يسكن في بلدة القاع البقاعية الحدودية من أهلها الـ13 ألفاً نحو 3500 في الشتاء و4000 في الصيف، مقابل نحو 8 آلاف لبناني من غير القاعيين بين معتدين على الأراضي وعمال في المشاريع الزراعية، إضافةً إلى أكثر من 30 ألف نازح سوري يشكلون مجتمعاً خاصاً ويجنون نحو 4 ملايين ونصف مليون دولار أميركي سنوياً من خلال المساعدات التي يحصلون عليها عبر برامج الأمم المتحدة، عدا عمّا يجنيه مَن يعمل منهم في الزراعة والبناء وغيرها من المهن.
تعاني القاع مشكلاتٍ عدة وتفتقر بلديتها إلى الإمكانات لمواجهة تداعيات النزوح، من خرقٍ للقوانين وتعديات ونفايات وصرف صحي… وأمن. وهي الآن عاجزة عن دفع المستحقات لعمالها ولعناصر الشرطة الذين خُفِّض عددُهم من 30 عنصراً إلى 6، ومع ذلك يتعذّر الدفع حتى لهؤلاء الستة فقط، والدولة غارقة في معارك الصلاحيات متناسيةً بلديات مثل القاع تواجه أزمات وجودية بـ500 مليون ليرة لبنانية سنوياً.
مشكلاتٌ ولا إمكانات
لم تلبث البلدة التي يفصل كيلومتران بينها وبين سوريا أن شُفيت من آثار التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي استهدفتها في حزيران 2016. وعلى رغم من هذه العملية «الداعشية» يسكن عدد كبير من النازحين السوريين في البلدة ولا يتعرّض لهم أحد، لا بل إنّ تزايد عددهم ورغبة كثيرين من النازحين في مناطق أخرى الحصول على خيمة في القاع، أمر يدلّ على أنهم يجدون «العيشة مريحة» فيها. فالبلدة قريبة من سوريا واستفاد كثيرون من عدم تطبيق القوانين وظلّوا يذهبون إلى سوريا ويعودون إلى «خيمهم» من دون أن تسقط عنهم صفة «النزوح». كذلك يتلقى النازحون مساعدات مفوضية اللاجئين وبرامج الأمم المتحدة فتحصل كل عائلة على مبلغ مالي قدره 260 ألف ليرة لبنانية شهرياً، إضافةً إلى بطاقات الغذاء التي يحصل عليها كل نازح شهرياً، عدا عن تقديمات منظمات وجمعيات أخرى وعمّا يجنيه العمال في هذه المنطقة الزراعية، حسب ما يقول رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ»الجمهورية».
وعلى رغم من أنّ الوضع الأمني في المنطقة مستقر، في ظل انتشار الجيش اللبناني على الحدود، إضافةً إلى وجود مراكز الجيش والقوى الأمنية في البلدة، فإنّ القاع تعاني جموداً في الحركة الإقتصادية. وفي حين كان يُعوّل على أن تؤدّي معاودة فتح معبر جوسيه ـ القاع إلى تحريك العجلة الإقتصادية، إلّا أنّ ذلك لم يحصل، حسب مطر.
فضلاً عن هذه المشكلات، تشهد القاع إعتداءاتِ لبنانيين غير قاعيين وسوريين على أراضيها، وهناك مَن يتاجر ويبيع أراضي تملكها الدولة وأخرى للبلدية، ففي القاع أراضٍ شاسعة غير مُفرَزة إحتلّها معتدون منذ زمن ويتناقلونها. وعلى سبيل المثال هناك قرية واقعة على أراضي الدولة في القاع تضم 150 منزلاً وتُسمّى «الدورة»، سكانها من العرب أتوا من سوريا وجُنِّسوا في لبنان، لكن ليس في القاع، ويسكنون هناك منذ التسعينات.
خيمةٌ للزواج!
على صعيد النزوح السوري، تنتشر تجمعات النازحين في كل القاع حتى داخل الضيعة، والقسم الأكبر منهم منتشر على مدى سهل القاع (المشاريع). كذلك هناك نازحون يسكنون منازل، وعدد من العائلات يسكن في مشاريع زراعية، ولا يمكن حصر انتشارهم.
ويؤكّد مطر «أننا لن نسمح ببناء خيمة جديدة، فالسوري الذي يأتي الآن ليس تحت ضغط أمني أو خطر الموت، بل يأتي ليعمل ويستفيد، ونحن غير مستعدّين للتحمّل أكثر».
ولا يتوانى النازحون عن خرق القوانين من خلال فتح المحال التجارية، وفي الأشهر الأخيرة نظّمت البلدية حملة لإغلاق المحال السورية غير الشرعية، وأقفلت نحو 100 منها منتشرة بين سهل القاع والحدود. ومع ذلك هناك مَن يستمرّ في «الزعبرة» بمساعدة لبنانيين، على ما يقول مطر، مؤكداً «أننا سنتابع حملتنا وتنفيذ القانون»، ومذكّراً بأنّ «النازح الذي يقبض الأموال ويحصل على المساعدات من الأمم المتحدة ممنوع عليه العمل، ومَن يذهب الى سوريا ويعود منها تسقط عنه صفة النزوح وممنوع أن يبقى في لبنان».
