منذ أيّام، أعلن المتحدّث الإعلامي باسم صندوق النقد، جيري رايس، عن تعيين ممثّل دائم للصندوق في لبنان، من دون أن يفصح في ذلك الوقت عن هويّة هذا الشخص. هذا الإعلان بحد ذاته، أعطى بعض الإشارات لجهة رغبة الصندوق بمراقبة تقدّم الدولة اللبنانيّة في تطبيق شروط التفاهم المبدئي المعقود مع الصندوق، من خلال شخصيّة حاضرة على مدار الساعة في بيروت، بدل الاعتماد حصرًا على زيارات بعثات الخبراء الدوريّة. ومنذ إعلان الخبر، كثرت التحليلات التي اعتبرت أن هذا التعيين يأتي كدلالة على تطلّع الصندوق لدخول لبنان البرنامج التصحيحي الذي تم الاتفاق عليه في التفاهم المبدئي، بمجرّد تنفيذ شروط التفاهم، خصوصًا أن الصندوق غالبًا ما يتخذ هذه الخطوة في الدول التي تدخل برامج من هذا النوع، أو تقترب من مرحلة دخول هذه البرامج.
منصب شاغر منذ 11 سنة
تجدر الإشارة إلى أنّ خطوة صندوق النقد، تعيد ملء هذا المركز الشاغر في بيروت منذ أكثر من 11 عامًا، اكتفى خلالها الصندوق بتعيين “سكريتاريا” تهتم بالبريد الوارد والصادر، وتستقبل بعثات خبراء الصندوق القادمين إلى بيروت. ومنذ ذلك الوقت، لم يمتلك الصندوق الأسباب الكافية لتعيين ممثّل دائم يشرف على عمل بعثات الصندوق في بيروت، رغم أن هذه البعثات دخلت في مراحل عدّة في عمليّات دعم فنّي مع إدارات لبنانيّة متعدّدة. ولذلك، كان هناك دائمًا من كان يشير قبل العام 2019 إلى أنّ ذلك يرتبط بمحاولة حاكم المصرف المركزي، الذي يمثّل لبنان أمام صندوق النقد، ترك “مسافة آمنة” بينه وبين بعثات الصندوق. فرغم مساهمة هذه البعثات بالتغطية على بعض ممارساته، كان يعلم الحاكم أنّ الطريقة التي يدير من خلالها الشأنين النقدي والمصرفي لا تندرج من ضمن المعايير المألوفة في إدارة الأنظمة الماليّة.
في جميع الحالات، وبما أنّ الممثّل الدائم الجديد لصندوق النقد سيحط في العاصمة بيروت يوم الثلاثاء المقبل، ليبدأ بممارسة مهمّته الجديدة، بات بالإمكان التقصّي عن خلفيّته وتوجّهاته والمهام التي اضطلع بها سابقًا. مع الإشارة إلى أن هويّة خبراء الصندوق الماليين وتوجّهاتهم كثيرًا ما تترك بصماتهم على مسارات التفاوض مع الدول التي يعملون فيها، بالرغم من ارتباط الجزء الأكبر من عمل الصندوق بأولويّات يتم تحديدها على مستوى إدارة الصندوق التنفيذيّة في واشنطن. مع العلم أن الممثل الدائم الجديد سيحل يوم الثلاثاء ضمن يعثة أوسع ستجري مجموعة من اللقاءات في العاصمة بيروت، قبل أن تغادر البعثة ويبقى في الممثل الدائم لصندوق النقد في ضيافة اللبنانيين.
