مصير الودائع بين غريزة البقاء والوقت الضائع

حوالى 50 يوماً مضت على انتهاء مهلة تنفيد التعميم 154، وهي فترة كافية لكي تكون اللجنة المكلّفة تسلّم ملفات المصارف قد كوّنت فكرة اولية عن أوضاع القطاع، وان تكون عملية الفرز أحرزت تقدماً، بحيث أصبح واضحاً من هي المصارف التي نجحت في تنفيذ مندرجات التعميم بالكامل، ومن هي المصارف التي نفذت التعميم جزئياً، ومن هي المصارف العاجزة عن الالتزام بالبندين الاساسيين في التعميم، وهما رفع الرأسمال بنسبة 20%، وتأمين ودائع في حساباتها في المصارف المراسلة بنسبة 3% من مجموع ودائعها الدولارية.

في هذا السياق، يمكن القول انّ المركزي والمصارف، ورغم قناعتهما بأنّهما على مركب واحد، الّا انّ كل طرف منهما يحاول ان يضمن بقاءه، وهذا ما يبرّر أحياناً عمليات التجاذب. ويبدو انّ مصرف لبنان، وبوجود فجوة كبيرة في حساباته، وهو الذي يعتبر انّ هذه الفجوة في دفتر الموجودات والمطلوبات لا يمكن تفسيرها على أنّها خسائر، يحاول ان يضيّق هذه الفجوة مع ضمان عدم وقوعه في مطب التوقّف عن الدفع، كما فعلت الحكومة اللبنانية في آذار 2020. لكن ما هو واضح، انّ تضييق الفجوة في دفاتر المركزي، والاستمرار في الدفع، يؤدّيان عملياً، ومنذ العام 2018، الى زيادة الضغوطات على القطاع المصرفي، والى نقل قسم من فجوة المركزي الى المصارف بسبب الخسائر التي قد تتراكم تباعاً، نتيجة اجراءات البقاء التي اعتمدها مصرف لبنان لتحسين دفاتره.

وبما أنّ مصرف لبنان يُمسك بالدولارات، ويُمسك كذلك بسوق القطع والتحويلات، وبما انّه يعتبر انّه ساهم بسياسته في تأمين ازدهار وأرباح القطاع المصرفي طوال السنوات التي سبقت انفجار الأزمة في العام 2019، فإنّه يفرض اجراءات اليوم تسمح له بضمان الاستمرارية وربما تضييق الفجوة المالية، مقابل تكبير خسائر المصارف التي ستُظهر نتائجها المالية نمواً كبيراً في خسائرها في العام 2020، وستكون الخسائر اكبر بكثير في العام 2021. ذلك انّ مصرف لبنان بات يشطب من ايداعات المصارف لديه، لتلبية حاجات هذه المصارف الى السيولة بالليرة، او حاجتها الى انجاز عمليات خارجية بالدولار. وبهذه الطريقة، ينجح المركزي في خفض الفوائد التي يدفعها الى المصارف مقابل ايداعاتها لديه، والتي تتراوح بين 70 و80 مليار دولار.

 

مصدرجريدة الجمهورية - أنطوان فرح
المادة السابقةالبنك الدولي: 50 % من اللبنانيين تحت خط الفقر
المقالة القادمةالاقتصاد الصيني ينمو بوتيرة قياسية