يستغل الآلاف من اللبنانيين المغتربين موسم زياراتهم إلى لبنان لرفد عائلاتهم وذويهم بمبالغ مالية نقدية، بدلاً من تحويلها إليهم عبر المصارف. فالقطاع المصرفي لم يتمكن من استعادة ثقة عملائه التي خسرها تدريجياً على مدار ما يقارب 4 سنوات من الانهيار المالي.
القيود المصرفية والإجراءات التعسّفية واحتجاز الودائع، وما تبعها من ممارسات غير عادلة بحق العملاء، دفعت المغتربين وعموم العملاء المصرفيين إلى التعامل مع شركات التحويل المالي المنتشرة على مساحة لبنان والمتزايدة بكثرة في السنتين الأخيرتين.
ويكاد لا يخلو شارع من وجود فرع أو أكثر لإحدى شركات تحويل الأموال (OMT التابعة لشركة ويسترن يونيون، Money Gram، Whish money، BOB، وغيرها..)، فاللبنانيون اتّجهوا إليها منذ بداية الأزمة المالية عام 2019، حتى باتت أرقام التحويلات المالية عبرها تتزايد سنوياً. ويبدو لافتاً ارتفاع وتيرة التحويلات المباشرة نقداً خصوصاً في موسم الصيف، فالمغتربون القادمون إلى لبنان ينقلون معهم الأموال التي كانوا يحوّلونها في سنوات سابقة عبر المصارف.
الكاش أكثر أماناً من المصارف
ويقول مازن الحسن، وهو مغترب في إحدى دول الخليج، إنه بعد المعاناة التي واجهها مع بنك لبنان والمهجر، لم يعد مستعداً لتحويل 100 دولار عبر المصرف لعائلته في لبنان. ويشكو الحسن سوء تعامل المصرف “فعلى الرغم من القرارات التي صدرت خلال السنوات الماضية والتي تتيح للعملاء سحب مبالغ محددة خارج لبنان لسداد أقساط مدرسية أو لتلقي خدمات طبية وغيرها، إلا أن البنك لم يسمح لي بذلك. وعرّض إبني في فترة من الفترات لخطر الفصل من المدرسة بسبب القسط”. ويسأل كيف لي أن أثق بالمصرف بعد اليوم.
يعتمد الحسن عند الضرورة على شركات التحويل المالي وتحديداً OMT لتحويل الأموال إلى عائلته، كما الكثير من المغتربين. لكنه على حد تعبيره يعتمد بشكل أساسي على إرسال الأموال مباشرة، والتسليم باليد، إما حين يأتي إلى البلد في إجازة الصيف أو عبر صديق قادم إلى البلد.
إدخال الأموال عبر مطار بيروت ليس بالأمر المعقّد. فالقادمون لهم حرية شبه مطلقة في إدخال الأموال. من هنا يبدو مستحيلاً تحديد المبالغ المالية الواردة إلى البلد مباشرة عبر الوافدين لاسيما اللبنانيين منهم. أما الثابت الوحيد -حسب مصدر مطلع- فهو ان نقل الأموال من قبل المغتربين الوافدين يتزايد بشكل كبير ولافت.
عبر المطار
فالقادم إلى لبنان يمكنه إدخال مبلغ لا يتجاوز 15 ألف دولار من دون الحاجة للتصريح. كما يمكن إدخال مبلغ يصل إلى 50 ألف دولار مع اقتصار الأمر على تصريح شكلي لدى السلطات في المطار، وبالنظر إلى دخول مئات الألوف من الركاب شهرياً عبر المطار (427 ألف راكب في شهر حزيران) فإن المبالغ المالية المتوقع دخولها خلال موسم الصيف قد تتجاوز الملياري دولار شهرياً. مع الأخذ بالاعتبار أن غالبية الوافدين إلى البلد خلال اشهر الصيف هم من المغتربين اللبنانيين. وعليه، يمكن اعتبار أن حصة وازنة من الأموال الوافدة معهم موجّهة إلى عائلاتهم، وهي المبالغ التي يجنّبها أصحابها سلوك المسار المصرفي.
وتوضح حنين مصطفى مغتربة أخرى تعمل في إحدى دول الخليج أنها نقلت معها خلال زيارتها لبنان حالياً مبالغ مالية تعود لاثنين من أصدقائها أرسلاها إلى عائلتيهما. فالتحويل عبر المصارف بات شبه مستحيل بالنسبة إلى الكثير من المغتربين “أما التحويل عبر شركة OMT وسواها فهو آمن، لكن يبقى الأفضل إيصال الأموال كاش وتسليمه باليد” على ما تقول مصطفى.
التحويلات عبر الشركات
ترتفع نسبة التحويلات المالية عبر الشركات كل عام، وحسب الأرقام يصل عبر شركة OMT التي تستحوذ على نحو 80 في المئة من السوق اللبنانية، أكثر من مليار و500 مليون دولار سنوياً. وقد ارتفعت نسبة التحويلات المالية عبر الشركات قرابة 20 في المئة خلال سنوات الأزمة بالمقارنة مع السنوات التي سبقتها.
وحسب أرقام المصارف، كانت تحويلات المغتربين عبر المصارف تتجاوز نسبة 35 في المئة قبل الأزمة المالية، في حين كانت تبلغ 28 في المئة عبر الشركات ونحو 26 في المئة من خلال الكاش. أما بعد العام 2019، فتراجعت التحويلات عبر المصارف بشكل كبير مقابل ارتفاعها عبر الشركات بنسبة 20 في المئة وعبر الكاش أيضاً.
لا تزيد سقوف التحويلات عبر الشركات عن 7500 دولار في العملية الواحدة و10 آلاف دولار في الشهر. من هنا يضطر الكثير من المغتربين إلى تحويل المبالغ الكبيرة عبر المصارف أو التسليم باليد عبر القدوم إلى لبنان على مراحل. لاسيما في حالات إدخار مبلغ في شراء عقار أو ذهب أو الاستثمار في مشروع ما.
ويوضح أحد المغتربين العاملين في سويسرا (يفضل عدم ذكر اسمه) أنه غالباً ما يضطر لتحويل المال إلى عائلته عبر المصارف لصعوبة التعامل بالكاش في سويسرا، والتعقيدات المترافقة لتحويل المال عبر الشركات، لافتاً إلى تخوفه من تحويل مبلغ كبير عبر المصرف، علماً انه يسعى إلى شراء منزل في لبنان. ويستغرب حجم العمولات الهائلة التي يتم سحبها من قبل المصرف لقاء عملية التحويل.
وتُعد كلفة التحويلات المالية إلى لبنان من بين الأعلى في العالم، حسب دراسات البنك الدولي. فالمصارف كانت تتقاضى قبل الأزمة نسبة 1 أو 2 في الألف. أما خلال الأزمة، فارتفعت تلك العمولات تدريجياً وباتت متفاوتة بين المصارف. إذ تصل نسبتها لدى البعض إلى 2 في المئة أي 20 بالألف وهي نسبة مرتفعة جداً.