ملاحظات قانونيّة وقطاعيّة «تنسف» مشروع الموازنة

مرّت ثلاثة أشهر من السنة الجديدة، من دون أن تعمد الحكومة إلى تحويل الموازنة العامة إلى المجلس النيابي لدرسها وإقرارها. جلّ ما حصل أن وزير المالية غازي وزني، وبتأخير يصل إلى خمسة أشهر، حوّل المشروع إلى الامانة العامة لمجلس الوزراء. كان يفترض أن تعقد الحكومة جلسات متتالية لإنجاز المشروع، لكن منذ 26 كانون الثاني وحتى اليوم لم ينعقد المجلس، واستمر الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية.

بالرغم من أن التاريخ اللبناني مليء بحالات مماثلة (إقرار الموازنة من قبل حكومة تصريف أعمال)، فإن البديل من الجلسات كان الطلب من كل الوزراء والجهات المعنية وضع ملاحظاتها على المشروع الذي قدّمه وزير المالية. وبالفعل، عمدت رئاسة مجلس الوزراء إلى جمع هذه الملاحظات وحصرها، ثم أرسلت إلى وزير المالية مجموعة من الجداول التي تُبيّن الملاحظات على البنود والأرقام. بحسب المعلومات، طلب وزني أسبوعين لدراسة الملاحظات، لكن مع ذلك ثمة في وزارة المالية من يشتكي من أن إعداد الموازنة هو صلاحية وزير المالية، الذي يحق له وحده إعداد الموازنة وإرسالها إلى مجلس الوزراء. لا تنفي مصادر معنية هذه الصلاحية، لكنها تشير إلى أن كل الوزراء يحق لهم مناقشة الموازنة عندما تعرض على طاولة مجلس الوزراء، لكن نظراً إلى الظروف الراهنة، فقد استبدلت الملاحظات المباشرة بملاحظات مكتوبة عرضتها على وزير المالية، على سبيل الاطلاع.

في ما يلي أبرز الملاحظات:

تبدأ الملاحظات بالتأكيد على وجوب أن يُعرض قطع حساب العام 2019 على المجلس النيابي قبل نشر موازنة العام 2021. وبالرغم من ذلك، فإن هذه الملاحظة الدستورية لن يقف عندها مجلس النواب، الذي اعتاد إقرار الموازنة متغاضياً عن قطع الحسابات، بحجة إعطاء الحكومة مهلة لإعدادها.
– في المادة الثانية الخاصة بتحديد الاعتمادات، سؤال عن مدى واقعية أرقام الموازنة التي أُعدّت على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار، ما يعني أن الإنفاق الفعلي من خارج بند الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وخدمة الدين (أي ما يوازي 30 في المئة من مجمل نفقات الموازنة) قد يرتفع أضعاف ما هو متوقع في مشروع الموازنة.

– في المادة 17، يُجيز المشروع نقل اعتمادات لتوزيع مساعدات ترميم على المتضررين من انفجار المرفأ من احتياطي الموازنة بقيمة 100 مليار ليرة. لكن في الملاحظات تذكير بأنه سبق أن تم تخصيص 150 مليار ليرة لدفع تعويضات للمتضررين.

– في ما يتعلق بالمواد الضريبية، يضع مجلس الشورى مجموعة كبيرة من الملاحظات. على سبيل المثال، تنص المادة 21 على إجراء تسوية على التكاليف المتعلقة بضريبة الدخل وبالضريبة على القيمة المضافة المقدمة أمام الإدارة الضريبية أو لجان الاعتراضات بما نسبته 50 في المئة على قيمة الضرائب المعترض عليها.

– تشير المادة 22 إلى تنزيل 100 في المئة من غرامات التحقّق وغرامات التحصيل للمخالفات التي تلت تاريخ 1/10/2019 و90 في المئة على المخالفات السابقة لهذا التاريخ. تشير الملاحظات إلى أن «هذا النوع من الإعفاءات، على الرغم من أنه قد يؤمن السيولة للدولة، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى حرمان الخزينة من مبالغ مالية كبيرة كانت مستحقة على المكلّفين، كما يُشجع المواطنين على عدم الالتزام الضريبي.

– ثمة تحفظات عديدة على المواد المتعلّقة بإعفاءات ضريبية، ولا سيما المواد 25، 26، 27، و44 التي تعنى بالشركات. وتشير الملاحظات، المقدمة إلى وزارة المالية، إلى ضرورة التنسيق مع مؤسسة تشجيع الاستثمارات بشأنها، خاصة أن اقتراحات كهذه تعني عملياً إلغاء دور «إيدال»، في حين أن المطلوب تفعيل دور هذه المؤسسة لا العكس.
– واحدة من المواد التي رافقها الكثير من الجدل هي المادة 28، التي تجيز إجراء إعادة تقييم استثنائية للأصول الثابتة للمكلّفين بضريبة الدخل، ضمن مهلة تنتهي في 30/6/2021 على أن تخضع الفروقات الإيجابية لضريبة نسبية بمعدل 3 في المئة… وفي الملاحظات المنقولة عن «الفعاليات الاقتصادية» مطالبة بتخفيض النسبة إلى 1.5 في المئة. أما وزارة الصناعة فتقترح تمديد المهلة المعطاة لإجراء إعادة التقييم حتى نهاية العام، على أن يتم إخضاع الفروقات الإيجابية للمكلّفين الصناعيين بنسبة 1 في المئة عوضاً عن 3 في المئة، إضافة إلى ضرورة تحديد النص الذي يُطبّق في حال كان هناك تعارض مع أحكام قانون النقد والتسليف.

