منح المودعين بعض الدولارات ورفع الدعم.. ورصاصة الرحمة

عندما بدأ الحديث عن تعميم جديد للبنك المركزي يطلب فيها من البنوك اعادة بعض الدولارات الى المودعين رفضت جمعية ​المصارف​ الامر واعلنت انها لا تملك دولارات في صناديقها الخاصة، وانها بحاجة الى استرداد ودائعها في المركزي. وعندما صدر بيان للاخير يحدد ​آلية​ دفع الودائع بقيمة 800 دولار شهريا، نصفها بالعملة الاميركية ونصفها بالليرة يسعر 12 الف ليرة للدولار، سارعت الجمعية الى الترحيب، ووعدت بالتجاوب .

السر خلف تبدل الموقف جاء في بيان المركزي الذي خفض نسبة الاحتياطي الالزامي من 15 الى 14 في المئة ، ما يعني انه حرر بعض اموال المصارف كي تستطيع تطبيق التعميم الجديد عندما يصدر.

الحقيقة غير المعلنة في هذه المسألة، ان قرار رفع الدعم قد اتخذ بالفعل، وقد بدأ تنفيذه تدريجيا، فبدأ فقدان المواد الاساسية من السوق، وارتفعت اسعارها بشكل مخيف، وتبقى رصاصة الرحمة الاخيرة التي سيطلقها المركزي قريبا جدا، بوقف كل اشكال الدعم، ما ان يبدأ المودعون قبض الـ 400 دولار، زائد ما يساويها بالليرة، شهريا، باعتبار ان هذه المبالغ ستكفي الموطنين لشراء حاجياتهم بالاسعار الجديدة. ولكن السؤال الذي يطرح هل يملك كل اللبنانيين ودائع بحيث يحصلون على امتياز سحب بعض دولاراتهم ؟ الجواب بالتأكيد لا.

ومن ناحية ثانية، يرصد البنك المركزي حركة دخول الاموال الى البلد ، ويراهن على ارتفاع حجمها مع كل شهر جديد، لان المزيد من اللبنانيين يهاجرون يوميا ، وسيتحولون في وقت قصير الى محولي اموال الى لبنان. كما يراهن المركزي على دخول مليار دولار اضافية خلال اشهر الصيف المقبل مع مجيء المغتربين لقضاء العطة في ربوع بلدهم. ومن ناحية ثالثة لم ينس مصرف لبنان ابدا مليارات الدولارات المخزنة في البيوت، وقد بينت له تجربة الاشهر الاخيرة انه كلما ارتفعت الاسعار كلما زاد صرف الدولارات من قبل العائلات كي تلبي احتياجاتها، ما يؤكد نظرية التخزين هذه. يتزامن كل ذلك مع هجمة دولية لدعم الجيش والمؤسسات الامنية بالمساعدات المالية والعينية، ما يعني تخفيف عبء الانفاق من الخزينة على هذه المؤسسات الوطنية.

كل الحسابات تؤدي الى نتيجة واحدة ان الصيف سيكون حارا جدا على الصعيد المالي، وما يفعله البنك المركزي هو التبريد من مال الاخرين: فالمودعون سيصرفون ما تمن عليهم به البنوك، والمغتربون سيزودون اهاليهم في لبنان ببعض الكاش الفريش، والمخزنون سيخرجون المزيد من الدولارات من خزائنهم.. اما من لا يستفيد من كل هذه العطاءات فثمة برنامج في وزارة الشؤون الاجتماعية لدعم الاسر الاكثر فقرا، اما البطاقة التمويلية فطارت وقد لا تحط مجددا الا قبيل الانتخابات النيابية لانها ستكون ​رشوة​ انتخابية تكفل التجديد للطبقة السياسية العفنة اياها.

تدرك المصارف ان اعادة هيكلة القطاع هي مسألة وقت لا اكثر، ان لم يكن بقرار ذاتي او من السلطة السياسية ، فسيكون خضوعا لقرار ​صندوق النقد الدولي​. وما يجري حاليا هو تحميل المودعين بغالبيتهم الخسائر المالية الفادحة، لان اعادة بعض الودائع بالتقسيط سيعني القسم الآخر سيطاله الهيركات النهائي، وفي كل هذه العملية لن تنفق البنوك من صناديق ارباحها المتراكمة من العام 1993 اي فلس، وتقدر هذه الارباح الموجودة في الخارج بحوالى 28 مليار دولار.

 

مصدرالنشرة - علي حمود
المادة السابقةالتوقيع على تعميم الـ400 دولار يجرّد المودع من حقّ الـ3900 ليرة
المقالة القادمةسعادة: التقنين سيكون 3 ساعات في الليل و2 بالنهار