تعود المطالبة بفتح مطار الرئيس رنيه معوض في القليعات إلى الواجهة، على وقع تصاعد التهديدات الإسرائيلية للبنان، والتي ترافقت مع إرباك كبير شهده مطار رفيق الحريري الدولي، بفعل إلغاء عشرات رحلات الطيران من وإلى بيروت.
وسؤال “هل ستضرب إسرائيل مطار بيروت؟”، في حال مضت بالتصعيد بعد رد حزب الله المرتقب على استهداف الضاحية، بات جزءًا من هواجس الناس وأسئلتها الكثيرة حول الآتي. كما يدور السؤال عينه في الأروقة السياسية والحكومية.
وإذا كان استهداف المطار، في منطق الأحداث والمعطيات الحالية، ليس على قائمة الأهداف الإسرائيلية الأكثر ترجيحًا، إلا أن تجربة حرب تموز 2006، وضرب إسرائيل مطار بيروت، يدعو للقلق.
مطلب برلماني؟
في منتصف تموز الفائت، قدم المحامي مجد حرب اقتراح قانون معجل مكرر تبنته كتلة تجدد، لتأهيل المطارات العسكرية في القليعات وحامات ورياق، وتحويلها إلى مطارات مختلطة الخدمات العسكرية والمدنية معًا، لاستقبال الركاب والبضائع، ووضعه بإطار تشريع الضرورة، لارتباطه بالسلامة العامة للبنانيين عند استعمالهم مطار رفيق الحريري للتنقل من لبنان وإليه. وذلك عبر الدعوة لتخصيص اعتماد بقيمة خمسة ملايين دولار لتشغيل هذه المطارات.
لكن التركيز راهنًا، يتمحور حول مطار القليعات في عكار، لا سيما أن “تكتل الاعتدال الوطني” حمل مطلب إعادة فتحه، وجال به على معظم الكتل والأطراف السياسية. ويسعى نائب الكتلة سجيع عطيه، وهو رئيس لجنة الأشغال النيابية، إلى تحويله لمطلب وطني وشمالي أيضًا، مع مجموعة من نواب عكار والشمال.
وعطيه الذي يدعو الحكومة إلى وضع مقترح تشغيل مطار القلعيات على جدول إعمالها، يجد أن كل ما يحتاجه الأمر هو تخصيص اعتمادات لإطلاق مشروع منفذ وقائم أساسًا، وفتح باب المناقصات أمام الشركات، إلى أن تتولى إحداها تجهيز وتشغيل المطار.
ويقول النائب سجيع عطيه في حديث مع “المدن”، بأن مطار القلعيات حاجة وطنية واقتصادية وأمنية، كما هو حاجة إنمائية لعكار، مذكرًا بأنه لا يوجد أي دولة في العالم لديها مطار واحد فقط، “حتى قبرص الواقعة على جزيرة صغيرة لديها ستة مطارات”.
القليعات جاهز؟
ويجد النائب عطية أنه من غير المقبول أن يكون للبنان مطار واحد. فرغم كل الحروب التي مر بها والتهديدات الإسرائيلية، نجد أن مطار بيروت هو نافذة لبنان الوحيدة إلى العالم. عدا أنه لم يعد كافيًا لعدد الوافدين والمغادرين والسواح، حتى في فترات السلم. فـ”إعادة فتح مطار القلعيات ستشكل نافذة جديدة للبنان، و سينشط الحركة الاقتصادية ويضاعف أعداد المسافرين ويوفر المزيد من الأمن الجوي للبنان”.
وما يميز مطار القلعيات، وفق عطيه، بأنه شبه جاهز على المستوى التقني والفني، وكلفة تشغيله منخفضة، مذكرًا بالدور المحوري الذي يلعبه، حين تم تشغيله بين عامي 1989 و1991، في نهاية الحرب الأهلية.
ويرى نائب عكار، أن مشروع فتح مطار القلعيات، يجب أن يكون جزءًا من خطة طوارئ الحكومة للحرب، لأن أكبر تحدي يواجه لبنان عندها، هو ضمان استمرارية النقل الجوي. لذا، “نحن في كتلة الاعتدال، تبنينا مقترح الدعوة لإعادة تشغيل المطار، مع كتلة الشمال وعكار”.
ويدعو عطيه للإسراع للبت بالملف، “حتى لو بدأنا به كمطار تجاري وإن كان المطلب الأساسي أن يكون مطارًا مدنيًا رديفًا ومكملًا لمطار بيروت”.
ويحظى اقتراح قانون الذي قدمه المحامي مجد حرب، بتأييد واسع، وإن كان ذلك ما زال شكليًا، طالما أن المشروع ليس رسميًا حتى الآن، ولم يدخل بالحسابات السياسية والطائفية والحكومية والبرلمانية.
ويوم أمس الأربعاء، وقعت كتلة “تجدد” النيابية، على اقتراح قانون حرب حول تشغيل مطار القليعات، وقال النائب ميشال معوض: “لم يعد هناك داعٍ لشرح سبب الحاجة إلى مطار آخر في لبنان. ندعم وجود مطارات أخرى من أجل سلامة الطيران ومن أجل الاقتصاد الوطني وتحفيز السياحة وقطاعات أخرى والإنماء المتوازن”.
قصة المطار
جغرافيًا، يقع على مساحة تزيد عن 5.5 ملايين متر مربع في منطقة سهل عكار- القليعات، ويبعد 7 كلم عن الحدود السورية ويبعد عن طرابلس بحدود 25 كلم، وعن بيروت بحدود 105 كلم، ويرتبط بشبكة طرق دولية ساحلية وداخلية.
كما أن المطار مجهز برادار (G.G.A) الذي يسمح بالهبوط في أسوأ الأحوال الجوية. وهو يملك أيضًا مدرجًا يبلغ عرضه 60 مترًا وطوله 3200 متر، وله مدرج ثانٍ تتوافر فيه قطع غيار وأجهزة اتصال ورادار وأبنية ومستودعات وقود وهنغارات صيانة.
وفي السنوات الماضية، أعدت أكثر من دراسة من جهات رسمية ومدنية، أكدت جهوزيته ليكون قاعدة جوية مدنية، وبأنه يحتاج فقط الصيانة والتجهيز والتمويل.
ويعود تاريخ إنشاء المطار للعام 1941، أي قبل إعلان دولة لبنان الكبير، وقام الجيش اللبناني بتطويره في العام 1966 ضمن سياسية الدفاع العربي المشترك. وشهد مطار القليعات على انتخاب رينيه معوض رئيسًا للجمهورية عام 1989 بعد اتفاق الطائف. ولهذا سمّي بمطار الشهيد رينيه معوض.
وللتذكير، عادت الدعوات إلى فتح مطار القلعيات في العام 2017، عقب أزمة تحليق طيور النورس فوق السواحل القريبة من محيط مطار بيروت الدولي، وما شكلته من خطر على سلامة الطيران المدني.
كما يتجدد هذا المطلب عقب كل انتخابات البرلمانية، وغالبًا ما “يستغله” جزء كبير من المرشحين بحملاتهم الانتخابية، باعتباره أهم مشروع لإنماء عكار. فهل ستكون مخاوف الحرب، دافعًا لتحويل “الحلم الإنمائي” لعكار والمطلب التاريخي إلى حقيقة؟