يشكّل سعر صرف الليرة هاجساً كبيراً لدى اللبنانيين مع فقدان “أثر” الدولار والإحتكار اليومي من قبل البعض للعملة الصعبة التي تحكم قبضتها على السوق اللبناني المرهون لهذه العملة الصعبة لأكثر من ثلاثة عقود.
ومع طلب الدولة مساعدة صندوق النقد الدولي، وما يرافق ذلك من شروط يفرضها الصندوق لا سيما تحرير سعر الصرف وإخضاعه لقواعد العرض والطلب، بات من الملحّ الإضاءة على جوانب “التحرير” ومعرفة قواعدها كما انعكاسها على لبنان فيما لو سارت الحكومة على طريق “تحرير سعر صرف الليرة”.
في رأي الباحث الإقتصادي البروفيسور روك – أنطوان مهنا، فان الأفضل حالياً اعتماد الـ “Crawling Peg” وهو تحرير تدريجي لسعر الصرف لتفادي انهيار القدرة الشرائية.
ويشير مهنا، إلى أنه بالتوازي مع ضبط فلتان سعر الصرف، يجب البدء بخطوات جوهرية ومنها الإصلاحات لأنها تشكل عامل ثقة، وهي كلمة السر الأساسية لأي مساعدة يطلبها لبنان.
ويتابع مهنا، أن هذه الإصلاحات نلتمسها بخطوات كثيرة من تخفيض فاتورة القطاع العام إلى وقف الهدر والسير في طريق إصلاح قطاع الكهرباء، إقفال المجالس والصناديق الوهمية، كما الوظائف الوهمية الموجودة بالآلاف، أو تلك التي أقرّت حديثاً والتي أنهكت القطاع العام، ونعرّج أيضاً نحو التهرّب الجمركي وضبط وإغلاق المعابر غير الشرعية، والتي تؤثر على سعر الصرف، وهنا يعطي مهنا مثالاً على ذلك من خلال تهريب الدولار الأميركي ومادتي المازوت والطحين المدعومتين من الدولة إلى سورية، الأمر الذي يؤثّر سلباً على النظام المالي الداخلي.
وإلى الإصلاحات تنضم أيضاً خطوة ضبط سعر الصرف في السوق السوداء لدى الصيارفة، تزامناً مع إغلاق التطبيقات المرتبطة بها. هذه الخطوة تُستتبع مع أخرى مرتبطة ب”تقريب” سعر الصرف في هذا السوق مع سعره لدى المصارف. وهذا الإجراء يستكمل مع ضبط احتكار وجنون الأسعار بيد من حديد، لكي لا يبرّر أصحاب المحال التجارية وشركات المواد الغذائية الإرتفاع الجنوني لأسعار السلع بسعر صرف الدولار.
ويؤكد مهنا، أنه في حال لم تبادر الحكومة إلى اتخاذ هذا الإجراء، فنحن متّجهون إلى جنون إضافي بالأسعار ونقص بالسلع، مع انهيار أكثر لسعر صرف الليرة.
ضبط سعر الصرف واتخاذ خطوات إصلاحية في إدارات ومؤسسات الدولة مع البدء بتحرير سعر الصرف تدريجياً يجب أن يتزامن أيضاً، وفق مهنا، مع إعطاء حوافز للقطاعات الزراعية والصناعية والتكنولوجية لكي تستطيع الدخول في سوق المنافسة الخارجية، لأن الكلفة الإنتاجية لهذه القطاعات تنخفض مع تحرير سعر الصرف، وبالتالي تدخل سوق المنافسة وتُدرّ الى الداخل العملة الصعبة، بعكس ما هو حاصل اليوم، حيث تشكل فاتورة الإستيراد أضعاف فاتورة الصادرات.
ويشدّد مهنا، على ضرورة الأخذ بهذه الإصلاحات الجذرية كتوطئة لمساعدة خارجية من صندوق النقد الدولي.