صار واضحاً أنّ كل الدروب ستُفضي حتماً الى خروج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من موقع الحاكمية في 31 تموز الحالي مع انتهاء ولايته التي مدّدت خمس مرات، وبالتالي لن يكون هناك تمديد إضافي له تحت أي مُسمّى… ولكن الى أين من هنا؟
الثابتة الأخرى هي أنّ تعيين حاكم أصيل قبل أيام من رحيل سلامة لم يعد وارداً بِدوره لعدم توافر النصاب السياسي الذي يمكنه أن يغطّي اي قرار لحكومة تصريف الأعمال في هذا المجال.
وبناء عليه، فإنّ أبطال السيناريو البديل سيكونون حتماً النواب الأربعة للحاكم وفي طليعتهم النائب الأول وسيم منصوري، بمعزلٍ عن طبيعة الاخراج السياسي والقانوني للدور الذي سيؤدونه في المرحلة المقبلة، علماً ان منصوري شخصيا يشعر بأن المسؤولية ستكون مُضاعفة عليه كونه سيوضَع في «بوز المدفع»، عند تسلّمه مهمات سلامة.
وقد أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري صَراحةً الى بعض القوى السياسية التي راجعته في ملف الحاكمية انه لا يقبل ولا يستطيع أن يتحمّل لوحده، بما يُمثّله، مسؤولية الوضع النقدي – المالي في مرحلة ما بعد سلامة، خصوصاً انه يعرف مُسبقاً ان هناك من سيستغِل، تحت وطأة النكد والنكايات، احتمال اهتزاز هذا الوضع لاحقاً للتصويب على رئيس المجلس والطائفة الشيعية وتحميلهما تبعات اي تدهور في سوق الصرف، بحيث يجري تجاهل او تجهيل الأسباب الحقيقية لذلك، ويتم عَمداً اختزال المشكلة بمنصوري وزملائه. وحتى لا يغدو منصوري هدفا سهلا في «حقل الرماية»، طُرح خلال المداولات الجانبية اقتراح بأن يصبح التوقيع في مصرف لبنان جماعياً، اي ان يشارك فيه النواب الأربعة مجتمعين، إنما تبيّن ان قانون النقد والتسليف لا يُجيز مثل هذا الامر، وانّ منصوري ملزم بالتوقيع الفردي بعدما يشغل موقع الحاكم بصفته النائب الأول له.
وهكذا، انتقل البحث الى مربّع الضمانات التي يطالب بها النواب الأربعة لكي يحصلوا على التغطية السياسية لمهمتهم المحفوفة بالمخاطر، وحتى لا يصبحوا كبش محرقة او حطباً في موقدة الازمة الاقتصادية المالية.
ولكن ما طلبه الأربعة بَدا بالنسبة إلى البعض تعجيزيّاً، خصوصاً انّ ما تَعذّر تنفيذه من اصلاحات ومشاريع خلال سنوات، لن يكون ممكناً تطبيقه خلال أيام، وكأنّ المطلوب من رفع السقف تبرئة الذمة وتبرير دوافع الاستقالة المفترضة التي من شأنها ان تخفف عليهم عبء المرحلة الانتقالية واكلافها، في اعتبار انهم سيتولّون تصريف الأعمال، وإلا فقد بات واضحاً انّ البديل عن استقالة نواب الحاكم هو تأمين مظلة حماية لهم من جانب مجلس الوزراء او مجلس النواب.
وعلى رغم من ان الوقت ضاق أمام خيارات جذرية، الا ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط اعتبر أمس، من خلال تغريدة له، «أنّ الحد الأدنى من منطق حماية ما تبقى من مؤسسات يقتضي تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، لعلّنا نتفادى مخاطر نقدية ومالية تزيد معاناة المواطن اللبناني»، مشيراً الى «انّ من واجب الحكومة إتمام ذلك، وعلى القوى السياسية تسهيل الأمر بعيداً من منطق المحاصصة والفيتوات المتبادلة».
ويوضح القريبون من جنبلاط انّ ما دفعه الى التمسك بخيار التعيين اقتناعه بأنّ البدائل الأخرى ليست سوى هروب الى الامام ولا تتناسب مع مقتضيات مواجهة التحديات الموجودة والمنتظرة.
بهذا المعنى، يحاول جنبلاط ان يكرّس مع بداية تجربته في رئاسة الحزب الاشتراكي مبدأ رفضه للمعالجات الترقيعية في مقاربة الازمات، وهو يفترض ان مبادرة حكومة تصريف الأعمال الى اختيار حاكم أصيل للمصرف المركزي تبقى اهون الشرور، واقل كلفة من الإحتمالات الأخرى، خصوصا ان الضرورات القصوى تُبيح، في رأيه، اتخاذ إجراء من هذا النوع، والذي سيكتسب شرعيته من توافق اطراف الحكومة على اعتماده.
ولا يجد تيمور في الشغور الرئاسي سببا مقنعا لعدم تعيين الحاكم، إذ في حال قبول القوى المسيحية الاساسية بالانخراط في عملية التعيين يكون المكوّن المسيحي حاضراً في اختيار الاسم، وهذا جوهر التوازن والشراكة المطلوبين، الأمر الذي يمكن أن يعوّض نِسبياً عن غياب رئيس الجمهورية ويمنع تهديد بقية المؤسسات، وفق مقاربة جنبلاط.