مقاضـاة 11 مصـرفــاً لبنــانيــاً فــي أميـركــا .. إبتــزاز للإضــرار بالقطــاع وجنــي أمــوال مجـانيــة

بين قرائن الأساس والقانون التي تجعلها «فقاعة صابون»، وبين الخوف من دهاليز القانون ودكاكينه في بلد أجنبي يملك كل مزايا «القوة القهرية»، يبدو ابتزاز «الدجاجة التي تبيض ذهباً»، هو الأساس المالي الذي يتحكم بمضمون الدعوى المرفوعة في أميركا (نيويورك) من قبل مكتب محاماة أميركي يحوز توكيلات من نحو 350 عائلة، ضد 11 مصرفاً لبنانياً بزعم تسهيل عمليات مالية لصالح «حزب الله». أما الأساس السياسي أو الإيديولوجي، فيكمن في استغلال أي فرصة للإيقاع بالقطاع المالي اللبناني، ونقطة ارتكازه وقوته الكامنة في جهاز مصرفي يدير أصولاً تناهز 250 مليار دولار ويحوز هوية إقليمية متقدمة ووجوداً دولياً فاعلاً وشبكة علاقات وطيدة مع كبرى المؤسسات المالية الدولية والبنوك المراسلة. هي شكل من أشكال «الحرب الناعمة»، كما يراها مصرفي معني، بين لبنان و«إسرائيل»، بعد أن صار توازن الرعب أكثر متانة، وبسبب عقيدة عدوانية محفّزة بتجاذبات انتخابية داخل «الكيان».
يقول المصرفي: «عندما تلتقي مصلحتا المرابي والمعتدي وتتداخلان، يتوجب توقع الأسوأ، هما استخدما ما يتيحه قانون جائر في آخر ساعات نفاذه، وسيستخدمان أي وسيلة تخدم هدفي الأضرار بالقطاع وجني أموال مجانية. أعينهم على إدانة مصرف واحد على الأقل من بين لائحة الـ 11، وبذلك تتحقق الربحية إيذاء وإتاوة، وكل ما يزيد سيكون قيمة مضافة مادياً وتشهيراً بـ «جوهرة» الاقتصاد اللبناني. صحيح أن «حزب الله» هو العدو الرقم واحد، إنما لبنان كله عدو، وما يصيبه من ضرر سيصل حتماً الى عدو العقيدة والميدان».
في المقابل، يحرص المصرفي على أولوية البعد القانوني للمواجهة، «لا يمكننا جبه قضية من هذا النوع بالشعارات وحدها، بما يشمل الوطنية والسياسية منها. الأساس إنها دعوى مرفوعة أمام محكمة في أميركا، وليست الأولى من نوعها على كل حال. لا يفل بغي «الادعاء» سوى متانة «الدفاع». هذه لغة المحاكم، وعلينا أن نجيد التكلم فيها من خلال مكاتب قانونية أميركية، بمعزل عن قناعتنا بالإفتراء الصريح واختلال ميزان العدالة في محاسبة مؤسسة لبنانية بزعم التسهيل المالي لجهة لبنانية حزبية، «بزعم» مشاركتها في مقتل جنود احتلوا بلداً عربياً شقيقاً قدموا إليه من الجهة المقابلة للكرة الأرضية «بزعم» حيازته لأسلحة دمار شامل، لم يثبت أي أثر لها».
وبدءاً من الإشارات الشكلية، يركّز خبير قانوني دولي على التوقيت «الذكي» الذي استبق انتهاء مفاعيل القانون الخاص مطلع العام الحالي، وعلى «اختيار» بروكلين لإقامة الدعوتين الخاصتين بالمصارف اللبنانية. فإختيار المحلفين ضمن هذه المنطقة الشرقية من نيويورك سيخضع حكماً لطبيعة سكانها والسلطات المحلية فيها، والغالبية في هذه المنطقة لا تعرف عن لبنان وعن مجمل الدول العربية إلا القليل مما تتلقاه من وسائل الإعلام الأميركية، والتي تسلط الضوء على الإرهاب والأعمال الحربية، كما إن إجماع المدعين على حصر التوكيل بمكتب محاماة واحد، يؤشر الى «مصالح مالية وغير مالية» تكفلت بالإعداد وجمع التواقيع وعقد اتفاقات لتوزيع «المغانم»، والتي يمكن أن تكون مضاعفة ثلاث مرات وفقاً للقانون المرفوعة تحت لوائه.