– المادة 36، تتعلق بإخضاع الفوائد والإيرادات والعائدات لضريبة بمعدل 30 في المئة عوضاً عن 10 في المئة عن جزء الفائدة الذي يتجاوز 3 في المئة على الحسابات بالعملات الأجنبية و5 في المئة على الحسابات بالعملات الأجنبية و5 في المئة على الحسابات بالليرة اللبنانية.

– تحدد المادة 41 آلية الحصول على الطوابع المالية الإلكترونية التي يمكن توفيرها للمكلفين بطريقة أسهل وأسرع، إضافة إلى المساهمة في تخفيض نفقات طباعة وتخزين الطوابع الورقية المعدة مسبقاً. لكن في الملاحظات المقدمة سؤال عن أسباب حفظ حق باعة الطوابع الورقية المرخصين بالحصول على نسبة من قيمة الجعالة التي يحصل عليها باعة الطوابع الرقمية.

– تنص المادة 55 على تمديد العمل بوقف الرسم السنوي المقطوع عن كل مركز رئيسي وفرع (شركات الأموال – شركات الأشخاص، مراكز مزاولة المهن الحرة، والمؤسسات الفرعية والأعمال التجارية الصناعية) لغاية 2023 ضمناً.

– أجازت الموازنة، في المادة 95 منها، منح كل عربي أو أجنبي الإقامة في حال اشترى وحدة سكنية، شرط أن تفوق قيمتها 350 ألف دولار ضمن بيروت و200 ألف دولار خارج بيروت، مع استثناء النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.

– رفضت إدارة الضمان الاجتماعي تقسيط الديون الواجبة على الدولة لصالح الصندوق لغاية العام 2020 لمدة 20 سنة (المادة 96) «رفضاً قاطعاً»، نظراً إلى الوضع المالي للصندوق، على أثر تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع كلفة الطبابة، بالتالي فإن «تسديد الديون المتوجبة على الدولة أصبح حاجة ملّحة، وعدم تسديدها يهدّد استمرارية المؤسسة»، مشيرة إلى أن أقصى ما يمكن أن تقبل به هو فترة 10 سنوات.

– طالبت الأسلاك العسكرية بإلغاء المادة 97 (تدفع رواتب الأجهزة الأمنية بناءً على جداول تبيّن رتبة كل منهم وراتبه والتعويضات المستحقة له) لمخالفتها قانون المحاسبة العمومية التي منحت الأسلاك العسكرية حق المحافظة على السرية.

– يعتبر مجلس الشورى أن المادة 98، التي تُخفّض عدد السنوات التي تعطي الحق في التقاعد بالنسبة إلى الموظفين الذين دخلوا الخدمة بتاريخ 31/7/2009 وما قبل من 25 إلى 20 سنة، مخلّة بمبدأ المساواة بين مختلف أسلاك القطاع العام وتلك التي تنص على حد أدنى يقل في عدد سنوات الخدمة عن المحدد للسلك الإداري.

– من المواد التي أثارت اعتراضات كبيرة المادة 99 التي تتعلق بتجميد طلبات الإحالة إلى التقاعد لمدة ثلاث سنوات، والتي تشير أيضاً إلى أنه يمكن للمعنيين التقدّم بطلب إنهاء خدماتهم من دون حقهم في الإفادة من معاش التقاعد أياً كان عدد سنوات الخدمة، والاستفادة فقط من تعويض الفرق من الخدمة أو المحسومات التقاعدية.

– المادة 110 تلزم المصارف بتسديد الودائع بالعملة الأجنبية التي تودع لديها أو من خلال تحويلات مصرفية خارجية اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها التي أودعت فيها بناءً على طلب صاحب العلاقة.

من جهته كذلك، اعتبر مجلس الشورى أن هذه المادة قد تفهم على أن المصارف غير ملزمة بتسديد الودائع السابقة لنشر قانون الموازنة بالطريقة ذاتها التي تم إيداعها لديها، وهذا ما يتعارض مع مقدمة الدستور والمادة 15 منه. كما دعا المجلس إلى تضمين الموازنة حلاً لأزمة أموال المودعين في إطار خطة إصلاحية لها طابع اجتماعي واقتصادي عام، عبر تضمين مشروع القانون نصاً يلزم الحكومة بدراسة وإصلاح القطاع المصرفي ووضعية الحسابات المودعة، وإيجاد السبل الكفيلة بإعادة حقوق المودعين.

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةبيروت تختنق ودمشق تردّ بالأوكسيجين
المقالة القادمةإعلان تهاوي “الدعاية والإعلان”… يترك لبنان من دون ألوان