وضعت الحرب على غزة والأحداث الأمنيّة الساخنة على الحدود الجنوبية الإقتصاد اللبناني أمام تحدٍّ إضافي، حيث لا يقتصر الأمر على التداعيات المباشرة، بل جاءت الحملة التي بدأت لمقاطعة بضائع شركات يقال انها تدعم إسرائيل، ممّا بدأ يؤثّر على عمل أصحاب المؤسسات المستوردة لهذه البضائع وبالتالي العاملين فيها. إلا أنّ ما يحصل هو ظرفي ومحدود لأنّ أغلبية اللبنانيين الذين عادة ما يرفعون شعار المقاطعة للشركات الداعمة لاسرائيل يعودون بعدها إلى روتينهم الإستهلاكي.
من باب حرية الرأي يحترم نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين زياد بكداش «رأي الشخص الذي يقرّر المقاطعة»، لكنه يُنبّه إلى أمر هو أنّ «البضاعة حتى لو كانت من ماركة عالمية إلاّ أنّ مستوردها لبناني والمؤسسة لبنانية وموظفيها لبنانيون، لذلك فمن الطبيعي ان الذي سيتأثر سلباّ هو المستثمر والعامل اللبناني».
كما يوضح أنّه «في حال إرتفعت أسعار عدد من السلع المصنعة محلياً، فهذا الإرتفاع ليس بسبب المقاطعة، بل يعود إلى الإرتفاع في الكلفة».
ويؤكد رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز «الفرانشايز» يحيى قصعة، لـ «نداء الوطن» أنّ «علامتيْن تجاريتين أو 3، قد تكون تأثرت بالمقاطعة، ولكن فعلياً الوضع أصعب من قضية مقاطعة، كما أنّ المقاطعة تقلّ أهميتها عندما تكون حركة السوق متدنية في الأساس». ويوضح أنّ «ما يذهب من المؤسسات التي تتم مقاطعتها لا يتعدّى 1 إلى 4 بالمئة، لكن بالمقابل بعض هذه الماركات تسمح للمصانع اللبنانية التصنيع باسمها، فالمستفيد هنا هو هذه المصانع، ومقاطعتها كمن يضرّ بنفسه لأنّه يضرّ بالإقتصاد اللبناني».
وإذْ أكد إحترامه «لحرية وحق الناس بالتعبير عن رأيها، طالما يقع ذلك ضمن القانون من دون اللجوء إلى العنف والتكسير، لأن هذه الافعال تضر بالمستثمر اللبناني بالدرجة الاولى»، شدّد على أنّ «هذا القطاع سيستمر لأننا رائدون فيه في المنطقة، وإستمراره هو مصلحة للجميع لأن ذلك يساعد في التطور».
وعن التجاوب مع الدعوات إلى المقاطعة، يؤكد طوني نعمة، خبير «فرانشايز» وعضو في الجمعية اللبنانية لتراخيص الإمتياز، لـ «نداء الوطن» أنّ «هناك تجاوباً مع دعوات المقاطعة، لكن ليس هناك من أرقام دقيقة تُثبت ما إذا كانت وحدها المقاطعة على البضائع الأجنبية هي التي أثّرت سلباً على الحراك الإقتصادي، لا سيّما أنّنا نحن في الفترة الممتدة بين نهاية فصل الصيف وبداية العام الدراسي، والتي تؤثّر عادة على قطاعات مثل المطاعم».
ويعود نعمة ويشدّد على «صعوبة تحديد النسبة المتعلقة بالمقاطعة وحدها، على اعتبار أنّ التراجع قد يكون مرتبطاً بالحرب وبالأحداث الأمنية والإقتصادية التي كنا نعاني منها قبل أحداث غزة، لذا هناك صعوبة في تحديد العامل الذي كان له الأثر المباشر، لكن من المؤكد ان ماركات تجارية معينة تأثرت أكثر من غيرها».
وإذ يبدي نعمة إحترامه للرأي الأخر في طريقة للتعبير عن رأيه، إلّا أنّه يرى أنّه «يجب أن يكون هناك وعي لدى المواطنين ومقاربة المقاطعة بطريقة واقعية «، ويعطي مثالاً هنا عن التأثير السلبي الذي قد تسببه مثلاً دعوات مقاطعة مطاعم «ماكدونالدز» التي توظف حوالى 1100 عامل لبناني، عدا عن أن المواد الأولية التي تستعملها هي بأغلبها مصنعة محلياً. لذا فالذي يتأثّر بشكل مباشر هو المستثمر اللبناني والموظف اللبناني والسوق اللبنانية، وهذا ما ينسحب على كافة الحائزين على تراخيص علامات تجارية أجنبية».
إنطلاقاً من ذلك، يشير نعمة إلى «الآثار السلبية التي قد تنتج عن المقاطعة وتلحق الضرر بشكل كبير في الإقتصاد اللبناني والذي هو متهالك نتيجة الأزمات المتتالية التي لحقت به، فاقتصادنا لا يحتمل المقاطعة بل علينا في هذه اللحظة الحرجة تدعيم إقتصادنا والمساهمة بنموه من خلال توفير عوامل جذب المستثمرين».
أما الخبير الإقتصادي الدكتور باسم البواب فيُشير إلى «وجود مقاطعة كبيرة لعدّة منتوجات أجنبية تعتبر شركاتها داعمة للعدو الإسرائيلي، وأغلبيتها ماركات عالمية. لذا من الطبيعي أن يلجأ المستهلك إلى البضائع البديلة من مواد غذائية ومنتجات صناعية هي في أغلب الأحيان تكون محلية».
ويُشير البواب في ختام حديثه، إلى أنّ «هذا الوضع هو ظرفي ومرتبط بالأزمة، لذا عندما تتراجع حدّة الأزمة يبدأ موضوع المقاطعة بالتراجع لكن لا تعود الأمور كما كانت عليها في السابق 100%، بل شيئًا فشيئًا».