معالجة إنهيار جبل شكا متى؟

في دولة طبيعية، لن أقول “قوية”، تُنجز في ثلاث سنوات دراسة لأوتوستراد جديد يتخلله نفق وجسر، تُنفّذ الدراسة ويُعبّد الطريق ويُفتتح. بثلاث سنوات أيضاً يتم بناء وتجهيز مستشفى حديث ومدرسة، فما بالك بإستصلاح أوتوستراد دولي بعد انهيار صخري؟ هذا يبدو بديهياً في دولة يُعبر واقعها عن فحوى الكلمة. لكن في لبنان حيث التعبير فضفاض على قياس حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب معطّل، فإن ثلاث سنوات فترة وجيزة جداً لأي عمل كان!

هنا على الأوتوستراد الدولي الذي يصل بيروت بالشمال لا يزال كل شيء على حاله، وكأن الانهيار الصخري حدث بالأمس. منذ مطلع العام 2019 وحتى الآن يصول ويجول المواطنون ذهاباً وإياباً على الخط نفسه. فقد قُسم المسلك الغربي على الطريق السريع إلى جزأين بفواصل حديدية ليتسع للسيارات المتوجهة من بيروت إلى الشمال، وتلك الخارجة من الشمال إلى بيروت. تُحشر المركبات على الطريق فتبلغ الزحمة ذروتها في ساعات الصباح الأولى، وساعات بعد الظهر، فتصل أرتال السيارات إلى حدود بداية النفق

العابرون على هذا الطريق (الدولي) غالباً ما ينشغلون في تأمل المجازر الحاصلة. انهيار الجبل، تجزئة الأوتوستراد، الحُفر التي تملأ الطريق، تحلل الزفت، وأخيراً سد المسيلحة الشهير الفارغ من المياه، والذي تم إنشاؤه بالقرب من معلم سياحي من المفترض أن يكون قبلة للسياحة للتعرف إلى حضارة المنطقة وهو المتمثل بقلعة المسيلحة. وبدلاً من أن يُحفّز انهيار الجبل الصخري بمحاذاة النفق المسؤولين المعنيين لتحسين واقع البنى التحتية في هذه النقطة، تحوّل الأمر إلى فرصة لتقاذف المسؤوليات ورمي التُهم والمتاجرة بالمواقف السياسية.

وكان آخر اجتماع عقد لمتابعة مسألة الانهيار واستصلاح الطريق في شكا في 24 أيلول من العام الماضي في السراي الحكومي، حيث وصف وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار الملف بالقول: “موضوع انهيار الجبل المحاذي لنفق شكا لا يحتمل التأخير ويهدد سلامة المواطنين ويعزل منطقة الشمال”.

وأشار إلى أن “مصرف لبنان كان قد وعد بصرف مبلغ إضافي للشركة لكي تعاود مزاولة العمل، ولكن للأسف فإن الأمور في البلاد تتجه نحو الأسوأ يوماً بعد يوم”. وللوقوف على حقيقة الأمر حاولنا الاتصال مراراً بكل من مدير الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، والمتحدث باسم الشركة المتعهدة جان كيروز، لكن من دون الحصول على أي ردّ. ربما يجب أن ننتظر لنحصل على رد منهما إلى أن تنتهي الصيانة المطلوبة، أي عندما تصعد السلحفاة إلى الشجرة.

من جهته يوضح الإيدرو جيولوجي والخبير في المياه الجوفية سمير زعاطيطي أن “المشكلة الأساسية في ما يحدث في لبنان تتمثل بعدم فهم بعض المهندسين الجيولوجيين لطبيعة الصخور التي يعملون فوقها”، مشيراً إلى أنه “من المفروض قبل المباشرة بأي عمل أن تقوم الجهات المعنية بإعداد دراسة جيولوجية مفصّلة تحدد طبيعة الصخر، وإذا كان ممكناً العمل فيها أم أنها تحتاج إلى معالجة”.

وعن موضوع الانهيار الصخري في شكا، يوضح زعاطيطي أن “المشكلة في تلك المنطقة تظهر في فصل الشتاء غالباً، وذلك يعود لكون الصخور الموجودة هي صخور طينية مارلية، أي أنها تتألف من مواد صلصالية زائد كاربونات. عندما تكون جافة فإنها تحتمل أثقالاً كثيرة، ولكن عندما تتشبع بالمياه تصبح رخوة وينتفخ حجمها فتضغط باتجاه الطريق العام. ”

بدوره أكد رئيس مجموعة “استشاريون بلا حدود” المهندس زكريا الزعبي أن “الانهيار الحاصل يعود لعدة أسباب أهمها طبيعة الأرض في تلك المنطقة، فعندما شُقت الطريق في العام 1983لم تُدعّم بالشكل المطلوب بل كان الأمر على الطريقة اللبنانية التي تعتمد على مبدأ أن “حجرة تسند خابية”، بالإضافة إلى أن الطبيعة الجيولوجية للأرض تأثرت كثيراً بعد الأعمال التي نُفذت لإقامة سدّ المسيلحة”، مشيراً إلى أن “الأعمال لاستصلاح الأرض لا تتطلب أكثر من ستة أشهر إن كانت هناك جدية حقيقية في العمل”.

مصدرنداء الوطن - ساندي الحايك
المادة السابقةالذهب يحتلّ قائمة الصادرات وسويسرا وجهة “التسييل” الفضلى للمخزون التجاري
المقالة القادمةتعديل مرسوم الحدود البحرية: للتفاوض لا لتثبيت الحق!