تعاني البلديات على مجمل مساحة الأراضي اللبنانية من مشاكل مالية نتيجة تراجع قيمة ايراداتها بالليرة وعجز عدد كبير من المكلّفين عن سداد الرسوم والمستحقات البلدية لمعاناتهم من الأزمة المالية وتراجع أعمالهم، ما جعل البلديات عاجزة عن القيام بالمهام المنوطة بها وبتغطية نفقاتها من بينها رواتب وأجور العاملين لديها.
تتنوع موارد البلديات، بين الجباية الذاتية من رسوم على المنازل والأبنية والشركات والمؤسّسات، رسوم على رخص البناء، رسم بلدي على فواتير الهاتف والخليوي والمياه، رسم بلدي على فواتير الكهرباء، وعائدات الصندوق البلدي المستقل وهذه تختلف بين بلدية وأخرى.
واستناداً إلى هذا الواقع المستجد، اتخذت البلديات قراراً برفع رسومها ومضاعفتها عشرات المرات تماشياً مع تراجع قيمة الليرة. تفاوتت الزيادات بين بلدية واخرى ووصل بعضها الى مضاعفة الرسوم 100 مرة إلا أن غالبية البلديات ضاعفت رسومها بين 30 و60 مرة عما كانت عليه في الاعوام الماضية.
وإذا كانت عملية رفع الرسوم تستهدف استئناف تقديم الخدمات البلدية إلا أن بعض البلديات رفعت رسومها على الرغم من استمرار عجزها عن تقديم الخدمات لما تعانيه من إهمال متراكم على مر سنوات ما قبل الأزمة وبلدية بيروت خير مثال على ذلك.
فما هي المعايير التي تم على أساسها تقدير الزيادات؟ وهل سيتم تطبيقها بعدل وإنصاف على المكلّفين؟ والأهم من ذلك هل ستضمن الزيادات استئناف البلديات عملها وتقديم الخدمات للمواطنين القاطنين في نطاقها؟
بلدية بيروت والرسوم غير المجدية
تختلف نسبة زيادة الرسوم بين بلدية وأخرى، فبلدية حارة حريك على سبيل المثال اعتمدت رفع الرسوم على أساس سعر صرف دولار 30 ألف ليرة، ما يعني أنها ضاعفت رسومها 20 مرة فيما عمدت بلديات أخرى إلى رفع رسومها على أساس سعر صرف 60 ألف ليرة وأخرى رفعت قيمة الرسوم 30 ضعفاً كبلدية بيروت.
وقد ميّزت بلدية بيروت بين الرسوم على المنازل فرفعتها بقيمة 10 أضعاف (باعتبار الدولار 15000 ليرة) في حين رفعت الرسوم على المؤسسات 30 ضعفاً (باعتبار الدولار 45000 ليرة)، وعلى الرغم من أن الرسوم المعدّلة من قبل بلدية بيروت تقل عن غالبية البلديات المحيطة إلا أن ثمة مساع تجري من قبل نواب بيروت في سبيل تعديل قرار زيادة الرسوم، وليس لارتفاع قيمتها إنما لعدم مراعاتها الفئات الضعيفة وعدم موائمتها العدالة بين المكلّفين.
ويوضح المسؤول المالي في بلدية بيروت خضر ابو عرم في حديث الى “المدن” أن بلدية بيروت قبل أن تتخذ قرار مضاعفة الرسوم حرصت على مراعاة جانبين، الأول قانونية الزيادة والثاني إلزامية زيادة الرسم لوجوب العمل والمحافظة على استمرارية سير المرفق وهذا الأمر يُعد من أول أولويات الإدارة.بالجانب القانوني استندت بلدية بيروت الى قانون الرسوم والعلاوات البلدية وقد اعطى في مادته رقم 8 الحق للادارة بزيادة القيم التأجيرية عندما تزول اسباب التخمين وهذا الامر حصل مع تدهور قيمة العملة وفي المادة 9 اعطى الحق للمكلف بالمطالبة بإعادة النظر بقيمته التأجيرية في حال العقار فقد من قيمته بما يتناسب مع عمر البناء وقد اخذت البلدية رأي ديوان المحاسبة بإمكانية تطبييق المادة 8، على ما يؤكد ابو عرم “من هنا قررت البلدية زيادة الرسم بما يتناسب مع الواقع ولتغطية النفقات” وذلك بعد إجراء الدراسات لتحديد حجم الزيادة “ولكن مع الاسف توصلت البلدية الى ان الزيادة لم تغط النفقات كاملة فالنفقات تفوق حجم الزيادة”.ويعزو ابو عرم أسباب عدم تغطية ايرادات البلدية نفقاتها رغم مضاعفة الرسوم، الى مسؤولية البلدية تجاه العاملين لديها والبالغ عددهم نحو 4000 متقاعد و2000 موظف بالخدمة الفعلية لاسيما أن أجور غالبية العاملين في البلدية بمن فيهم من حراس وعمال إطفاء وغيرهم لا تطالهم أي زيادات على الرواتب. وبالنظر إلى أن مشروع الحوافز الذي أقرته الحكومة مؤخراً للقطاع العام لا يطال عدد كبير من العاملين في البلدية فعلى الأخيرة تحسين مداخيل هؤلاء من ايراداتها.أمام واقع البلدية لا بد من طرح سؤال هل مع زيادة الرسوم ستتمكن البلدية من تأدية المهام والخدمات المنوطة بها؟ الجواب ببساطة “بالطبع لا” والسبب ارتفاع نفقات البلدية وتدني ايراداتها، على ما يقول أبو عرم “فزيادة الرسوم لن تغير بالخدمات لكن البلدية تقوم بواجباتها تجاه الطرقات والاشجار والحُفر وغير ذلك”.
