مضاعفة تعويضات نهاية الخدمة: مراعاة للمؤسسات لا إنصافاً للعمال

لأول مرة منذ اندلاع الأزمة المالية وانهيار العملة الوطنية في لبنان عام 2019، تتطرق السلطة السياسية إلى موضوع تعويضات نهاية الخدمة للموظفين. فالتعويضات تضاءلت مع انهيار العملة، وخسرت أكثر من 98 في المئة من قيمتها الحقيقية. وباتت قيمة التعويض البالغ 90 مليون ليرة على سبيل المثال، والذي يمثل جنى عمر العامل على مدى أكثر من 20 عاماً، لا تتجاوز قيمته 1000 دولار، في حين كانت قيمته قبل الأزمة 60 ألف دولار.
في موازنة 2024 تطرقت وزارة المال إلى موضوع تعويضات نهاية الخدمة، ربطاً برفع ضريبة الدخل على الرواتب والأجور، وذلك لقطع الطريق على المطالبين بتعديل قيمة تعويضات نهاية الخدمة والرافضين سداد ضريبة الدخل ما لم يقابلها تقديمات أو تعويضات ملائمة.

وفي المرة “اليتيمة” التي دخلت فيها وزارة المال على خط تعويضات نهاية الخدمة، دخلتها إلى جانب أرباب العمل وليس العمال. فقد ضاعفت تعويضات نهاية الخدمة 10 مرات في مقابل مضاعفة الضريبة 60 مرة، في حين خسرت التعويضات نفسها أكثر من 98 في المئة من قيمتها.

وإذا ما قاربنا قيمة تعويضات نهاية الخدمة، لجهة ربطها بسعر الصرف المعتمد في تحصيل ضريبة الدخل على الرواتب والأجور، يتبيّن أنه يتوجب على السلطة مضاعفتها 60 مرة كحال ضريبة الدخل التي تمت مضاعفتها 60 مرة، إلى جانب توسعة الشطور الضريبية أيضاً 60 مرة، على اعتبار سعر صرف الدولار 89500 ليرة.

تعويضات نهاية ىالخدمة

في المادة 93 من مشروع موازنة 2024 وردت عبارة “معالجة استثنائية لتعويضات نهاية الخدمة وفقاً لأحكام المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي”. وحسب المادة المذكورة “تعدل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي (المرسوم الإشتراعي رقم 13955\1963 وتعديلاته) استثنائياً، إلى حين إعادة تقييم جميع تعويضات نهاية الخدمة وإصدار قوانين عادلة، حيث يحدد مقدار تعويضات نهاية الخدمة على الوجه التالي: يحتسب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول 2023 عن سنوات الخدمة لما قبل 31\12\2023 على أساس 15،000 ليرة للدولار الواحد. كما ويعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من كل عام أو خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق بالتعويض بعد 1\1\2024 عن كل سنة خدمة محتسب وفقا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي”.

بمعنى آخر تقوم موازنة 2024 بمضاعفة تعويضات نهاية الخدمة قبل تاريخ 31 كانون الأول 2023 بنحو 10 مرات. فيتم احتسابها على أساس قيمة الدولار 15000 ليرة. وهذا التعديل لا يشمل الرواتب المدولرة فقط، بل الرواتب بالليرة أيضاً التي ستتم مضاعفتها 10 مرات.

وفي حين رحّب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، بإدراج هذه المادة وإعادة تقييم تعويضات نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وطالب بشمول القرار كلّ الأجراء الّذين تركوا العمل بدءاً من 17 تشرين الأوّل 2019، وصف الخبير في شؤون المالية العامة اسكندر البستاني مسألة مضاعفة تعويضات نهاية الخدمة 10 مرات بـ”غير المنصفة”. فالتعويضات خسرت قيمتها بشكل شبه كامل، تماماً كما ضريبة الدخل في وقت سابق. متسائلاً، لماذا تمت مضاعفة التعويضات بخلاف قيمة الضرائب؟

وإذ يلفت البستاني في حديثه إلى “المدن” إلى ضرورة مراعاة مالية الضمان الاجتماعي وأوضاع المؤسسات وأرباب العمل، يرى أنه في المقابل لا بد من حفظ حقوق الموظفين الذي يعملون طيلة سنوات للحصول على تعويضات نهاية خدمة، تؤمن لهم الحد الادنى من معيشتهم.

اعتراضات على مقاربة التعويضات

وحسب مصادر”المدن”، فإن تجمعات موظفي القطاع الخاص يتّجهون الى الطعن بقرار مضاعفة ضريبة الدخل 60 مرة في مقابل مضاعفة تعويضات نهاية الخدمة 10 مرات. وقد بدأوا بحشد موظفي المؤسسات والقطاعات الخاضعة لقانون العمل. وبالتالي، ينطبق عليها قرار تعديل تعويضات نهاية الخدمة.

من جهته، مصدر نيابي من لجنة المال والموازنة أكد في حديث لـ”المدن”، أن المادة المذكورة لاقت اعتراضات كثيرة من النواب، وقد وقع انقسام حولها. وفي حين يتمسّك عدد من النواب بمسألة إنصاف الموظفين مع مراعاة أوضاع الضمان والشركات، يذهب البعض الآخر إلى الإبقاء على تعويضات نهاية الخدمة في المرحلة الراهنة على حالها، بانتظار وضع حل شامل لكافة الموظفين في القطاعين العام والخاص. ويتذرّع هؤلاء بمسألة التمييز بين القطاعين، فيما واقع الحال أنهم يدافعون عن مصالح أرباب العمل، لاسيما أن أحدهم سأل “كيف يمكن للمؤسسات الخاصة أن تسدد بعد العام 2023 تعويضات للمتعاقدين على أساس الراتب الأخير المحتسب على أساس سعر الدولار الفعلي، وما قبل العام 2023 على أساس دولار الـ15 ألف ليرة؟ ولم يأبه النائب المذكور إلى خسارة الموظفين المتقاعدين منذ عام 2019 وحتى اليوم عموم تعويضاتهم بشكل شبه كامل.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقة«المركزي الأوروبي» يجتمع في ظل ضغوط لخفض أسعار الفائدة
المقالة القادمةفي ظل تعدد الخدمات المدفوعة الاجر وفوضى التسعير والضرائب والرسوم