هل تُعلن العديد من الدول، وتحديداً الأوروبية منها، تعليق رحلاتها الجوّية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت؟
تساؤل طرح نفسه مع تواتر معلومات عن أنّ منظمة الطيران المدني الدولي، وهي الهيئة العالمية لمراقبة السلامة، تُجري مراجعة لواقع مطار بيروت، بخاصة أنّ لبنان من الدول الموقّعة على اتفاقية شيكاغو التي تجعله ملزماً بالامتثال لمعايير OAC والممارسات الموصى بها.
في حال تحديد وجود مخاوف فورية تتعلّق بالسلامة أثناء عملية التدقيق، يمكن لمنظمة الطيران المدني الدولي وضع علامة حمراء أمام اسم المطار كما حصل مع كلّ من بوتان وروسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتقرّر كلّ من الدول الأعضاء بشكل مستقلّ كيفية استخدام المعلومات، بما في ذلك تعليق الرحلات الجوّية أم لا.
كشفت صحيفة “ذي ناشيونال” The National الإماراتية الصادرة باللغة الإنكليزية في تقرير لها أنّ أوجه القصور في خدمات الملاحة الجوّية التي جاءت في تقرير وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي ومنظمة الطيران المدني الدولي، تتطلّب إجراءات عاجلة لتحسينها، وهي تشمل خدمات مراقبة الحركة الجوّية والاتصالات والملاحة والمراقبة والأرصاد الجوّية وقضايا أمنيّة يجب معالجتها “بأقصى قدر من الاستعجال”.
جاء هذا التقرير نتيجة تدقيق مسبق أجرته وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (EASA) ومنظمة الطيران المدني الدولي، وقد حدّد هذه القضايا خلال زيارة بعثة دعم إلى لبنان في حزيران الماضي، وكان الغرض منها تقديم إرشادات استعداداً للتدقيق المقرّر إجراؤه العام المقبل للبرنامج العالمي لتدقيق مراقبة السلامة الجوية لتحديد نقاط الضعف المحتملة التي ينبغي معالجتها.
أوجه قصور خطيرة
بحسب مراسلة الصحيفة في لبنان ندى موكوران عطالله التي اطّلعت على التقرير، كشف هذا الأخير عن العديد من “أوجه القصور النظامية” المتعلّقة بخدمة الملاحة الجوية، ولا سيّما حركة مراقبة الحركة الجوّية حيث يوجّه مراقب الحركة الجوّية الطائرة من سيارة أجرة إلى الإقلاع والهبوط، وهو ما يضمن الفصل الآمن والطرق الفعّالة من خلال توجيه الطائرة. وحذّر من أنّ “النقص في كادر مراقبة الحركة الجوّية مشكلة خطيرة تتعلّق بالسلامة، ويمكن أن تكون له تداعيات خطيرة على الطيران في لبنان”. وشدّد على أنّ من “الأهميّة الحاسمة” لسلطات الطيران المدني اللبنانية أن تتيح “تعيين موظّفين مؤهّلين وذوي خبرة مناسبة باعتبارها مسألة ذات أهمية قصوى”، لافتاً إلى “قلق مهمّ آخر يتعلّق بغياب الإجراءات لضمان تحديث سجلّ العوائق والتحقّق من وظائف المساعدات الملاحية”. وأكّد التقرير أنّه “يجب على لبنان ضمان حلّ القضايا الأمنية المحدّدة في الوقت المناسب”.
نقلت عطالله عن خبير طيران قام بتقويم نتائج التقرير بشكل مستقلّ، وفقاً للصحيفة، أنّ “اللوائح الدولية تتطلّب تحديث الإجراءات المتعلّقة بالعقبات الحالية حول المطارات. وهذا يشمل أيّ بناء جديد مثل الأبراج أو توربينات الرياح، لمنع الاصطدامات المحتملة”. وأضاف الخبير أنّ “التحقّق من الوسائل المساعدة للملاحة، التي تشمل، على سبيل المثال، الإضاءة الأرضية، هو مسؤولية المطار. وهذه الأدوات ضرورية لمساعدة الطيّارين في الملاحة الآمنة”.
في ما يتعلّق بما كشفه التقرير عن عدم وجود فصل بين الجهة المنظّمة والمديرية العامّة للطيران المدني ومقدّمي الخدمات وغياب الإجراءات واللوائح والتدريب المناسبة، قال خبير الطيران: “توصي أفضل الممارسات بشدّة بالفصل الواضح بين تقديم خدمات الحركة الجوّية والوظيفة التنظيمية التي تشرف عليها لتجنّب أيّ تضارب في المصالح”. وأشار إلى أنّ أحد الحلول المحتملة قد يشمل تشغيل المطار لساعات محدودة لمعالجة نقص الموارد. بينما يعمل حالياً على مدار 24 ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع. لذلك الصياغة ملحّة ويجب أن تأخذ السلطات اللبنانية التوصيات على محمل الجدّ”.
