قال مصرفيون لـ«الأخبار»، إنّ هناك مفاوضات جارية الآن بين رئيس مجلس إدارة المصارف المنتهية ولايته سليم صفير، وبين المجموعة التي تقف بوجهه، والتي أسقطت اقتراح تعديل نظام الجمعية لتمديد ولاية رئيس وأعضاء مجلس الإدارة لمدّة سنة بعد تمديد سابق لمدة مماثلة، إذ إن النظام لا يتيح سوى تمديد واحد. المفاوضات تدور الآن حول منح المعترضين مقعدين مستحدثين في مجلس الإدارة، لكن لم يُتّفق بعد على الأسماء.بحسب المصادر، فإن المفاوضات انطلقت فوراً بعد فشل سليم صفير والمصارف الأكبر في تأمين نصاب الجمعية العمومية التي دعوا إليها بهدف تعديل النظام الداخلي. يومها ساد النقاش بين هؤلاء على خلفية أن صعوبة تأمين النصاب لا تتعلق بوجود معارضة فعلية، بل بسبب فشل إداري في الضغط على المصارف ودفعها إلى حضور الجمعية. في النهاية خلص النقاش إلى أن المسألة مرتبطة بوجود معارضة فعلية قد لا يكون حجمها كما تدّعي، أي إنها قد تكون أقلّ من 15 عضواً، لكنها تمكّنت من التأثير في باقي الأصوات. وهذه المعارضة تقودها مجموعة من المصارف الأصغر وتضع رائد خوري كممثل عنها. وفي الواقع، تردّد المجموعة المعترضة، أن ضغوطها نجحت في دفع سليم صفير إلى التفاوض معها على أمر واحد: حصّة من التمثيل في مجلس الإدارة. مسار التفاوض انطلق أصلاً قبل الدعوة إلى الجمعية العمومية الأخيرة، لكن صفير لم يكن يأخذه على محمل الجدّ، خلافاً لما هو الواقع عليه اليوم، إذ تبيّن أن المعروض على صفير هو الآتي: أن يوافق هو ومعه المصارف الأكبر على منح هذه المجموعة عضوين في مجلس الإدارة سواء عن طريق استحداث مقعدين إضافيين في المجلس أو عن طريق استبدال اثنين آخرين. بعد نقاش لأيام، وافق صفير على استحداث مقعدين إضافيين أحدهما يكون مخصّصاً لعضو مسيحي، والثاني يكون لعضو مسلم، من أجل «منع اختلال التوازن الطائفي في مجلس إدارة جمعية المصارف».
طبعاً المصارف، وهي على الوجه الغالب مفلسة تقنياً، مهتمة اليوم بقدرتها على التمثيل الطائفي، أي الحفاظ على المظاهر التي تربطها بآليات النظام الحاكم في لبنان. وهذا أمر ليس شكلياً بالمطلق، إذ إنه يعني أنها ما زالت تعوّل على المراجع الطائفية الحاكمية بأن تلعب دوراً في عملية إعادة هيكلة القطاع المالي بشكل يتناسب مع مصالحها وبقائها في السوق واستمرايتها. وبعد الاتفاق على التمثيل الطائفي، اختارت المجموعة المصرفية المعارضة رائد خوري للعضوية المسيحية، على أن يتم اختيار العضو المسلم الثاني سواء كان سنياً أو شيعياً أو درزياً من بين الذين يرغبون في الدخول إلى المجلس. لكن صفير وضع «فيتو» على خوري وطلب أن يكون أي شخص آخر ما عداه. عندئذ، قدمت هذه المجموعة عرضاً جديداً يتضمن تسمية فادي عسلي عن العضو الثاني المسلم فيكون تمثيل سيدروس بنك موجوداً، على أن يتم البحث عن اسم مسيحي، لكن صفير ما زال يعارض هذه الفكرة أيضاً.
المسألة لا تتعلق بكون خوري مناسباً لعضوية المجلس أم لا حتى ضمن معايير لوبي المصارف، إنما هي مسألة سياسية بينهما، إذ إن صفير يعدّ محسوباً على نافذين في التيار الوطني الحرّ، بينما خوري يعدّ محسوباً على طرف آخر ضمن التيار نفسه، علماً أنه ينفي ذلك بالقول إنه كان في يوم ما محسوباً على هذه الجهة السياسية. وبين صفير وخوري إشكالية تتعلق بما حصل عندما جرى التسريب إلى محطة تلفزيونية عن مصارف كان لها حظوة ونفوذ لدى مصرف لبنان. المتهم بالتسريب كان صفير، والمشبته فيه كان خوري، وقد تبادل الاثنان بعض الكلمات بعدما كشفت المحطة المذكورة عن مصدر التسريب من مكتب صفير.خوري يدّعي أن لديه القدرة على إجراء تغيير من الداخل في مجلس إدارة جمعية المصارف وإجبارهم على اتخاذ خطوات في اتجاه إعادة هيكلة القطاع المصرفي تكون لمصلحة الجميع، لا لمصلحة المصارف الكبيرة حصراً، وهو من دعاة استعمال أصول الدولة في تمويل عملية توزيع الخسائر وتسديد الودائع، وهو أيضاً من دعاة الخصخصة وكبح القطاع العام وتقليصه لأنه فاسد وغير فعّال وغير منتج. صفير لديه أفكار مماثلة عن الخصخصة والقطاع العام، لكنه يدرك أن المصارف راكمت أصولها ورساميلها على أكتاف القطاع العام ومن أموال الودائع التي وظّفت لدى مصرف لبنان أيام الحاكم المشتبه فيه رياض سلامة. خوري وعسلي يرأسان مجموعة مصرفية من سيدروس بنك وسيدروس إنفست بنك، واستفادا بشكل مباشر من الهندسات المالية، وصفير أيضاً كان مستفيداً بشكل كبير من الهندسات المالية. الفرق بينهما أن خوري وعسلي وفدا حديثاً إلى القطاع المصرفي، بينما صفير «عتيق» فيه، لكنهما لا يختلفان جذرياً في الطرح المقدم بشأن إعادة هيكلة المصارف ويختلفان على الأسلوب المتّبع، وهذا التناقض موجود لدى كل أصحاب المصارف الأخيرى الكبيرة والصغيرة. ثمة بضعة مصارف محدودة «تقف على التلّة» ممّن استفادوا طوال السنوات الماضية من تحويل أرباحهم إلى أصول عقارية واستثمارات خارجية فيها قيمة كبيرة اليوم تكفي لتغطية الجزء الأكبر من خسائرهم ولإعادة رسملة مصارفهم وإطلاقها في أي خطة جديدة لإعادة الهيكلة.