عادت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من رحلتها إلى الصين في وقت سابق الشهر الجاري في محاولة لتخفيف حدة المنافسة بين بلادها والصين. وتعد إعادة فتح حوار بناء مع بكين شيئا جيدا، وأعربت يلين عن أمل في منافسة “لا يحصل فيها الفائز على كل شيء” ولكن بالأحرى “منافسة داخل إطار عادل من القواعد التي تفيد كلتا الدولتين”.
ويرى المحللان الأميركيان جون أوستن، مدير مركز ميشيغان الاقتصادي وهو زميل بارز غير مقيم في مؤسسة بروكينغز ومجلس شيكاغو للشؤون العالمية، وإيلين ديزينسكي، رئيسة مركز القوة الاقتصادية والمالية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ترغب في تحسين العلاقات مع الصين، بينما لا تغض الطرف عن سلوك الصين العدواني.
وقال أوستن وديزينسكي في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأميركية، إنه يتعين بالفعل على الولايات المتحدة وحلفائها الديمقراطيين أن يضمنوا أن أي انخرا ط مع الصين يقوم على أساس الدعم المتجدد للمنافسة والتجارة المفتوحة والشفافة واحترام المؤسسات الديمقراطية. ولن يحقق تجاهل إجراءات الصين القسرية داخل حدودها وحول العالم الشيء الكثير.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن “الفصل” بين الاقتصاديات العملاقة التي تقوم على الاعتماد المتبادل ليس ممكنا أو مرغوبا فيه.
ومن جهة أخرى، أوضحت يلين أن الولايات المتحدة تعتزم خفضا إستراتيجيا لمخاطر سلاسل الإمداد الحيوية مع الدول المهتمة بمواصلة ودعم نظام اقتصادي وسياسي قائم على أساس قواعد.
وأضاف المحللان أن الاستثمار في ما تصفه يلين بـ”دعم الأصدقاء” يمكن أن يساعد في توجيه رسالة للصين بأن الولايات المتحدة وحلفاءها سوف ينهون التبعيات التي يمكن أن تستخدمها الصين كسلاح للابتزاز الاقتصادي والسياسي. فالصين تتعهد بتقديم المال السهل وإقامة بنية تحتية سريعة وكثيرة ومشاريع باهظة التكاليف تخدم الزعماء المحليين الذين يسعون لكسب تأييد الناخبين.
ويشير المحللان إلى أن تكلفة تلك البنية التحتية ليست فقط مدفوعات بفائدة عالية، ولكنها أيضا فساد وتكنولوجيا مراقبة تصدرهما الصين، وتعتيم على التعاقدات والمشتريات ونفوذ سياسي.
ومعروف أن الولايات المتحدة والصين قوتان متنافستان على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي ولديهما رؤى مختلفة تماما بشأن دور الحكومات ورأس المال والصناعة والتنمية. وقد تحركت الصين للتفوق على الولايات المتحدة في التكنولوجيا والزعامة العالمية والطاقة النظيفة والقوة العسكرية من بين قضايا أخرى لا حصر لها. وعلاوة على ذلك تشكو بكين أيضا من أن واشنطن تحاول الانفصال اقتصاديا عن الصين، بينما تحاول بشكل خفي فصل اقتصادها منذ سنوات.
ولا تشير المنافسة الصحية التي تدعو إليها واشنطن إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتنفصل بشكل كامل عن الصين أو فصل اقتصاد الصين عن العالم.
ولكن منافسة تقودها الولايات المتحدة من شأنها أن تعزز الاعتماد المتبادل والوضع الاقتصادي والسياسي للدول التي تحترم نظاما عالميا مفتوحا وقائما على قواعد.
وفي هذا الإطار، يتعين على الولايات المتحدة وكل الديمقراطيات الغربية أن تتجنب الانقسامات الزائفة القائمة على أساس إرغام الدول على الاختيار بين القوى المتنافسة الساعية لفرض الهيمنة. وبدلا من ذلك، يتعين على أوروبا وأميركا الشمالية أن تعرض كلتاهما خططا أفضل للتنمية الاقتصادية.
ويعني هذا إطلاق قوة رأس المال الخاص الغربي من خلال خفض مخاطر الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا والصناعة في الاقتصاديات الناشئة. والولايات المتحدة أيضا في وضع يسمح ببناء تكتلات قوية للتجارة الحرة وتشجيع التحالفات التجارية.
ويتمثل تكتيك أقوى بصفة خاصة في هذه المنافسة في دعم الحلفاء، أي تطوير وتوسيع سلال الإمدادات مع دول تحترم وتشارك بشكل حقيقي في نظام دولي قائم على القواعد.
ويعد فصل سلاسل الإمدادات الأميركية الأكثر حساسية وأهمية عن الصين فرصة للارتباط بشركاء تجاريين يشتركون في هدف تحقيق أمن اقتصادي متبادل قائم على معايير ديمقراطية. وبدلا من الرضوخ للضغط الصيني لاعتبار القواعد والمعايير الديمقراطية “تدخلا”، فإنه يمكن إنشاء نظام قائم على القيم يخاطب قلوب وعقول المواطنين في كل مكان. ومن الصعب أن تجد أشخاصا في أي مكان يدعمون فسادا ورقابة لوجهات النظر المعارضة برعاية حكومية.
ولتطبيق مفهوم دعم الحلفاء عمليا، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها فقط أن تتحدث بعبارات عامة، ولكن يتعين عليها أن تتكاتف مع أقرب أصدقائها وشركائها لتحدد بشكل واضح عرضا مشتركا لدول أخرى تشجع على أساس متبادل الاستثمار المفيد والشفافية والتنمية الاقتصادية والتجارة والمساعدات لتوسيع نطاق الأنشطة التجارية.
ويجب أن يركز هذا العرض على جنوب العالم، حيث تنتشر نزعة شك كبيرة بشأن دعم الأصدقاء ومعارضة يمكن تفهمها خشية الوقوع بين شقي رحى المنافسة بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة والصين.
ويضيف المحللان الأميركيان أنه لا يتعين أن يكون العرض الغربي قائما على أساس رفض الصين، ولكن يجب أن يكون قائما بدلا من ذلك على قواعد النظام الرأسمالي الليبرالي المفتوح الذي تزدهر من خلاله الصين والولايات المتحدة، وهذه قواعد تسعى الصين الآن لتقويضها.
ويتعين على واشنطن أن تعلن أن أميركا لا تحاول كبح جماح صعود الصين اقتصاديا. ولكن إذا واصلت الصين استخدام نفوذها الاقتصادي والسياسي لنشر نظامها الاستبدادي في العالم، فإن الولايات المتحدة سوف تعمل على إضعاف وسائل الصين للإكراه الاقتصادي والسياسي. وسوف يؤدي القيام بذلك إلى إبطاء وتيرة حركة السوق المفتوح ونمو الصادرات اللذين استفادت منهما الصين لسنوات.
ومن خلال تطبيق سياسة تفصيلية وحازمة بشأن دعم الأصدقاء، يمكن للولايات المتحدة إبقاء سلال الإمداد الحيوية والصناعات في أيدي صديقة، وفق المحللان، بينما تستمر في الدفع إلى الأمام بنظام اقتصادي دولي متكامل يتم تعزيزه على نحو متبادل.