يحبّذ «أهل الدعوى» ومرجعياتهم من جمعية المصارف الى حاكمية البنك المركزي الحذر الإعلامي في هذه القضية. من الممكن استغلال أي تصريح، ويتوجب التدقيق في النقطة والفاصلة عند «الضرورة فقط». هكذا كان البيان المقتضب للجمعية، وهكذا يعتذر «المعنيون» عن طرح الموضوع والخوض في معطياته. ثمة تجربة طازجة تدل بأن مسار هذه القضايا قد يمتد إلى سنوات، ما لم يتم البت سريعاً بالدفوع الشكلية التي تفرغ الدعوى من أسسها القانونية والموضوعية.
وبحسب رصد من خلال التواصل مع مسؤولين في هذه البنوك، راوحت فيه الأجوبة بين التلميحات والاعتذار عن إمكانية التصريح ورفض الردّ، تبين وجود تباينات صريحة في المقاربات الأولية يتمدد مضمونها إلى التوجهات اللاحقة للإحتواء والمعالجة، وهذا ما يشي بعدم وجود فرصة حقيقية لتطوير التواصل والتشاور إلى تجميع «المدعى عليهم» ضمن منصة قانونية موحدة تتولى صياغة مخطط موحد للدفاع بدءاً من الدفوع الشكلية، فالبعض يعتقد أن التهم الموجهة إلى مصرفه عرضية وليست ذات شأن بحيث يمكن الطعن فيها في مذكرة الدفوع الشكلية، بينما تتطلب التهم الموجهة الى مصارف أخرى دفاعاً صلباً ومركزاً في حال عدم القبول بردها في المرحلة الأولى.
الواضح انه مسار طويل فعلاً، ومن وقائع معالمه:
• رفعت الدعوى أمام محكمة مدنية في نيويورك في الأول من الشهر الماضي،
ولم تحدد المحكمة حتى الآن موعد بدء المحاكمة التي توقع المحامي وليام فريدمان الذي يعمل في شركة المحاماة الأميركية (الشركة الموكلة بالإدعاء باسم 350 عائلة أميركية) في مقابلة مع قناة «الحرة» التلفزيونية، أن تستغرق سنوات، لكنه أكّد عزم الشركة المضي في القضية إلى النهاية وبأقصى إمكاناتها، وأشار إلى أنها الأولى من نوعها التي تقام تحت قانون مكافحة الإرهاب.
• أشار رئيس الجمعية د. جوزف طربيه الى أن المصارف المعنية تتحضر للتعامل بما يتناسب مع هذه المسألة، وإنها تعمل على تعيين مكاتب محامين في نيويورك، كما وفّر مكتب مستشار الجمعية الأميركي DLA PIPER بعض المستلزمات المشتركة، ومنها الحصول على فترة ستة أشهر للرد، وأكد أن الجمعية ستقوم بدور تنسيقي محلياً من خلال لجنة محامين للمتابعة.
• في معلومات خاصة، أوكلت ثلاثة مصارف على الأقل، وبشكل إفرادي، إلى مكتب محاماة أميركي يرأسه محامي أميركي من أصل لبناني (أرمني)، بينما تردد أن مصرفين تجمعهما ملكية مشتركة يتجهان إلى توكيل مكتب واحد، ويرتقب أن يكون لكل مصرف توكيله المنفصل لمكتب يحبّذه، وقد يكون من المكاتب عينها، وبذلك يمكن توقّع أن يبلغ عدد مكاتب الدفاع ما بين 6 الى 8 مكاتب موكلة بالدفاع عن 11 مصرفا.
• تلقى هذه القضية إهتماماً خاصاً ومتابعة يتسع من إدارات المصارف المعنية الى حاكمية البنك المركزي وجمعية المصارف، وذلك لا يرتبط بمضمون القضية بذاتها كونها لا تستند الى مرتكزات قانونية وعملانية ذات شأن، إنما بسبب طبيعة التقاضي في المحاكم الأميركية في مثل هذه القضايا، والتي تمتد إلى سنوات أحياناً، وتفرض تكبد مصاريف «حرزانة»، حيث تحتسب مكاتب المحاماة في أميركا أجورها وفقاً لعدد الساعات التي تخصصها لكل قضية.
