رسم المؤتمر الصحافي الذي عقده محامي الادّعاء في فرنسا ومؤسس جمعية Sherpa وليام بوردون في نقابة المحامين أمس، بعنوان “الإجراءات القانونية لحماية الحقوق والمصالح المالية للدولة اللبنانية” بدعوة من لجنة حماية حقوق المودعين لدى نقابة المحامين في بيروت وبرعاية نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار، خريطة طريق للمسار القانوني الذي سيمكّن المودعين من الحصول على أموالهم من دون تضليل أو مبالغة. وشرح على مدى ساعة ونصف الإجراءات القضائية القائمة حالياً في لبنان وأوروبا في قضايا الفساد واختلاس وتبييض الأموال (التي يحاكم فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركاؤه)، كمدخل لتحديد المسؤوليات واسترداد الأموال العامة ووضع حدّ لثقافة الإفلات من العقاب، معلناً أن “زيارته الى لبنان ليست لبيع أحلام أو أوهام للمودعين اللبنانيين، بل لتفسير المسار القانوني الذي يمكّنهم كما الشعب اللبناني من استعادة حقوقهم، مبدياً تأثره بالظلم الذي لحق بهم”، لافتاً الى أن “هذا الظلم هو الذي دفعه للمشاركة كمكتب ادّعاء ولاحقاً كمكتب محاماة مع مجموعةCollectif des victimes des pratiques frauduleuses et criminelles au liban لتقديم شكوى بحق مجموعة أشرار تسببوا في هذه الكارثة. وفي المسار القانوني تبيّن من خلال الوقائع بأن الملف الأول (الذي تمّ تقديمه من قبل كاشفي الفساد بالإضافة الى المعلومات المتوافرة في بلدان أخرى) هو ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهذه المعلومات سيتمّ نشرها لاحقاً على موقع نقابة المحامين، وهذا الإجراء أخذ مساره القانوني الطبيعي وسيصل الى خواتيمه بالنسبة لحاكم مصرف لبنان”.
ملف رياض سلامة وصل إلى خواتيمه
وشدّد بوردون على أن”ملف حاكم مصرف لبنان وصل الى خواتيمه لكنه ليس الوحيد، وهناك ملفات أخرى ستفتح سواء مع أشخاص شاركوا الحاكم في الجرائم التي ارتكبها وأشخاص كانوا متسبّبين في الانهيار الكبير الذي حصل في لبنان وكانوا سبباً في الفساد المستشري”، وأعلن أن مكتبه باشر بالإجراءات اللازمة لفتح هذه الملفات. ودعا مكاتب أخرى أيضاً للقيام بهذه الإجراءات لإنصاف الشعب اللبناني، شارحاً أن “هذا المسار لن يعيد الأموال مباشرة للمودعين بل سيعيد الحقوق للدولة اللبنانية، وهناك مسار آخر يتعلق بالمودعين ظهر بعدما اكتشفوا أن هناك ملفات وشبهات موجودة على مصارف لبنانية وفروعها بالخارج وتلاعب بالقيود الحسابية والميزانيات، والتي تظهر أن هناك أمراً غير طبيعي يتم التحقيق فيه حالياً تمهيداً لتقديم شكوى فيه، وفي حال تم الوصول الى نتيجة سترفع دعوى قضائية ضد هذه المصارف بتهمة الإفلاس الإحتيالي والتي يمكن عبرها محاكمة المسؤولين المصرفيين ومديري المصارف”.
ورأى بوردون أن “الأهم هو إيضاح أن كل مسار يجب أن يدرس بواقعية وأن يتم تحليله للوصول الى نتيجة وليس رغبة في تقديم دعاوى بالمطلق”، وفي ما يتعلق بالحكم القضائي الفرنسي المنتظر بحق سلامة في 4 تموز المقبل لجهة الحجز على أمواله أكد أنه “يمكن للدولة اللبنانية الحصول على هذه الأموال بعد سلوك مسار قانوني معين يستند الى القانون الفرنسي للتعويض على المتضرّرين”.