ويكشف أنّ كثيرين من السوريين، نازحين أو غير نازحين يأتون إليه طالبين تشييد خيمة بداعي السكن والعمل أو حتى بداعي الزواج مرة ثانية أو ثالثة، فحتى لو كان نازحاً ويسكن خيمة مع عائلته ويتلقى المساعدات من الأمم المتحدة، يطلب الحصول على خيمة ثانية لأنه يرغب بالزواج من امرأة أخرى. ويؤكّد مطر أنّ كل ذلك مرفوض، ويقول: «تعاملنا وما زلنا بأخلاق وإنسانية مع النازحين على رغم التفجيرات، وعلى رغم من إمكاناتنا الضئيلة نعمل على جمع نفاياتهم، ونشرف على صرفهم الصحي، ونحرص على أمنهم، وعلى صحتهم من خلال كشف مواد طبّية وغذائية منتهية الصلاحية… لكنّ التمادي لن نقبل به فلا إمكانية لنا على التحمّل».
وعلى رغم من ثقل النزوح الكبير على القاع، تركت الدولة البلدية تواجه التداعيات بمفردها، وهي تفتقر إلى الواردات المالية ولا قدرة لها على التحرك على أكثر من صعيد، فموازنة البلدية تبلغ 500 مليون ليرة لبنانية سنوياً لا تكفي للإنارة والتنظيف ورش المبيدات، على رغم من أنّ المنطقة تتطلب جهاز شرطة كبيراً لحماية الأراضي والسهول والمياه والأمن. فبلدية القاع تحصل على واردات من الصندوق البلدي المستقل على غرار أيّ بلدية غنية لها وارداتها الخاصة وعلى غرار البلديات التي لا تشهد نزوحاً سورياً. وتطالب البلدية بتمييزها والبلديات التي تعاني مثلها لكي تتمكّن من تأدية مهماتها.
كارثة بيئية مستقبلية
في المقابل، إذا قررت الدولة إيلاء هذه المنطقة الإعتناء اللازم، لا انتظار تفجيرات إرهابية أخرى لإصدار بيانات الإستنكار، يمكن أن تشهد القاع تحوّلاً اقتصادياً كبيراً، وذلك من خلال التزام إنشاء المنطقة الصناعية التي أقرّها مجلس الوزراء أخيراً والتي توفّر 4000 فرصة عمل، وتصنيف معبر القاع ـ جوسيه من جهة القاع فئة أولى تماماً كما من جهة جوسيه. كذلك، يُمكن الاستثمار في المنطقة لإعادة إعمار سوريا.
ويطالب سكان القاع بفتح فرع مصرف في القاع، إذ هناك كمية أموال تتناقل بين السوريين، كذلك هناك أهالي يسكنون المنطقة صيفاً وشتاءً، ومؤسسات ومعامل وتجار ومزارعون ونحو 300 عنصر من الجيش وقوى الأمن في القاع.
ولا شك أنّ من المواضيع الملحّة رصد موازنة لمشروع الضم والفرز لتفادي حصول مشكلات مناطقية وطائفية وسياسية على الأراضي غير المفرَزة، فضلاً عن أزمة المياه التي لا تكفي المنطقة في حين أنّ مياه نهر العاصي والسيول تذهب هدراً.
أما المشكلات التي تُنذر بكارثة مستقبلية إذا لم تتمّ معالجتُها فهي نفايات النازحين وصرفهم الصحي، فهناك جمعيات تساعد في هذا الإطار، لكنّ الكمية كبيرة. وإذا توقفت الجمعيات عن جمع النفايات لن تتمكّن البلدية من أداء هذه المهمة، وسيعمد النازحون إلى حرقها بدائياً، وفي الأساس يفعل البعض منهم ذلك إن في القاع أو غيرها من البلدات. أما على صعيد الصرف الصحي، فحين تمتلئ الجوَر الصحية أو يتوقف العمل فيها ستتسرّب محتوياتها عبر الأرض إلى المياه الجوفية. وفي هذا الإطار تناشد البلدية الجمعيات والهيئات «تمويلنا لإنشاء صرف صحي».
على رغم من هذه التداعيات، لا مشكلات ظاهرة بين أهالي القاع والنازحين، لكن لم تعد هذه البلدة قادرة على تحمُّل تداعيات هذا النزوح. وعلى رغم من أن إقتصاد المنطقة قائم على الزراعة وتحتاج يداً عاملة سورية في السهل، بين 8 آلاف و12 ألف عامل موسمياً، يطمح أهالي المنطقة إلى عقد اتفاقات بين الدولتين اللبنانية والسورية مستقبلاً، تنظّم هذه العمالة ووجود العمّال في المنطقة.