اتخذت قضية الفيول المغشوش والتي اتضح انها غير مبنية على أُسس واضحة منحى تصاعدياً يزداد تفاقماً أكثر فأكثر تحديداً مع بدء انعكاسها على قطاع استيراد المحروقات. فقد أصدر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات قراراً قضائياً الى قاضي التحقيق الأولي نقولا منصور بالتوقّف عن إخراج الموقوفين من موظفي مختبرات المنشآت النفطية ليداوموا في عملهم، وذلك لتضارب المصداقية بسبب التّهم الموجهة اليهم. أدّى ذلك الى توقف عدد كبير من البواخر المحمّلة بالمشتقات النفطية خصوصاً المازوت والبنزين التابعة للشركات الخاصة، بما ان كلّ السفن تُفحص من قِبل المختبرات قبل توزيعها في السوق. ومع توقف عمل المختبرات، لا يوجد حتى اللحظة أي بديل يقضي بسير عمل هذا القطاع، وبذلك تتكبد الشركات الخاصة خسائر فادحة جراء انتظار سفنها في المياه اللبنانية لحين إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة.
في هذا السياق، علمت “نداء الوطن” ان شركة “Total” قد أجرت خلال الأيام القليلة الماضية اتصالات على المستويات كافة لحل هذه المسألة مقترحةً اتّباع الاجراء الذي كان يُتّخذ خلال الشهر الماضي وهو المتمثل بإخراج موظفي المختبرات لاجراء الفحوصات الضرورية ومن ثم إعادتهم الى الحجز ليلاً. الا ان هذا الطرح قابله رفض من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وهو ما سيمنع دخول أي ليتر من المواد النفطية الى السوق اللبنانية أكان ذلك للشركات الخاصة او لمنشآت النفط التي تعاني من شحّ منذ اكثر من 10 أيام من مادتي الديزل والبنزين.
تمتد هذه الأزمة لتطال عدم قدرة الدولة على الاستعانة بخبرات دولية لتنفيذ مهمّة فحص المواد النفطية التي تدخل السوق المحلية، ما يشكل دليلاً واضحاً على عجز وزارة الطاقة عن ايجاد الطرق اللازمة لتيسير الاعمال أو حتى ايجاد آلية جديدة تُعتمد لإفراغ الشحنات ولو بصورة موقّتة.
ذلك يعني ان السوق اللبنانية تترقّب خلال الأسبوع الحالي تضارباً وسوقاً سوداء في مجال تجارة المحروقات في حال توقفت الشركات المستوردة عن التسليم وبالتالي المحطات عن البيع.
عن الموضوع تشدّد أوساط متابعة على انّ 4 شركات تقوم في الوقت الراهن بتأمين حاجة السوق من مادتي البنزين والمازوت وهي “Total” و “Medco” و “Coral” و”Uniterminal”. من المعلوم ان الدولة تدعم هاتين المادتين، وبعد انهيار أسعار النفط عالمياً جراء الانتشار الوبائي لـ”Covid-19″ بات سعر صفيحة المازوت في لبنان يساوي أقل من دولارين وفقاً لسعر الصرف في الوقت الراهن، وهو السعر الارخص في العالم. اما البنزين فقد أمّن ايرادات جديدة للخزينة العامة لامست الـ15 الف ليرة (7500 ل.ل. ضريبة على صفيحة البنزين، بالإضافة الى فرق انخفاض السعر عالمياً الذي لم تعتمده الوزارة في جدول تركيب الأسعار). أدت الازمة الكورونية الى انخفاض الطلب على البنزين كنتيجة للتعبئة العامة الا ان هذا الامر لم ينعكس على مادة الديزل حيث ارتفع الطلب على نحو هستيري جراء عوامل ثلاثة: اولها هو عودة عدد من “تجار” المحروقات الى شراء المازوت من الشركات المستوردة او من المحطات وتهريبها الى سوريا، وثانيها يتجلّى بتخوف الناس من عودة ارتفاع السعر، ما دفع الكثيرين الى اعتماد سياسة التخزين وبكميات كبيرة تحسباً للشتاء، أما العامل الثالث فهو الاستهلاك الصناعي ولجوء المصانع التي تعاني اصلاً من مشاكل اقتصادية متراكمة الى تخزين المازوت بحثاً عن بابٍ لقليل من التوفير.
تمّ كلّ ذلك في ظلّ تأخر فتح الاعتمادات وبالتالي تأخر وصول البواخر وتقنين بعض الشركات ومعها منشآت النفط في تأمين الحصص المتوجبة عليها. في المحصّلة، لم تطل الاتهامات التي طالت “سوناطراك” لناحية الفيول غير المطابق للمواصفات الا الشركات الخاصة المستوردة التي تعجز عن تفريغ حمولاتها ما يؤدي الى شحّ تدريجيّ في السوق وبالتالي اما مضاربات وسوق سوداء وبالتالي ارتفاع في أسعار سلع من المفترض ان الدولة تدعمها او انقطاع للمازوت ومن بعدها البنزين وقطعٌ لاعمال الناس…وأرزاقهم.