لا يجوز تضليل المودعين
في بداية المؤتمر وبعد كلمة ترحيبية من النقيب كسبار، أكد رئيس لجنة حماية المودعين لدى نقابة المحامين كريم ضاهر أن “التعاون البنّاء القائم منذ انطلاق المسار القضائي في الخارج ما بين مكتب بوردون ومعاونته ايميلي دو فير وبين نقابة المحامين في بيروت، هو الذي أوصل الى النتيجة التي يتمّ تسليط الضوء عليها اليوم. والمؤتمر الصحافي هو لتوضيح كل محاولات التضليل حول أموال المودعين في لبنان وهي على جزءين: الأول هو الإجراء القائم حالياً في القضية المرفوعة ضد الحاكم رياض سلامة بتهمة التزوير والاختلاس وتبييض الأموال، وهناك تصوّر أن هذه القضية هي ضد شخص الحاكم وشركائه ومعاونيه وهذا الخطأ الأول، لأن الشكوى مقدّمة ضد مجهول ومجموعة أشرار وكل من يظهره التحقيق سواء أكان متسبباً أم شريكاً في عملية الانهيار المالي غير المسبوقة في لبنان وعملية حجز الودائع والأضرار التي نتجت عنها”. أضاف: “أي كل شخص سيظهر التحقيق أن لديه دوراً من قريب أو بعيد في هذه الملفات سيلاحق في فرنسا. علماً أن هناك كثيراً من المودعين يأملون في أنه في حال تمّت إدانة الحاكم سيسترجعون أموالهم سريعاً وهذا الأمر غير دقيق. لأن هناك مسارين يحكمان استعادة المودعين أموالهم، الأول هو أنّ الأموال التي سوف تسترجع، ستكون من خلال اتّخاذ صفة الادّعاء الشخصي، وهذا ما قامت به هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل. الجزء الثاني متعلّق بالمودعين بشكل مباشر، وهناك تضليل للمودعين بأن الاشتراك في شكوى ضد الحاكم في فرنسا سيعيد لهم أموالهم، وهذا غير دقيق. والصحيح أن هناك مساراً ابتكره بوردون وبدأ فيه في فرنسا لبعض المودعين في المصارف اللبنانية. ومن خلاله يمكن ملاحقة المصارف وفروعها في الخارج والمسؤولين المصرفيين الذين حوّلوا أموالاً بصورة غير مشروعة للخارج”.
كيف سلكت القضية مسارها؟
بعدها ألقت المحامية ميسم يونس سكاف بيان لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين شرحت فيه الإجراءات الفرنسية الهادفة الى ملاحقة الجرائم المالية للمسؤولين اللبنانيين لاستعادة الأموال غير المشروعة، فقالت: “في بداية العام 2020 قامت نقابة المحامين في بيروت بتكليف لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، لدراسة إمكانية إيجاد مخرج قانوني خارج لبنان، يسمح بإيصال شكاوى ومطالب المودعين وغيرهم من المواطنين اللبنانيين، الذين واجهوا الإفلاس والفقر والبؤس وفقدان الأمل، بعد مصادرة معظم أموالهم نتيجة انهيار النظام المالي والمؤسساتي والفساد المستشري. وجاءها الردّ من مكتب Bourdon & Associés في فرنسا للمحاماة مؤكداً أن هذه الدعوى، وبالرغم من التحفّظات، يمكنها أن تكون مجدية في حال أرفقت بوثائق أو مستندات، تبيّن العلاقة بين الجرائم المذكورة، وواقعة التعدي على سير العدالة وعلى حقوق الدفاع في لبنان”.
أضافت: “من ضمن هذه المستندات يمكن لقرار صادر عن مجلس النقابة يؤكد الانتهاكات الجسيمة لسير العدالة ولحقوق الدفاع أو حتى عريضة موقعة من المحامين بهذا الخصوص أو غيرها من المستندات، أن تفي بالغرض. وقد أبلغ Bourdon النقابة بأنه تمّ تقديم شكوى في الخارج تستند الى الأسس والأهداف ذاتها من قبل كل من جمعية Sherpa وجمعية Collectif des victimes des pratiques frauduleuses et criminelles au liban وذلك لعدم ثقة المتقاضين بالنظام القضائي اللبناني وهذا ما بيّنته الوقائع في ما بعد. وأكد أنه بإمكان نقابة المحامين في بيروت أن تدعم هذه الشكوى المقدّمة في الخارج وتشارك في تقديم المشورة والمساعدة القانونية على قاعدة اعتبارهم من “أصدقاء المحكمة”.
