الادارة. وأكره أن أقول هذا، ولكن من وجهة نظر الداعمين الخارجيين الرئيسيين، فإن مشاكل لبنان أكثر قابلية للإدارة والاحتواء، مما لو كانت تحدث في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة».

وهذا ما يفسر مد لبنان ببعض المساعدات الانسانية القليلة كي يبقى رأسه فوق الماء، اما الانقاذ الكبير من الغرق فيجب ان يمر في اصلاحات طلبها صندوق النقد وبتسويات سياسية تخفف قبضة «حزب الله» وحلفائه على السلطة.

الإصلاحات المصرية الموعودة

في منتصف كانون الاول الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على حزمة دعم بقيمة 3 مليارات دولار لحكومة مصر، وهذا هو البرنامج الثالث من نوعه الذي تجريه البلاد مع صندوق النقد منذ 2016، ومن المفترض أن يساعد الحكومة على جذب المزيد من الاستثمارات من الخارج بالإضافة إلى المزيد من المساعدات المالية. لإتمام الصفقة، كان على الحكومة المصرية تقديم العديد من التنازلات المهمة لصندوق النقد الدولي، الأول ينطوي على جعل سعر صرف العملات الأجنبية أكثر مرونة. حصل ذلك وهبط الجنيه. ومن الالتزامات الأخرى التي قطعتها الحكومة المصرية، الوعد بكبح جماح الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، مصر وافقت على القيام بذلك، لكن هل سيتحقق هذا الوعد وبأي وتيرة وفي اي القطاعات؟

ولفت كالداس إلى أن خطة الإنقاذ الجديدة لصندوق النقد الدولي قد تعيد مصر من حافة الهاوية، لكن من الصعب القول ما إذا كان بإمكانها توفير إغاثة حقيقية للمواطنين الذين طالت معاناتهم، مضيفا أن النخب في البلاد ستحاول الاحتفاظ بمزاياها وثرواتها، بينما تسعى طوال الوقت إلى التملص من التنازلات. وقال كالداس إنه «حتى لو تم استيفاء جميع الشروط الواردة في حزمة صندوق النقد الدولي، فإن انتعاش البلاد لن يأتي بسرعة». وأضاف «المصريون الذين يكافحون بالفعل سيصبحون أكثر فقراً خلال العام المقبل». وخلص إلى أنه من غير المرجح أن تصبح مصر لبنان المقبل، لكن لا شيء سيمنع المصاعب الاقتصادية المتزايدة على المصريين». ويذكر أن تفاوض لبنان صندوق النقد تعثر في 2020 بفعل ضربات تلقاها من النخب السياسية والمصرفية الرافضة المساس بمصالحها. اما الاتفاق الذي وقع مع الصندوق في نيسان 2022 فيتعرض ايضاً لمحاولات الانقلاب عليه لنفس الاسباب، مضافاً اليها رفض شطب ودائع لان ذلك غير شعبي. ويفضل السياسيون الوعود على الحقيقة، فالخسائر المتراكمة في الودائع تزيد على 75 مليار دولار ولا قدرة للدولة على حمل هذا العبء بكامله كما يؤكد صندوق النقد.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةهل يدخل قطاع النقل قطار الإضرابات؟
المقالة القادمةمسؤولية مصرف لبنان: الخطيئة الأولى في إدارة سعر الصرف