خصصت الجلسة الحكومية أمس لمناقشة ورقة الوزير جبران باسيل. تم التوافق على بنود فيها ويُنتظر أن يُستكمل النقاش في البنود الباقية غداً. هاجس مجلس الوزراء لم يتغير: كيف يمكن سلب الأموال من جيوب الموظفين؟ لكن في المقابل، كان لافتاً استمرار الحكومة في السعي إلى مكافأة المتخلّفين عن دفع الضرائب. وبعد إقرار 17 بنداً بخفضّ الغرامات على المتهربين، خرج وزير المالية باقتراح لإعفاء الشركات مما يصل إلى نصف أصل الضريبة المتوجبة!
السعي لكسب الوقت مستمر. والقرارات الجدية تؤجّل من جلسة إلى أخرى ريثما ينضج الاتفاق خارج مجلس الوزراء. وخلافاً، لما سبق أن أعلن عنه، لم يعقد المجلس جلسة مسائية، بل أجلت إلى ظهر غد، حيث يُفترض أن يقدّم وزير المالية التقرير النهائي لأرقام الوزارات والإدارات المتصلة، ربطاً بالتعديلات التي أجريت في مجلس الوزراء.
أما جلسة أمس، فقد بدت تكراراً لنقاشات سابقة، إما بتّت من دون تثبيت الاتفاق بشأنها على الورق وإما عرضت ولم يُتّخذ القرار بشأنها. وإذ نوقشت المواد القانونية التي تتضمها الموازنة، إضافة إلى تقديمات صناديق التعاضد، اعتبر وزير الاعلام أن المطلوب أن “نصل إلى وقت نوحّد فيه التقديمات والعطاءات بين كل موظفي الدولة”، مشيراً إلى تشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع.
أما بشأن الطروحات التي قدمها باسيل، في جلسة أول من أمس، فقد شهدت بدورها نقاشاً تفصيلياً، بعد توزيعها على الوزراء. وفي نهاية الجلسة لم يكن المجلس قد أنجز سوى مناقشة الصفحة الأولى من أصل خمس صفحات تتضمنها الطروحات التي وصفت بالجدية. وفي ختام مداولات أمس، تم الاتفاق على عدد من البنود، أبرزها: رفع الحسومات التقاعدية من 6 إلى 9 في المئة، تخفيض تدريجي لمساهمات الخزينة في صناديق التعاضد، تحويل 35 في المئة من غرامات السير إلى الخزينة العامة، تخفيض بنسبة 15 في المئة على بند المدارس الخاصة المجانية، تخفيض مخصصات البنزين بنسبة 30 في المئة.
وفيما بقي التأجيل سيد الموقف في ما يتعلق بالتدبير رقم 3، اتُهم وزير الدفاع الياس بو صعب بالمماطلة، بحجة انتظار وزيرة الداخلية للاتفاق معها بهذا الشأن. وقد قابل الرئيس سعد الحريري التأجيل المستمر للملف باستياء واضح، خاصة عندما طلب أبو صعب تأجيل البت بالأمر إلى جلسة القصر. وفيما لم يعرف ما إذا كان عدم عقد جلسة مساء أمس مرتبطاً بالتوتر الذي كان قائماً بين الحريري وأبو صعب، إلا أن تزامن إعلان الحريري عن تأجيل الجلسة مع النقاش الذي دار بينه وبين أبو صعب، هو الذي ساهم في تعميم أجواء تربط بين الأمرين. علماً أن وزير الدفاع عاد ونفى ذلك، مؤكداً أن الحريري لم يكن يريد جلسة مسائية. كما قال إنه اجتمع مع رئيس الحكومة وتخلل الاجتماع اتصال بوزيرة الداخلية للاتفاق على الطرح المتعلق بتدبير رقم ٣ فكان الجو ايجابيا. وإذ لم يفصح وزير الدفاع عن توجهه في هذا الصدد، أشار إلى أنه بناء على موافقة رئيس الجمهورية سيطرح تدبير 3 على المجلس الاعلى للدفاع وهو يصدر توصياته وترفع لمجلس الوزراء. لكن في المقابل، عبّر باسيل عن وجهة نظر تشير إلى إعطاء التدبير رقم 3 للعسكريين المنتشرين على الحدود، والتدبير رقم 2 للمولجين بمهام أمنية في الداخل، والتدبير رقم واحد للبقية.
وبعد 67 ساعة من النقاشات الحكومية المتعلقة بمشروع الموازنة، تبين، بحسب بعض الوزراء، أن المسودة الأولى للموازنة لم تكن أرقامها دقيقة، بل تخللها الكثير من الفوضى والمبالغة، كما أن تقديرات تخفيض العجز لم تكن دقيقة بدورها، علماً أن الإجراءات التي أضيفت يتوقع أن تحافظ على الهدف المحدد للعجز أي 8.5 في المئة.
