مقارنة بين أزمتَي آيسلندا ولبنان

آيسلندا وبعد 8 سنوات على أزمتها المالية حققت أعلى وأسرع نمو في العالم: نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 7.2%

لبنان يدخل السنة الرابعة من الأزمة والتقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سيكون سالباً بمقدار 7%، وفق معهد التمويل الدولي.

لبنان وآيسلندا يتشابهان في أمور كثيرة في ما خص الأزمة المصرفية التي اجتاحتهما

في كلا البلدين الخسارة طالت ودائع مصرفية فوق الـ 100 مليار دولار، تضخّم فوق الخمس مرات الناتج المحلي الاجمالي

لكن للأسف الفرق شاسع جداً في معالجة الأزمة بين آيسلندا ولبنان

***

في آيسلندا

بعد اندلاع الأزمة بأيام معدودة اتخذت آيسلندا الاجراءات التالية:

تم تعيين محقق قضائي لقيادة التحقيق للتوصل الى الاسباب التي أدت الى حصول ما حصل، وتحديد الارتكابات والمسؤوليات، واعطيت له جميع الصلاحيات للقيام بعمله بأدق وبأسرع ما يمكن. وتم تجنيد ما يقارب الـ 20000 شخص لمهمة البحث والتدقيق في اسباب ما جرى في دولة يبلغ عدد سكانها 320000 نسمة، أمر وصفته إحدى المجلات الفرنسية بضرب من ضروب الخيال لا يمكن تخيل حصوله ابداً في عالم الحقيقة!

– تمّ رفع السرية المصرفية كلياً

– تم استدعاء العشرات من الخبراء الاجانب للمشاركة في البحث والتدقيق لتحديد المسؤوليات والارتكابات وشمل الامر: المسؤولين الحكوميين، القيمين على ادارة المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف ورؤساء مجالس ادارات المصارف وكبار المساهمين والمدراء التنفيذيين ومفوضي المراقبة… وغيرهم ممن لهم صلة مباشرة وغير مباشرة بالاشخاص الآنفي الذكر: من محامين، اخصائيي محاسبة وعمليات الكترونية.

توازياً، قام المجلس النيابي بتعيين لجنة تحقيق نيابية للوصول الى ذات الاهداف: تحديد مسببات الازمة، الارتكابات، المسؤوليات… وبعد حوالى السنتين تم الانتهاء من اعداد تقرير اولي سمي «الحقيقة» «La Verite» من حوالى 2000 صفحة ورد فيه بالتفصيل الممل احياناً دقائق جميع ما حصل وأدى للازمة واسماء المسؤولين عنها. تم نشر التقرير على الانترنت ووزع في جميع المكتبات وعقدت حلقات متخصصة على قنوات التلفزة وفي المسارح لشرح مضامينه للجمهور، كما اقيمت ندوات خارج البلاد لشرح حقيقة ما حصل.

تمت تسمية الرسميين الكبار المسؤولين مباشرة عن الازمة وانحصر عددهم بسبعة اشخاص هم:

– رئيس الحكومة السيد Geir Haarde

– حاكم المصرف المركزي السيد David Oddsson الذي حاول المنازعة بعدم مسؤوليته رافضا طلب الحكومة بالتنحي ما دفع مجلس النواب الى اصدار قانون اعاد فيه تنظيم حاكمية المصرف، باشتراط مواصفات علمية اعلى لتبوؤ منصب الحاكمية ما نتج عنه ابعاد الحاكم ونائبيه الاثنين السيدين Eirikur Gundason و Ingimundur Fridriksson عن مناصبهما

– وزيرا المالية والمصارف السيدان Arni Mathiessen و Bjorgvin Sigurdsson.

– رئيس لجنة الرقابة على المصارف السيد Jonas Jonsson.

– كما شمل التقرير اسماء آخرين من مجالس ادارات المصارف وكبار المدراء في المصارف والمسؤولين في الوزارات على الاخص وزارة المالية والمصرف المركزي.

وشمل التقرير ايضاً اسماء العشرات من كبار مديري ومساهمي المصارف (على الاخص المصارف الثلاثة الكبرى في البلد).

فبعد سنتين من حصول الازمة كانت الملفات جاهزة امام القضاء فصدرت عشرات الاحكام وزج بمسؤولين كبار في السجن.

الرئيس الايسلندي Grimsson اعلن صراحة في مؤتمر Davos ان خطة بلاده لتجاوز الازمة هدفت بعناوينها الرئيسية الى معاقبة المرتكبين والمقصرين واعلان بلده دولة قانون، فهذا هو الحل السحري لعودتها الى الاسواق المالية واكتساب ثقتها. وبالفعل هذا ما حصل فقد اعلن حاكم المصرف المركزي الايسلندي السيد Gudmundsson في مقابلة مع الـ AFP ان بلاده حققت عام 2016 بعد ثماني سنوات من الازمة اعلى واسرع معدل نمو ناتج محلي اجمالي في العالم بلغ 7،2% وتمت زيادة الاجور بمعدلات مهمة، كما ارتفع حجم الاستثمارات.

في لبنان

لا تحقيق قضائي فتح، ولا ايضاً تحقيق نيابي فتح، في ازمة صنفها البنك الدولي من بين ثلاث اكبر ازمات مالية شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. والمجلس النيابي لم يتوصل لتاريخه، وبعد مرور اكثر من ثلاث سنوات من بدء الازمة، لاصدار اي قانون للكابيتال كونترول، والتعديلات على قانون السرية المصرفية جرت على نحو تمت فيها، حسب الرأي الراجح، ابراء الذمة عن الارتكابات السابقة لصدور التعديلات، والتدقيق الجنائي بات بخبر كان. والمسؤولون عن الازمة ومفاقمتها هم ذاتهم من يعالجون ذيولها بأبشع مما مارسوه وتسببوا من خلاله بحصول الازمة.

حاكم مصرف لبنان ذكر مؤخراً أنّ أرقامه تؤكّد أنّ الناتج المحلّي الإجمالي للبنان حقق نموًاً بنسبة 2% للعام 2022، من دون أن يكشف المعادلات أو النماذج الحسابيّة التي اعتمدها للوصول إلى هذه الخلاصة، في ظل اتجاه السوق إلى الاقتصاد النقدي حيث يصعب تقفّي أثره.

إعلان يناقض تقديرات الـ World Bank التي ذكرت ان النمو كان سلبيا في لبنان خلال عام 2022 بنسبة – 5.4%. وايضا ما ذكره الدكتور Garbis. Iradian كبير اقتصاديي مؤسسة التمويل الدولية Institute of International Finance في حديثه لـ»نداء الوطن» بتاريخ 20 شباط 2023 بان تقديراته تشير الى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد تقلص بنسبة -6,5 % في عام 2022 وأنه يتوقع مزيداً من الانكماش بنسبة – 7 % في عام 2023 ليهبط الى 14.5 مليار دولار.

مصدرنداء الوطن - توفيق شمبور
المادة السابقةالتسعير بالدولار: إلتزام في الميني ماركت وتقاعس في السوبرماركت!
المقالة القادمةالبنوك المركزية الأوروبية تتكبّد خسائر طائلة