وتابعت: “هذه الشكوى التي أقيمت بوجه “جمعية أشرار” قدّمت أولاً أمام المدعي العام المالي الفرنسي ثم في اللوكسومبورغ، وكان الهدف من إقامة هذه الدعوى هو إلقاء الضوء على الدور الذي لعبه هؤلاء المشتبه فيهم، مع المتواطئين والوسطاء، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم معنويين ممّن سهلوا أو استفادوا من ارتكاب أعمال جرمية ساهمت في الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي في لبنان، كما ساهمت في إفقار الشعب ونهب حقوق المودعين اللبنانيين والأجانب”.
وتابعت: “وفي هذا الإطار طلب كلّ من مكتب المحاماة الفرنسي، وعدد من المودعين من لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، التعاون والمساندة القانونية حول جوانب مختلفة من الشكوى في ما يتعلّق بالقوانين والأنظمة المعمول بها في لبنان، وحول الاستراتيجية التي تمّ اعتمادها بالنسبة للجرائم المالية المذكورة وتفرّعاتها، وذلك عائد لاعتماد القضاء الأجنبي على ما يسمّى الجرائم الأساس (infractions sources) في القانون اللبناني لتثبيت جرائم واقعة ضمن نطاقه كتبييض وإخفاء الأموال”، لافتة الى أن “الشكوى المذكورة والإجراءات التي تبعتها، لم تقتصر على حاكم مصرف لبنان وشقيقه ومساعدته، كما حاول البعض الإيحاء والتضليل المغرض به، بل إنها تجاوزت هؤلاء الأشخاص كما أظهرت تطوّرات هذا الملف. كما أن التوجيه الأوروبي رقم CE/2005/60 الصادر في 26 تشرين الأول 2005، الذي يُطبق على جميع الدول الأعضاء التي اتخذت إجراءات مماثلة لتلك التي اتّخذتها فرنسا، ينصّ على وجود تبييض للأموال حتى لو كانت الأعمال الناشئة عنها هذه الجريمة قد حصلت على أرض دولة أخرى من الدول الأعضاء أو على أرض دولة ثالثة”.
وشرحت سكاف أنه “في هذا الإطار تمّ الادّعاء على سلامه، وشقيقه رجا ومساعدته ماريان حويك، خاصة بعد أن فتحت تحقيقات ضدهم في المملكة المتحدة وسويسرا، وبالنظر الى الطبيعة العابرة للحدود لمعظم الجرائم المدّعى بها، ولكن أيضاً بالنظر الى الروابط القائمة مع فرنسا. وبالتالي تضمّنت الشكوى معلومات دقيقة للغاية، جاءت موثقة في أغلب الأحيان وهي خاضعة للقوانين في فرنسا واللوكسمبورغ، وهي دول تمرّ عبرها التدفّقات المالية والتحويلات، وبعضها كانت وجهته النهائية فرنسا وتمّ ذكر أسماء قادة ومسؤولين وسياسيين بارزين تمّ الادّعاء عليهم في هذا السياق لضرورات التحقيق”.
إهمال متعمّد وإجرامي
أشارت المحامية ميسم يونس سكاف الى أنه «في ما يتعلّق بجريمة التواطؤ وجمعية الأشرار، من المفيد تسليط الضوء على الإهمال المتعمّد والإجرامي للطبقة الحاكمة السياسية والمالية بأكملها، فمنذ تشرين الثاني 2019 كانت معظم المصارف اللبنانية في مأزق ووضع خطر وكان على مصرف لبنان يومها، وفقاً لصلاحياته، حماية القطاع المصرفي والمودعين في البنوك المفلسة أو المتعثرة التي كان يجب وضعها تحت الوصاية مع تغيير الإدارة (تجميد أصول المديرين، وأعضاء مجلس الإدارة والمساهمين الرئيسيين ومفوضي المراقبة) وذلك بإحالة الملف الى المحكمة المختصة، أو باتخاذ الإجراءات اللازمة (القانون 2/67 بشأن توقف المصارف عن الدفع والقانون رقم 110/91 لوضع اليد)»، لافتة الى أنه «بدلاً من وضع خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ترك مصرف لبنان الوضع يتدهور لفرض «قصة شعر» (hair cut) للودائع كأمر واقع، مع تدني قيمة الودائع بسبب تدهور قيمة العملة الوطنية في السوق السوداء والتضخم المتسارع والمتزايد وبهذه الطريقة، احتفظ المديرون والمصرفيون بأصولهم على حساب فئة واحدة تحملت الخسائر منفردة كونها الفئة الأضعف أي المودعين والمواطنين».