واستكمالاً لمسار الإعفاءات الضريبية، وبعدما سبق للمجلس أن أقر 17 مادة قضت بإعفاء المتهربين من التصريح عن الضرائب وتسديدها من 85 في المئة من قيمة غرامات التحقق والتحصيل والتأخير بالتسديد، عمد وزير المالية علي خليل إلى تقديم مشروع قانون يرمي إلى تسوية أوضاع المكلفين بضريبة الدخل. وينص المشروع الجديد على إعفاء المكلفين غير المسجلين (المكتومين) والمكلّفين المسجلين المتهربين من تسديد الضريبة عن السنوات من 2012 إلى 2017 من نصف الضرائب المتوجبة عليهم تقريباً إذا سددوا هذه الضرائب في فترة ستة أشهر.
وإذا كات الأسباب الموجبة للمواد الـ17 هي الظروف القائمة والرغبة بتشجيع الناس على دفع الضرائب، فقد أتى المشروع الجديد ليقول إنه إذا أرادت الوزارة أن تدفّع المكلفين كل الضرائب وليس الغرامات يمكن أن يبقوا متهربين من الضريبة، ولهذا لا بد من تشجيعهم على الدفع عبر تخفيض أصل الضريبة بنسب متفاوتة تصل إلى 50 في المئة (تبعاً لنوع الضريبة وطبيعة المكلّف).
وكما كانت المواد السابقة تشجع على التهرب الضريبي، عبر مكافأة من لا يدفع ومعاقبة من يدفع، فإذا بالمشروع الجديد، يذهب أبعد من ذلك، مكرساً عدم المساواة بين المكلفين، إذ يفرض على المكلفين بالضريبة نفسها معدليّ ضريبة مختلفين، ما يؤدي إلى خلل كبير في النظام الضريبي نفسه. وفي المحصلة، فإن الإعفاءات على الغرامات، ثم المشروع المطروح، تناقض كل الكلام بشأن مكافحة التهرب الضريبي وتخفيض عجز الموازنة وتؤكد أن الأولوية الحكومية تبقى لحماية كبار المكلفين والمتهربين من الضرائب، مقابل السعي المستميت لقضم رواتب الموظفين وحقوقهم.
ليس صحيحاً أن المساومات الجارية في مجلس الوزراء لم تمس أجور العاملين والمتقاعدين في القطاع العام. فحتى الآن جرى تمرير الاجراءات التالية:
– زيادة المحسومات التقاعدية من 6% إلى 9% من الاجور والرواتب.
– إخضاع معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة لضريبة الدخل على الرواتب والاجور، وليس واضحاً لدى العديد من الوزراء إذا كان ذلك يطال القطاع الخاص أيضاً، أي تعويضات نهاية الخدمة عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. علماً أن هذه المعاشات والتعويضات ليست دخلاً جديداً، بل تكونت عبر الاشتراكات والمحسومات المقتطعة من أجور سبق أن تم تسديد الضريبة عليها.
– تحديد الحد الاقصى للراتب الاساس بـ20 ضعف الحد الادنى للاجور.
– تحديد الحد الاقصى للملحقات والتعويضات والمكافآت والساعات الاضافية بـ75% من الراتب الاساس.
– تحديد الحد الاقصى للاجور السنوية بـ14 شهراً في المؤسسات العامّة. ويشمل هذا الاجراء جميع المؤسسات بما فيها صندوق الضمان، ما عدا مصرف لبنان الذي تعهد باجراء تعديلات داخلية تؤدي الى النتيجة نفسها.
– تخفيض بدل النقل من 8 آلاف إلى 6 آلاف ليرة، وليس واضحاً إذا كان سيشمل هذا الاجراء العاملين في القطاع الخاص.
– تخفيض قيمة المنح التعليمية تدريجياً وتوحيدها عند المستوى المحدد في تعاونية موظفي الدولة، على أن تكون نسبة الخفض في السنة الاولى 15%.
– تخفيض تقديمات “البنزين” في الاسلاك العسكرية والامنية بنسبة 30%.
هذه الاجراءات ستنعكس تخفيضاً بنسب متفاوتة على أجور العاملين والمتقاعدين في القطاع العام، ولا تزال هناك دفعة من الاجراءات قيد النقاش، بما فيها تخفيض الأجور التي تزيد على 3 ملايين ليرة بنسبة معينة. وكذلك يجري نقاش مسألة التدابير الاستثنائية في الاسلاك العسكرية والأمنية التي ستنعكس تخفيضاً كبيراً في تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين. ويجري أيضاً نقاش زيادة سنوات الخدمة قبل التقاعد، لا سيما للعسكريين، وكذلك تخفيض عدد أيام الاجازة الاسبوعية من 20 يوما إلى 15، وتخفيض المساهمات في صناديق التعاضد وتوحيد التقديمات الاجتماعية، وفصل التعليم العام عن الخاص.