الإهمال البلدي يظلم المكلّفين
بالإستناد الى حديث البلدية ممثلة بمسؤولها المالي يتّضح أن مضاعفة الرسوم لن يقابلها تعزيز للخدمات. لكن لا يعني ذلك ان الزيادات غير مستحقة لا بل مستحقة لكن يكمن الخلل في آلية تقدير الرسوم وتوزيعها على المكلّفين وعلى عقلية التحصيل لا الإصلاح.
وعما إذا كانت بلدية بيروت تقوم بمراعاة نوع المؤسسات المكلّفة بالرسوم البلدية جاء جواب أبو عرم بأن “تصنيف النشاط لغير السكني غير ممكن لأن الداتا المعتمدة لغير السكن ليس فيها تفصيل لطبيعة النشاط وهي تعود للعام 1996”.
وهذا يعني أنه منذ 27 عاماً لم تعمل بلدية بيروت بمختلف مجالس إدارتها، على تطوير جداول المكلّفين أو تحديد نوعية نشاط المؤسسات والمحال القائمة في نطاقها وهو امر يعزز اللاعدالة في فرض الرسوم.
ويرى النائب ابراهيم منيمنة أن “المواطنين غير متساوين في مسألة الرسوم فالزيادة حتى وان كانت تقل عن باقي البلديات إلا أنها غير منصفة وهناك الكثير من العائلات عاجزة عن سداد الرسوم الجديدة؛ كما أن الزيادات غير قانونية على الرغم من حصولها على رأي ديوان المحاسبة”، من هنا يصر منيمنة على التوصل الى مقاربة اخرى لمسألة الرسوم البلدية.
ويقول مينمنة في حديثه إلى “المدن” لا يمكن طرح زيادات على الرسوم البلدية قبل إعادة التخمين وتحديد الفئات الاجتماعية المحتاجة لمراعاة اوضاعها اقله في المرحلة الراهنة. ولا يغفل أن مالية البلدية تمر بوضع صعب ناتج عن الأزمة المالية في البلد وعن التراخي الحكومي في معالجتها.
ويستغرب مينمنة كيفية فرض رسوم مضاعفة من قبل البلدية في حين أنها تعاني من إهمال مزمن يكرّس الإجحاف بحق المكلفين. فالبلدية تعاني الإهمال على كافة الصعد، هناك غياب كبير جداً لتنظيم العمل وتطويره في البلدية لاسيما فيما يرتبط بالابنية السكنية والعقارات وغيرها، لا مكننة بالبلدية ولا نظام ترقيم للمباني، “منطقة كورنيش المزرعة في بيروت على سبيل المثال غير مخططة رقمياً حتى اليوم، فالبلدية لا تزال تعمل على الخرائط الورقية في حين أن كل البلديات المحيطة باتت ممكننة ومتقدمة عن بلدية بيروت” يقول منيمنة.
الازمة المالية بدأت منذ 4 سنوات، لكن ما الذي كان يمنع البلدية من تسوية هذه الامور قبل الازمة؟ ويقول مينمنة إن بلدية بيروت تفتقد لأدنى بديهيات التنظيم الاداري والهندسي فهذا الامر يعزز ايرادات البلدية ويراعي اوضاع القاطنين في نطاقها لافتاً إلى غياب الأنظمة الرقمية Digital system عن البلدية، كما تفتقد لنظام Graphic model (وهو ما يستخدم في حالة تطوير عقار ضخم كالمول او المدرسة وغيرها لتبيان مدى تاثير العقار على السير والمنطقة وغير ذلك والذي على اساسه يتم تحديد منح ترخيص ام رفضه) كما ان بلدية بيروت فارغة من أي برامج قد تساعد الناس.
يجري العمل من قبل نواب بيروت على تعديل الرسوم البلدية والعودة عنها إلى جانب البحث عن موارد أخرى أو أقله فرض رسوم بشكل منصف، على ما يؤكد منيمنة، فليس من الإنصاف أن تتجه البلدية الى التحصيل وزيادة الرسوم عشوائياً، بل كان حرياً بها البحث عن مداخيل اكثر انصافاً. كما أن الزيادات غير مقرونة بتحسين قيمة العملة او تحسين المداخيل، فغالبية الشعب اللبناني يتقاضى رواتب اليوم بالليرة فيما جرى دولرة الرسوم من غير مقابل وهذا الامر له ابعاد فالبلدية تحاول المحافظة على موظفيها وتحسين معيشتهم وتأمينهم الصحي وهذا أمر ضروري. لكن تبقى آلية الزيادة غير منصفة، من هنا تجري المساعي لتعديل ومعالجة مسألة الرسوم.
يتّضح مما سبق أن إجراء البلديات يتوافق مع العقلية السائدة في لبنان عموماً وهي عقلية التحصيل المالي فقط من دون مراعاة أي معايير اجتماعية ومعيشية وحتى فنية ترتبط بالعقار نفسه. بالنتيجة، وفي غياب معايير علمية واضحة لتحصيل الرسوم البلدية، ليس مستغرباً آن نجد صاحب عقار يسدد رسماً بلدياً يقل كثيراً عن الرسم المستحق والمتناسب مع إشغال العقار في مقابل عقارات تسدد رسوماً للبلدية لقاء خدمات غير متوفرة تعجز البلدية عن تقديمها.