استجاب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لطلب وزير العدل هنري خوري التحقيق في المخالفات الواردة في تقرير التدقيق الجنائي وإحالتها إلى القضاء المختص. لكن، بدل أن يتولّى عويدات فتح التحقيق بنفسه في أهم ملف يتعلق بالدولة اللبنانية ويطلب رفع السرية المصرفية استناداً إلى التعديل الأخير على القانون 306 الذي سمح في مادته الأولى برفع السرية عن الموظفين العامّين ورؤساء وأعضاء مجالس إدارات المصارف ووسائل الإعلام وأفراد عائلاتهم جميعاً، عمد إلى تجزئة الملف، وتحويل كل جزء إلى قاضٍ مختلف؛ أو بمعنى أوضح رمى المسؤولية عنه وقرّر ألا يحقق، مكتفياً بإصدار مطالعة «خفيفة» لا تتّسق وأهمية هذا الملف القضائي.
ففي مطالعته التي عمّمها أمس، أعاد عويدات تلخيص ما جاء في تقرير التدقيق الجنائي، وعدّد المخالفات الواردة سواء في ما خصّ الاحتياطي الإلزامي أو التزوير في ميزانية مصرف لبنان والهندسات المالية مروراً بحساب العمولات (لم يسمّ شركة «فوري» لصاحبها رجا سلامة شقيق رياض سلامة) وحسابات حاكم المركزي الخاصة وصولاً إلى المساعدات والهبات والعلاوات والمكافآت ومسؤولية مفوّض الحكومة. وخلص إلى إحالة المطالعة إلى النيابة العامة المالية والنيابة العامة الاستئنافية في بيروت وهيئة التحقيق الخاصة «للاطّلاع وإجراء التحقيقات اللازمة، كلّ ضمن اختصاصه وصلاحياته»، أي إنه حتى لم يهتم بتوزيع البنود على القضاة، بل تركهم يقررون بأنفسهم ما يرونه مناسباً في ملف خاص برياض سلامة ومعاونيه، سبق لهم أن أسقطوه بأنفسهم. فما حصل في السنوات الثلاث الماضية عند بدء التحقيق في ملف سلامة، تدرّج كالتالي: النائب العام الاستئنافي القاضي زياد أبو حيدر تنحّى عن الملف ليحال إلى القاضي رجا حاموش الذي ادّعى على سلامة بعد ضغوطات، وأحاله بدوره إلى القاضي شربل أبو سمرا الذي نام الملف في أحضانه قبل طلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلينا إسكندر كفّ يده. أما المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم فلم يسبق له أن اكتشف أي مخالفة مالية تُذكر في الدولة اللبنانية ولا أوصل ملفاً إلى خواتيمه بمحاسبة المرتكبين، فضلاً عن أنه هو نفسه عضو في هيئة التحقيق الخاصة التي كان يرأسها سلامة قبل أن يرأسها نائبه الأول وسيم منصوري. وطيلة هذه المدة خضع إبراهيم لسلامة ومنصوري ولم يقم بأي إجراء للتحقيق في حقيقة المخالفات المالية في المصرف المركزي ولا رأى موجباً لسؤال الحاكم عن شركة «فوري» والهندسات المالية وتزوير الميزانية.
أما هيئة التحقيق الخاصة برئاسة منصوري والتي حوّل إليها عويدات أيضاً المطالعة، فقد غضّت النظر عن ارتكابات الحاكم رغم أن مهمتها هي التدقيق في كل العمليات المشبوهة وعمليات تبييض الأموال. وبالتالي فقد غطّت كل ما قام به سلامة. لذلك، يبدو قرار عويدات ظاهرياً عملاً جدّياً، لكن بسبب معرفته المسبقة بأن ثمّة تقصيراً لدى كل المراجع القضائية التي حوّل المطالعة إليها، يصبح جلياً أن ثمّة مسعى للتهرب من المسؤولية وتمييع الملف وتقييد الجهاز بالجزء المعطى له بما يسمح بتكرار الإجراء ويتيح للحاكم السابق التقدم بدفوع شكلية وإطالة أمد التحقيق ليتمكن من الإفلات من العقاب. علماً أن الموضوع لم يعد اليوم يتعلق بسلامة المثبتة إدانته، بل بكل الذين عاونوه واستفادوا من «مكرماته»، وهنا تكمن أهمية التوسّع في تقرير التدقيق الجنائي وطلب رفع السرية المصرفية عن كل المشكوك فيهم.
من جهة أخرى، لا يزال البحث عن سلامة جارياً قبيل جلسة يوم 29 الجاري أمام الهيئة الاتهامية، ولا تزال القوى الأمنية عاجزة عن إيجاده. ولم يرد مخفرا غزير وأنطلياس بعدُ سلباً أو إيجاباً على طلب إبلاغه، وبات يفترض بهما الإجابة ليتسنّى لهيئة القضايا الطلب من الهيئة الاتهامية إبلاغه لصقاً في مكانَيْ إقامته (الصفرا والرابية).
أوّل اجتماع «رسمي» للمركزي
يعقد المجلس المركزي اليوم أول اجتماع «رسمي» له بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، إذ إن الاجتماع السابق كان أقرب إلى عملية تسليم وتسلّم، وجرى خلاله الكلام بالعموميات، فيما يناقش اجتماع اليوم الملفات الراهنة وكيفية التعامل معها من الكهرباء إلى تمويل الدولة وأمور أخرى لها علاقة بنفقات المؤسسات. وعلمت «الأخبار» أن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري عقد في الأسبوعين الماضيين اجتماعات بعيداً عن الإعلام مع قادة الأجهزة الأمنية الذين ناقشوا معه حاجات المؤسسات، وأكّد لهم أنه سيجري تأمين الدعم اللوجستي للمؤسسات معتبراً أن هناك خطوطاً حمراً بالنسبة إلى المركزي، خصوصاً في ما يتعلق برواتب أفراد هذه المؤسسات.
«تنفيعات» المالية
فوجئ وزراء خلال مناقشتهم لمشروع موازنة 2023 التي أقرّتها حكومة تصريف الأعمال بعد الانتهاء من درسها على مدار ست جلسات، بتضمّنها بنوداً تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية لبعض الموظفين الكبار. وأشارت مصادر وزارية إلى فقرة متعلقة بحاصل غرامات التأخير في السداد التي تذهب 50% منها إلى الخزينة العامة و50% إلى الموظفين الذين تُوزع عليهم الحصص بحسب موقعهم. ولمّا كان المدير العام للمالية من المستفيدين بـ 11 حصة كما تنص المواد القانونية، جرت إضافة مادة «تعتبر الموظف الذي يشغل إحدى الوظائف المذكورة المستفيدة من الحصص (من بينها وظيفة المدير العام في وزارة المالية) كالموظف الأصيل، في ما يتعلق بتحديد توزيع الحصص» وهو ما اعتبره الوزراء «تنفيعة» لمدير المالية الحالي بالتكليف جورج معراوي، علماً أنه أيضاً مدير الشؤون العقارية، وهو منصب يستفيد فيه أيضاً من الحصص المنصوص عليها.