تركز الشركات والخبراء خلال معرض سيال إنسايتس في باريس على سبل الخروج بحلول فعالة للنهوض بمجال الصناعات الغذائية، وجعل القطاع أكثر إسهاما في مسار التنمية وسط الصعوبات التي يواجهها بسبب تأثيرات تغير المناخ والتوترات السياسية.
ويسعى العديد من المستثمرين إلى تفعيل خططهم المتعلقة بتحفيز أعمال شركاتهم، متسلحين بمبادرات متنوعة تتصدرها الابتكارات، التي يمكن أن تسهم في تخطي التحديات الجاثمة على الاقتصاد العالمي بفعل ارتفاع التكاليف وارتباك سلاسل التوريد.
ولكن هذه الصناعة تبرز كأحد أضلاع الخطط مع تعويل الحكومات على جذب المزيد من الاستثمارات إلى الزراعة، والتي تشير التقديرات إلى أنه يسهم بقدر كبير في الناتج المحلي الإجمالي لأي بلد في حال تم تطويره على النحو الأمثل.
ويعد التمويل المستدام والاستثمار في مشاريع القطاع من العوامل الرئيسية التي تساعد في تحقيق الأهداف رغم المناخ المتقلب، خاصة مع ابتعاد العالم عن فترة الإغلاق الاقتصادي جراء أزمة كورونا، التي أثرت كثيرا على أنشطة هذا القطاع المهم.
وأصدر المنظمون في سيال إنسايتس قبل انطلاق أكبر معرض للابتكارات الغذائية في العالم المقرر في أكتوبر المقبل، تقريرا عن حالة القطاع لعام 2024 بالشراكة مع خبراء الصناعة كانتار وبروتنيس إكس.تي.سي وسيركانا.
ويستكشف التقرير الحالة الحالية لصناعة الأغذية على مستوى العالم، مع تسليط الضوء على الاتجاهات والتحديات الرئيسية وسط الضغوط الاقتصادية وتغير سلوكيات المستهلكين.
يكشف التقرير أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد أثر بشكل كبير على أنماط الإنفاق على مستوى العالم. وعلى مدى العامين الماضيين، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 10 في المئة، وغالبا ما تجاوزت معدلات التضخم الإجمالية.
ويستجيب المستهلكون من خلال تعديل عاداتهم الشرائية، مثل شراء كميات أصغر، والتحول إلى علامات تجارية أكثر بأسعار معقولة، والسعي للحصول على خصومات. وقال معدو التقرير إنه “يجب على صناعة الأغذية تكييف نماذج التوريد الخاصة بها لتلبية هذه السلوكيات الاستهلاكية الجديدة مع الحفاظ على الممارسات المستدامة”.
ورغم التحديات الاقتصادية، يعطي المستهلكون الأولوية للمتعة في اختياراتهم الغذائية. وتهدف أكثر من 52 في المئة من المنتجات الجديدة إلى توفير المتعة الحسية، خاصة في الأسر ذات الدخل المنخفض حيث يعمل الطعام كمصدر ميسور التكلفة. ونمت أهمية تجارب تناول الطعام الجماعية، مع التركيز المتجدد على بناء المجتمع من خلال الطعام.
وأشار ما يقرب من 30 في المئة من المشاركين إلى أن تناول الطعام في المطاعم الجماعية هو السبب الرئيسي لتناول الطعام خارج المنزل، كما تكتسب الأطباق التقليدية والمكونات التراثية شعبية متزايدة.
وهناك طلب متزايد على الأطعمة الطبيعية ذات الحد الأدنى من المعالجة، حيث أعرب 74 في المئة من المستهلكين عن قلقهم بشأن الآثار الصحية لنظامهم الغذائي.
ويتزايد الاهتمام بالمنتجات العضوية ومنتجات التجارة الآمنة، رغم أن السعر لا يزال يشكل عائقًا أمام الكثيرين. وتحظى التغذية الشخصية أيضا باهتمام متزايد، إذ أبدى 65 في المئة من المشاركين استعدادهم لدفع المزيد مقابل الحصول على منتجات أكثر صحة.
وتعمل التطورات التكنولوجية على تحويل صناعة الأغذية، وتوفر التجارة الإلكترونية الراحة وتوفير التكاليف، مع نمو مبيعات الأغذية عبر الإنترنت بنسبة 11 في المئة في فرنسا.
وبينما تتصدى الزراعة الدقيقة والزراعة الرأسية لتحديات إدارة الموارد والأثر البيئي، يستكشف تقرير سيال إنسايتس، التي تتوقع مشاركة 7500 عارض، إمكانات البروتينات المزروعة في المختبر كبدائل مستدامة للزراعة التقليدية.
وأظهرت دراسة نشرتها مجلة كومونيكيشنز إيرث أند إنفايرومنت التابعة لدار سبرينغر نيتشر في مارس الماضي، أن التغير المناخي وموجات الحر ستؤدي إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل أكبر في السنوات المقبلة، وستكون دول الجنوب الأكثر تضررا منه.
ويختلف التأثير حسب المواسم والمناطق، لكن ارتفاع درجات الحرارة المتوقع لعام 2035 سيؤدي إلى زيادة في أسعار المواد الغذائية بمعدل 1.49 نقطة مئوية سنويا في أفضل السيناريوهات.
وخلص الباحثون إلى أنه في أسوأ السيناريوهات، ستكون الزيادة بنسبة 1.79 نقطة مئوية، وسيكون التأثير على التضخم الإجمالي 0.76 و0.91 نقطة مئوية على التوالي.
وعلى مدار السنوات الأخيرة رجح الخبراء وتقارير المنظمات الدولية أن تكبل مشكلات الجفاف وسلسلة الإمدادات العالمية الذي يضرب مناطق كثيرة محاولات للحد سريعا من أسعار الغذاء في الأسواق بعد قفزات غير المسبوقة منذ الحرب في أوكرانيا.
وينبع هذا القلق رغم تأكيد البعض أن ثمة عوامل وراء هذه التقلبات الشديدة في أسوق السلع الأساسية إلى جانب تأثيرات الأزمة الصحية العالمية، منها العرض والطلب وتغير أسعار العملات والمواقف الجيوسياسية والسياسات الحكومية وأيضا النمو الاقتصادي.
وتتفق بيانات منظمات أممية ودولية تُعنى بمجال توفير الغذاء ومحاربة الفقر والجوع في العالم على أن أسعار السلع الغذائية ظلت ترتفع بشكل مطرد منذ يونيو 2020، تاركة الحكومات تغرق في مأزق كبير.