لم تخفِ واشنطن وساطتها لحماية مطار بيروت من الاستهدافات الإسرائيلية، ولو أنّ هدفها العلني هو ضمان وصول رعاياها والأجانب في لبنان إلى حرم المرفق المهدّد في كل ساعة. وحتى تاريخ كتابة الآتي، اقتصرت الضربات على مناطق قريبة من المطار من دون أن تطاوله أو تهدّده جدّياً، مع أنّ ما يحصل يزيد من الخوف على سلامة الطائرات التي تقلع وتهبط على مدارجه.
وعلى رغم من الاتصالات الديبلوماسية المستمرة، يلفت النائب وضاح الصادق إلى أنّ «لا شيء يضمن استمرار استبعاد مطار بيروت من دائرة الاستهداف في الفترات المقبلة». ويقول لـ«الجمهورية»، «إنّ المطار تحت التهديد منذ اليوم الأول للحرب، وقد رأينا ما حصل في حرب تموز 2006، وإن احتاجت إسرائيل رفع السقف أكثر للتوصّل ربما إلى وقف إطلاق نار أو إن بدأت عملية برية أو حرباً أكثر توسعاً، فإنّ استهداف المطار ليس مستبعداً».
ويلفت إلى أنّ الاتصالات الديبلوماسية لتحييد المطار مستمرة خصوصاً، أنّ إجلاء الرعايا لم ينتهِ ولبنان يستقدم المساعدات الإنسانية عبر طريق وحيد سريع وهو المطار، مع الأخذ في الاعتبار أنّ إسرائيل لن تسمح باستخدام المعابر البرية وخط البحر يتطلّب وقتاً طويلاً.
ويرى أنّ طالما قرار عدم استهداف المطار ما زال معتمداً فإنّ صموده سيبقى قائماً، بالتالي لا خوف على مقوّمات بقائه عاملاً في هذه الفترة، لاسيما بالنسبة إلى الكهرباء في ظلّ الاحتياطات المتخذة ووجود المولّدات، بالتالي فإنّ الصورة ستبقى على ما هي عليه طالما إسرائيل تحيّده.
إلى ذلك، وعلى رغم من الانتقادات والملاحظات التي وُجّهت إلى شركة طيران الـ «ميدل إيست» سابقاً، إلّا أنّ الصادق يصف عملها في هذه الظروف بـ»البطولي، خصوصاً مع إقلاع فريق عملها وهبوطه في ظلّ غارات عنيفة وظروف خطرة وصعبة»، لافتاً إلى أنّها تؤمّن بحركتها استمرارية العمل في المجال الجوي اللبناني.
أي مطار ثانٍ؟
وفيما بدا وكأنّ المطار في بقعة خطرة ومشتعلة في هذه الحرب، عاد طرح المطار الثاني إلى الواجهة مجدداً، على رغم من أنّ الصادق يعدّد سلسلة أسباب تجعل التطبيق صعباً في هذا الظرف.
ويقول الصادق في هذا السياق، إنّ غرفة المراقبة في مطار القليعات على سبيل المثال تحتاج لأشهر لإعدادها، كما تتطلّب أشهراً للحصول على موافقة من إدارات الطيران من دون غضّ النظر عن التكاليف التي يتطلّبها تجهيز المطار من إسفلت وإضاءة ومعدات، وحتى الحاجة إلى مراقبين مرخّص لهم، فيما يعاني مطار بيروت من نقص أصلاً على صعيدهم. وبالتالي، عملياً ونظراً للإمكانات المتاحة، فلا قدرة على افتتاح مطار ثانٍ خلال هذه الحرب، على رغم من حاجة لبنان لأكثر من مطار.
حركة المفاوضات «خفيفة»
أمّا على خط المفاوضات، فلا يخفي النائب وضاح أنّ «الحركة الدائرة خفيفة وشبه متوقفة»، ويقول في هذا السياق: «إنّ المبعوث الأميركي آموس هوكستين زار لبنان أكثر من مرّة خلال الـ11 شهراً الأخيرة، وكان عرضه يتضمّن تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب ضمن سلة متكاملة، لكنّ «حزب الله» رفض ذلك وأصرّ على مبدأ وحدة الساحات، من منطلق فائض القوة وسوء التقدير».
ويلفت إلى «أنّ النتيجة اليوم هي تدمير قرى كاملة، وتشريد آلاف اللبنانيِّين بالإضافة إلى آلاف الضحايا وتدمير البنى التحتية التابعة لـ»حزب الله»، واغتيال قياداته». كما يشدّد في هذا السياق على «أنّ إسرائيل لا تريد التفاوض الآن، والسلة المتكاملة التي كانت تقبل بها لم تعد مقبولة عندها».
موظّفو المطار: بطولات جدّية
إلى ذلك، وبالعودة إلى المشهد في مطار بيروت. في صالة الوصول، هدوء تمام ومساحة شبه خالية سوى من بعض المغامرين الذين عادوا كلّ لأسبابه. أمّا قاعة المغادرة فتؤمّن حركة طيران الـ«ميدل إيست» المستمرة وجوداً فيها للبنانيِّين هاربين من نيران حرب لم يختاروها بل فُرضت عليهم.
ووسط كلّ ذلك، يغامر موظّفون حاضرون في المطار، ويداومون على رغم من كلّ ما يحصل وعلى وقع صوت غارات مرعبة ودخان متصاعد يُمكن مشاهدته من خلف زجاج المرفق الصامد.
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، فإنّ من يَحضر من الموظّفين خصوصاً في المنطقة الحرّة، يأتي بإرادة منه، وقد توقف حضور الموظّفين الذين يسكنون بعيداً من محيط المطار نظراً للخطر على الطرق.
ويقول هؤلاء، مع رغبة عدم الكشف عن أسمائهم، إنّهم يداومون حتى يؤمّنوا استمرار العمل في المطار وليس من أجل الرواتب، مع الإشارة إلى أنّ زيادة طفيفة طرأت على رواتب مَن خاطر وداوم في أول أيام الحرب.
ويلفت بعض الموظفين في اتصال معهم، إلى أنّ الدوام صار من الثامنة مساء إلى الثامنة صباحاً والعكس، كما تمّ خفض عدد العاملين ليلاً ونهاراً من دون المساس برواتب من لا يتمكّنون من الحضور نظراً للظروف الطارئة.