الاقتصادي الشاب فريدريكو ليما
برتغالي يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد
الممثّل الدائم لصندوق النقد سيكون البرتغالي فريدريكو ليما، وهو أكاديمي درس الحقوق في بلده الأم، ثم انتقل لدراسة الاقتصاد لمدّة سبع سنوات في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، قبل أن يتخرّج عام 2016 حاملًا درجة الدكتوراه. قبل تخرّجه بفترة قصيرة، عمل لمدّة أربعة أشهر عام 2015 كمتدرّب في صندوق النقد، قبل أن ينضم إلى الصندوق من ضمن فريق الاقتصاديين فيه بمجرّد تخرّجه من الجامعة في أيلول من العام 2016. في خلاصة الأمر، يمكن القول أن ليما شاب في بداية مسيرته المهنيّة داخل صندوق النقد، مع خبرة تقتصر على العمل داخل الصندوق كاقتصادي لمدّة ستّ سنوات. وبحسب صفحة ليما على تطبيق لينكد إن، يتحدّث الرجل اللغتين الإنكليزيّة والفرنسيّة بإتقان، إلى جانب لغته الأم، البرتغاليّة.
على موقع صندوق النقد، تشير مسيرة ليما إلى انخراطه في العمل على مسائل مرتبطة بالسياسات الاقتصاديّة في الأسواق الناشئة ومنخفضة الدخل، مع تركيز على المسائل المرتبطة بالماليّة العامّة والسياسات الماكرو-اقتصاديّة. آخر المهام التي انخرط فيها، تركّزت على العمل داخل “القسم الأفريقي” في الصندوق، فيما يحفل سجلّه بدراسات حول أسواق ناشئة ومنخفضة الدخل مثل بوركينا فاسو وغانا والبيرو وزيمبابوي. أما الملفت للنظر، فهو تضمّن مسيرته المهنيّة مهمّات مرتبطة بالشأن اللبناني، من دون المزيد من المعلومات حول هذه الأبحاث، ما يعني أن الرجل ملم بالحد الأدنى من تفاصيل الأزمة الاقتصاديّة القائمة في البلد الذي سيحل فيه ضيفًا دائمًا يوم الثلاثاء.
سيرة واعدة لكن خبرة متواضعة
لائحة الأبحاث التي حضّرها ليما تشمل نحو 16 بحثًا أنجزها لحساب صندوق النقد، منها تلك التي تتمحور حول كيفيّة المكننة لتطوير الامتثال الضريبي، وتأثيرات السياسات الضريبيّة على المؤشرّات الماكرو-اقتصاديّة، بالإضافة إلى أثر تطوير الحوكمة الماليّة الرسميّة على أداء الأسواق المحليّة. كما شملت أبحاث ليما بعض الأوراق التي تطرّقت لمسائل مرتبطة بتفشّي وباء كورونا، وآثاره الاقتصاديّة، خلال العامين الماضيين. وفي النتيجة، تبدو أعمال ليما السابقة أقرب إلى التقارير البحثيّة الأكاديميّة التي يُنجزها أساتذة الجامعات في العادة، مع شغف واضح في قضايا الأسواق الناشئة والاقتصادات المحدودة الدخل، والتي تنحصر فيها جميع الدراسات المنسوبة إلى الرجل.
مصادر متابعة لمهام الصندوق في العاصمة في بيروت تشير إلى أن سيرة ليما الذاتيّة وإن كانت واعدة نسبة للمنصب الذي تمكن من الحصول عليه في مقتبل العمر، إلا أنّها ما زالت متواضعة مقارنةً بخبراء الصندوق الذي اعتادوا القدوم والمشاركة في جولات المباحثات السابقة في العاصمة بيروت. ولهذا السبب بالتحديد، ترجّح هذه المصادر أن تنحصر مهام ليما خلال المرحلة المقبلة بكتابة التقارير التي تهدف إلى تتبّع تطورّات الشأنين المالي والنقدي في لبنان، من دون أن يضطلع ليما بمهام تفاوضيّة تتخطّى الجانب التقريري. أمّا القرار النهائي والفعلي، فسيبقى حتمًا لدى إدارة الصندوق في واشنطن، رغم هامش المناورة المحدود الممنوح لبعثات الصندوق الدوريّة.