• يغلف الكتمان المطبق كامل المشاورات والاتصالات الجارية داخل البنوك الـ 11 المعنية، وفي ما بينها وبين جمعية المصارف والتشاور القائم مع أركان حاكمية مصرف لبنان المركزي، كما يسري التواصل بين المحامين الداخليين ومكاتب المحاماة والاستشارات القانونية المتعاقدة مع هذه البنوك، وذلك توخياً لإستنباط أفضل القواعد والآليات التي يمكن اعتمادها لمواجهة هذا النوع من «التجني» ربطاً بمساره القضائي.
• تحرص المصارف على عدم تمدّد أي ضرر على «السمعة» لمجرد اتهامها بتمويل أو تسهيل مرور عمليات مالية لصالح أي فرد أو منظمة أو دولة مصنّفة «إرهابية»، وفقاً للتعريف الأميركي، حتى ولو لم يكن التصنيف مدرجاً لدى منظمات دولية أو تجمعات عالمية على مثال الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ذات الإختصاص.

من موقع الشركة المدعية
تمثل شركة (Osen LLc) مع المحامي المشارك أكثر من 350 عائلة من الأميركيين الذين وقعوا ضحايا لأعمال الإرهاب الدولي في العراق ما بين العامين 2004 و 2011. في الواقع، قتل أو جرح أكثر من 1000 من أفراد الخدمة الأميركية على يد حزب الله وبتصميم إيراني. تزعم الشكوى أن أحد البنوك ومعه 10 مؤسسات مالية لبنانية أخرى قدمت عن عمد دعماً ماديا لحزب الله، بما في ذلك الوصول إلى النظام المالي الأميركي من خلال حساباتهم المصرفية والمراسلات في نيويورك بينما تخفي هذه المعلومات من البنوك الأميركية المراقِبة والهيئات التنظيمية الأميركية وتطبيق القانون ووكالات الاستخبارات. وتزعم الشكوى أيضاً أن المتهمين كانوا على دراية بدورهم الحيوي في مساعدة حزب الله في أنشطته غير المشروعة، بما في ذلك غسل الأموال، التهرب من العقوبات، انتهاكات تصدير الأسلحة، الاتجار بالمخدرات، الاختطاف للحصول على فدية، وتمويل الإرهاب. تقدم الشكوى المؤلفة من 610 صفحات عرضاً مفصلاً للغاية في ما يتعلق بشبكة حزب الله المالية ومشاركتها النشطة في النظام المصرفي في لبنان. بارتليت هي أول دعوى قضائية من نوعها، جلبت نيابة عن عائلات غولدستار، ومحاربين قدامى ومقاولين عسكريين أميركيين وعائلاتهم، كلهم يسعون إلى محاسبة بنوك لبنانية معينة عن تعاملاتهم غير القانونية المزعومة مع حزب الله.

التحوط والإحتراز
ويلفت الخبير الدولي اللبناني، والذي يحوز خبرات أكاديمية وعملية في القوانين والمحاكم الأميركية، إلى الضرورة القصوى للتحوط والإحتراز في دعاوى من هذا النوع والتي تستظل البعد النفسي للمواطنين الأميركيين المرتبط بيافطة مكافحة الارهاب الدولي وتمويله. ويقول: «صحيح إنه من الممكن إنهاء القضية بكل مضامينها وتداعياتها في مرحلة الدفوع الشكلية، لكن ينبغي الإستعداد المتكامل لكل الإحتمالات وتوكيل مكاتب محاماة أميركية ذات «باع» وسجل مضيء في مخاطبة المحكمة وهيئات المحلفين بهدف تكوين القناعات المطلوبة».
ويوضح «في حال عدم إنهاء القضية بكامل تشعباتها في مرحلة الدفوع الشكلية، ستكون البنوك المعنية أمام خيارات متعددة بحسب مكانة الدفوع وقوة الإقناع التي يوردها الدفاع. فكما هي الاتهامات موزعة ومختلفة، يمكن لقرارات القاضي أن تماثلها بين قبول كلي أو جزئي للدفوع المقدمة، وبالتالي يمكن إخراج كل البنوك أو بعضها من القضية، ويتم البناء على المستجدات للمرحلة الثانية في حال لم يتم قبول كامل الدفوع الأولى.
من الممكن في هذه المرحلة، بحسب الخبير القانوني الدولي، الولوج فوراً في مرحلة التقصي والاستكشاف (Discovery). هذه المحطة تسبق الحكم الابتدائي، وينشط فيها المحامون من الأطراف كافة. يمكن القول إنها مرحلة «اللعب على المكشوف»، فكل الأوراق تصير متاحة بما فيها من مكامن قوة ومن ثغرات تتيح للخصم تحسين موقفه التفاوضي، كذلك يمكن أن تتكرر هذه المحطة في حال تجاوز الأحكام الابتدائية والانتقال إلى محكمة الاستئناف، وهو حق للمتقاضين من الطرفين.
