مقترحات للحفاظ على سعر صرف الليرة اللبنانية

تقدّم كلّ من رياض عبجي وفؤاد زمكحل بورقة مشتركة تضمّنت دراسة معمّقة لوضع الليرة اللبنانية، ومقترحات للحفاظ على سعر صرفها، مع مراعاة تقليص الضغط على الاقتصاد.
من المقبول على نطاق واسع أن للعملة 3 وظائف: وسيط للصرف ومقياس للنقد ومستودع للقيمة. تتيح الوظيفة الأولى للفعاليات الاقتصادية التبادل بتكلفة أقل حيث يمكنهم، في كلّ تبادلاتهم، العبور من خلال سلعة عالمية (النقود)؛ أما الوظيفة الثانية فهي تسهل مقارنة قيمة البضائع؛ في حين تمنح الوظيفة الثالثة الجهات الاقتصادية حرية تأجيل استهلاكهم عن طريق توفير الأموال. يتمتع لبنان بشكل كبير باقتصاد وتبادل تجاري بالعملات الأجنبية وخاصة «قائم على الدولار» (اقتصاد مدولر) ولطالما كانت سياستنا النقدية لسنوات عديدة تحافظ على سعر تعادل صرف مستقر بالنسبة الى الدولار.

بالرغم من انّ لهذا الهدف ما يبرره تماماً لأنه يحمي الأشخاص ذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية في المستقبل، إلّا انّه لا يتوافق مع انضباط غير كاف في الميزانية العامة. إذ أنّ الدولة، التي تنفق أكثر مما تتلقاه، سوف تميل إلى تخفيض القيمة لسد العجز، وسوف يحتاج كلّ مدّخر بالليرة اللبنانية الى علاوة المخاطرة الإضافية.

من جهته، فإن البنك المركزي، من أجل تجنب التقلبات العشوائية في قيمة العملة وكيفية الصرف، ملزم بالحفاظ على احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية التي كان من الممكن استثمارها في الاقتصاد الوطني، في حين يتمّ حالياً توظيف معظمها في الاقتصادات الغربية. بالفعل، نقدّر التكاليف وأوجه القصور في الاقتصاد الوطني بأكثر من 50 مليار دولار منذ 30 سنة.

سيكون من غير المجدي وغير الانتاجي أن ننظر إلى الوراء وأن نتحسر، ولكن هناك شيء واحد مؤكد، سيكون من المستحيل أن نواصل هذه السياسة النقدية بسبب الافتقار إلى وسائل الدعم والحفاظ على سعر الصرف من جراء التغيرات الرئيسية الحاصلة في البيئة الإقليمية. ومع ذلك، فإن السماح بانهيار الليرة اللبنانية أو بتقلباتها على نحو غير متوقع سيكون بمثابة مغامرة شديدة الخطورة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

لذلك تجب من ناحية، محاولتنا أن نكون أكثر إبداعًا وأن نقترح طريقة لضمان تثبيت العملة وسعر الصرف بطريقة غير مباشرة، أي أن نقوم بتقليل تكلفة استقرارها. قد يكون الحلّ ألّا تقترض الدولة المزيد بالعملة المحلية ولكن حصرياً بالعملة الأجنبية. نتيجة لذلك، لن يكون لدى المصارف حوافز لجمع الودائع بالليرة اللبنانية. عملياً، فإن الوظيفة الثالثة للنقد أي مستودع للقيمة، ستكون قد اختفت تقريباً. انّ عواقب مثل هذا التدبير كبيرة جداً.

في الواقع، سيؤدي هذا الإجراء إلى القضاء على المضاربة على الليرة اللبنانية والتي، في فترة من الثقة، تضمن للمضارب مكسباً بمئات المئات على حساب الخزينة، أما في فترات عدم الثقة، فإن هكذا اجراء سيجبر البنك المركزي على إنفاق جزء من احتياطاته لتجنب انهيار الليرة اللبنانية.

في الأزمة الحالية، سوف يحرر هذا التدبير العملات الأجنبية وأيضاً احتياطي الذهب ويمكن رهن هذين الاخيرين لاقتراض مبلغ معادل تقريباً. خاصة وانه مع ازالة حالة عدم اليقين سيتم التقليل من تكاليف المعاملات التي تأخذها بالاعتبار الجهات الفاعلة عند التداول بالليرة اللبنانية.

علاوة على ذلك، سيجبر ذلك حكوماتنا على أن تكون أكثر انضباطًا في ما يتعلق بالإنفاق وان تتبع معايير الحوكمة الدولية حيث إنه لن يعود سهلاً عليها طبع المزيد من إصدار الأوراق النقدية. بالنسبة لأولئك الذين يعترضون على أن البنك المركزي سيفقد إمكانية وجود سياسة نقدية داخلية، تجدر الإشارة إلى أنّ للبنك المركزي بالفعل سياسة نقدية بعملات أجنبية.

في الواقع، فإنّه يحدّد بالنسبة للمصارف اللبنانية، مستوى الاحتياطي الإلزامي، ومعدلات أسعار الفائدة القياسية وتوافر الائتمان لجميع العملات. اما في ما يتعلق بأولئك الذين يتحسرون أن البنك المركزي سيخسر حق تحصيل ايرادات صك العملة، تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي سوف يحتفظ بهذا الحق بالكامل بالنسبة الى المال الائتماني ، وبفضل الاحتياطي الإلزامي، في ما يخص النقود الكتابية أيضاً.

وبهذه الطريقة، سيكون للبنك المركزي نفس المزايا التي تتمتع بها البنوك المركزية الأخرى دون أن يعاني من مساوئها. لا يمكن أن يكون الانتقال فورياً وربما ينبغي ايضاً ان يمتد على مدار بضع سنوات، لكنّه سيحرر على الفور بضعة مليارات من السيولة، وهذا أمر مفيد للغاية في السياق الحالي، والتي قد تصل إلى أكثر من عشرات المليارات بعد 5 سنوات.

في وقت تمر فيه الاقتصادات العالمية بعملية إعادة هيكلة، وحيث توجد الأسواق بكثرة في مناطق التجارة الحرة، وحيث عبرت العملات الدولية أكثر استعمالاً عدة مراحل هيكلية، فقد يكون حان الوقت للتفكير بما هو مفيد حقاً في عملتنا الوطنية، وبالتالي تقليل إحدى وظائفها واستعمالها، ونتيجة لذلك، التقليل من التكلفة الباهظة للحفاظ على استقرارها دون المساس بمداخيل أكثر الناس ضعفاً بالعملة الوطنية.

مصدرالجمهورية
المادة السابقةالدولة تستورد البنزين: كسر احتكار كارتيل النفط؟
المقالة القادمةزيادة صادرات النفط الأميركية إلى كوريا الجنوبية بنسبة 57.8 %