أشار التقرير إلى افتقار المطار إلى مراقبي الحركة الجوّية، وهي مشكلة طويلة الأمد، إلّا أنّها تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية الحادّة في البلاد التي تسبّبت في خسارة العملة الوطنية 97 في المئة من قيمتها ودفع 80 في المئة من السكّان إلى ما دون خطّ الفقر. نقلت الصحيفة عن مصدر من دائرة الطيران المدني اللبنانية طلب عدم الكشف عن هويّته: “عندما يكون المراقبون مثقلين بالعمل، يكون خطر وقوع أخطاء أعلى، وقد تكون لها عواقب وخيمة”.
وفقاً للمصدر “لا يوجد حالياً سوى 15 مراقباً جوّياً معتمداً، في حين أنّ المعيار هو 87. لطالما واجه مراقبو الحركة الجوية نقصاً في الموظّفين، لكن بسبب الأزمة، التي أدّت في البداية إلى تخفيضات كبيرة في الأجور، قرّر عدد من الموظفين مغادرة البلاد. وهذا أدّى إلى نوبات طويلة للغاية، تصل أحياناً إلى 24 ساعة، بحيث يعمل مراقب الحركة الجوّية خمس ساعات متواصلة من دون أيّ فترات راحة ويراوح عدد ساعات عمله من 72 إلى 96 ساعة في الأسبوع”.
بحسب المصدر يوصي الاتحاد الأوروبي بأربع نوبات مدّتها ثماني ساعات تليها يوما إجازة، وأن يعمل المراقبون خلال نوباتهم لمدّة ساعة ونصف، تليها استراحة لمدّة نصف ساعة. وقال إنّ كلّ طاقم يجب أن يكون لديه ما لا يقلّ عن أربعة مراقبين ومشرف واحد. ومع ذلك، بسبب النقص الحادّ في الموظفين في مطار بيروت، لا يوجد حالياً سوى مراقب واحد نشط بمساعدة مساعد، بينما يستريح زميله.
قال المصدر إنّ المراقبين يتحمّلون عبئاً هائلاً من المسؤولية في مطار بيروت، ويتمّ استنزافهم ودفعهم إلى أقصى حدودهم. وعلى الرغم من انخفاض أعداد الموظفين وتزايد سنّ الموظفين الحاليين، بمتوسط عمر 45 عاماً، لم يتمّ تعيين بدلاء محليّين، في حين أنّ التوظيف من الخارج سيكون باهظ الكلفة.
أشار المصدر إلى النقص في تدريب الموظّفين من الرتب الدنيا، وخاصة أولئك الذين يعملون على الأرض أو كمساعدين. وكشف أنّ “من بين العشرين، لا أحد من هؤلاء يحمل الشهادة اللازمة لتنفيذ واجباته. وسيحتاج تدريبهم إلى ما لا يقلّ عن ثلاث إلى أربع سنوات، بشرط أن يكون هناك مركز تدريب. وقد حاول مراقبو الحركة الجوّية مع جميع الوزراء المتعاقبين على مرّ السنين أن يطالبوا بالتوظيف والتدريب لتفادي هذا الوضع، لكن من دون جدوى”.
أشارت الصحيفة إلى ما نقله النائب إبراهيم منيمنة عن وزير الأشغال العامّة في حكومة تصريف الأعمال علي حمية في الجلسة الأخيرة مع لجنة الأشغال العامّة من أنّ الحكومة تدرس استقدام مراقبين للحركة الجوّية من منظمة الطيران المدني الدولي لمعالجة النقص في عدد الموظّفين.
أفادت مراسلة الصحيفة أنّ الوزير حمية لم يردّ على طلبها للتعليق على سبب عدم اعتماد 20 مراقباً جوّياً اجتازوا بنجاح اختبار 2018 لهذه الوظيفة، وكان أُفيد في ذلك الوقت أنّ الدفعة لم تتمّ الموافقة عليها من قبل الرئاسة بسبب مخاوف من خلق خلل طائفي في البلاد، حيث إنّ كلّ المرشّحين الناجحين كانوا من المسلمين.
الجدير بالذكر أنّه تمّ إجراء التدقيق الأوّلي للبنان في عام 2008، تلته أربع بعثات، كان آخرها في عام 2017. وحالياً يحوز لبنان درجة إجمالية قدرها 58.5، في حين أنّ المتوسّط العالمي هو 69.8.