وتتماهى إشارات الخبير نسبياً مع مضمون تصريح نقله موقع الكتروني عن السفير اللبناني في واشنطن غابي عيسى، ومفاده أن «لا حرب أميركية مالية على لبنان بعد رفع مكتب محاماة دعوى من قبل «متضرّرين من حزب الله» ضد عدد من المصارف اللبنانية أمام القضاء الأميركي»، ويوضح: «هذه الدعوى تمّ رفعها بتاريخ 1/1/2019، وتستند الى قانون قديم يسمى Terrorism Act، كان من المتوقع انتهاء العمل به العام 2013 قبل أن تمدد فترته لست سنوات انتهت يوم الثاني من يناير (كانون الثاني) 2019 أي أن مكتب المحاماة تقدم بالدعوى قبل يوم واحد من انتهاء المدة.
يشير الخبير الى التمايز في وضعية البنوك التي طالتها الدعوتان. فأحد البنوك سبق أن شارك بمعالجة ملفات واتهامات تخص مصرفاً ثانياً قبل انجاز شرائه ودمجه، وقد استغل مكتب المحاماة هذه الوقائع للزج مجدداً باسم المصرف الدامج مع تبيان مرجعية الملفات للمصرف السابق (…) الذي خرج نهائياً من السوق وتمّ شطب رخصته، ثم أضاف لائحة ثانية بتهم تقديم خدمات مالية من قبل البنك الدامج لصالح عملاء ومؤسسات من ذوي الصلة بمؤسسات حزبية وإسلامية يصنّفها القانون الأميركي كأذرع تمويلية «إرهابية».
وتورد الدعوى ما أعلنته إدارة مكافحة المخدرات الأميركية في حزيران من العام 2013، وأيضاً مدعي عام منهاتن في بيان تسوية «الدعوى المدنية بالتزوير وتبييض الأموال التي رفعتها الولايات المتحدة ضد البنك اللبناني ــ الكندي وأصوله»، حيث يلفت البيان الأميركي المذكور النظر إلى عملية دولية واسعة، استخدمت خلالها «مؤسسات مالية لبنانية، بما في ذلك البنك اللبناني ــ الكندي، النظام المالي الأميركي لتبييض أموال الاتجار بالمخدرات وغيرها من العائدات الجرمية عبر غرب أفريقيا ومن ثم إلى لبنان، وقد دفع البنك اللبناني ــ الكندي حينها مبلغ 102 مليون دولار كجزء من التسوية، وتمّ بيع البنك إلى بنك لبناني آخر.
ويندرج ضمن استغلال وقائع سابقة، اضطرار رئيس مجلس إدارة أحد البنوك الصغيرة الحجم إلى الاستقالة في حزيران من العام 2015، بسبب ربط وزارة الخزانة الأميركية بينه وبين أنشطة «حزب الله»،
واتهامه بتقديم خدمات للحزب والاستثمار في البنية التحتية التي يستخدمها في العراق ولبنان. وبحسب الدعوى فإن المصرف ساهم في تسهيل عمليات مالية مشبوهة بين أميركا وأفريقيا ولبنان، علماً أن السلطات المالية الأميركية اكتفت بهذا التدبير، وتبلغت بمبادرة المساهمين الى اختيار الإدارة الجديدة التي عملت على تحصين البنك والتزامه بالقوانين والعقوبات ذات المصادر المحلية والسيادية والدولية، وهذا ما حفظ استمرارية البنك وتوسعه وزيادة أنشطته داخل لبنان وخارجه.
وتشمل القضية: بنك عوده، بنك لبنان والمهجر، بنك بيبلوس، سوسيته جنرال، فرنسبنك، بنك بيروت، البنك اللبناني الفرنسي، بنك لبنان والخليج، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجمال ترست بنك

بواسطةعلي زين الدين
مصدرمجلة الاقتصاد والاعمال اللبنانية
المادة السابقةLFA في Franchise Expo Paris تحت شعار “من لبنان الى العالم”
المقالة القادمة“Xiaomi” تطلق مجموعة من الهواتف المميزة وبسعر أقل من 150دولار