منصوري: مطلوب من لبنان إجراءات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

صدر عن حاكم مصرف لبنان بالإنابة رئيس هيئة التحقيق الخاصة وسيم منصوري البيان الآتي: «نشرت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافاتف) في 21 كانون الأول الحالي تقرير التقييم المتبادل للجمهورية اللبنانية (التقرير) حول تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وذلك بعد مناقشة التقرير واعتماده في الاجتماع العام لـ»مينافاتف» في شهر أيار 2023، وبعد التعديلات التي أدخلت لاحقاً عليه في اجتماعها العام الذي انعقد في شهر كانون الأول الحالي بناءً على طلب مجموعة العمل المالي (فاتف).

يظهر التقرير في ما خصّ توصيات مجموعة العمل المالي الـ40، أن لبنان أحرز نتائج مقبولة في الالتزام الفني حيث حصل على درجة «ملتزم» أو»ملتزم الى حد كبير» في 34 توصية، ولحظ التقرير وجوب إجراء تحسينات في الـ6 توصيات الباقية والتي حصل فيها لبنان على درجة «ملتزم جزئياً» ما يتطلّب بعض التعديلات في القوانين والتشريعات.

وفي ما خصّ النتائج المباشرة الإحدى عشرة لقياس الفعالية، فقد حصل لبنان على مستوى «متوسط» من الفعالية في تسع نتائج مباشرة، حيث إن منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب اللبنانية حقّقت بعض النتائج الإيجابية إلا أنها تتطلب مزيداً من التعزيز في مجالات تشمل تحديد المخاطر، التعاون الدولي، الرقابة لا سيّما على القطاع غير المالي والإجراءات لديه، الأشخاص الاعتباريين والترتيبات القانونية وصاحب الحق الإقتصادي، التحقيقات المالية الموازية، والعقوبات المالية المستهدفة ذات الصلة بقرارات مجلس الأمن. هذا وقد حصل لبنان في نتيجتين مباشرتين على مستوى متدنٍّ من الفعالية، وهما متعلقتان أساساً بعدم كفاية مصادرات المتحصلات الإجرامية والأصول ذات الصلة، وبالادعاءات والأحكام القضائية بجرائم تبييض الأموال التي يجب أن تكون أكثر اتساقاً مع المخاطر مع ضرورة وجود عقوبات متناسبة ورادعة بشأنها، بحسب ما ورد في التقرير.

إن التقييم الذي خضع له لبنان بالاستناد لمنهجية معتمدة من قبل «فاتف» لتقييم جميع البلدان تمّ في ظل الظروف الاستثنائية المعروفة والتي ما زالت سائدة. وفي جميع الأحوال وكما هو الحال في كافة البلدان، هناك حاجة لمقاربة حكومية شاملة لتنفيذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة من الجهات الداخلية المعنية. وعليه، ستقوم هيئة التحقيق الخاصة بصفتها المنسق الوطني لعملية التقييم بإطلاع مقامي رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء على كافة نتائج التقرير للتواصل مع الجهات الداخلية المعنية بشأن الإجراءات التصحيحية المطلوبة بغية تعزيز فعالية منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب اللبنانية، التي سيتوجب على لبنان إرسال تقارير متابعة بالتقدم الحاصل في تنفيذها خلال العام 2024 إلى «مينافاتف» للنقاش واتخاذ القرار المناسب».

فهم المخاطر

وفي ما يلي أبرز ما جاء في التقرير: أن وحدة المعلومات المالية ومعظم الهيئات التنفيذية والنيابة العامة التمييزية ومعظم السلطات الرئيسية الأخرى (مثل الجمارك والسجل التجاري وعدد من الوزارات) وجميع السلطات الإشرافية لديها فهم جيد لمعظم مخاطر غسل الأموال التي تواجهها الدولة، في حين أنه يلزم المشرفين على كتاب العدل (المصنفين على أنهم قطاع عالي المخاطر) وبعض وكالات إنفاذ القانون فهم متطوّر لبعض الجرائم العالية الخطورة مثل الاتجار غير المشروع بالمخدرات والتهرب الضريبي. ومع ذلك، يفتقر لبنان إلى فهم شامل لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب المتعلقة بالفساد بين المستويات العليا في الحكومة اللبنانية.

المعادن الثمينة

اعتمدت الهيئة التنظيمية الوطنية في لبنان على منهجية سليمة تعتمد على البيانات الكمية والنوعية من مصادر مختلفة، والتي شاركت فيها كافة الجهات المعنية. تمكّنت عملية هيئة المخاطر الوطنية من معالجة المخاطر الجديدة لضمان تحديث فهم البلاد للمخاطر، واكتشاف التهديدات في أعقاب الأزمة الاقتصادية. لكن تم تحديد بعض الإشكاليات في منطق فهم لبنان المخاطر المرتبطة بقطاع تجار المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، الذي يتميز بخصائصه كملاذ آمن للادخار والاستثمار أثناء الأزمات، إذ يرتكز تقييم الدولة هذه المخاطر بالدرجة الأولى على الأهمية النسبية لهذا القطاع، ما يستلزم تحديث تقييم المخاطر المرتبطة بهذه القطاعات ليكون أكثر شمولاً.

الإقتصاد النقدي

لا يعالج لبنان بشكل كافٍ مخاطر التمويل غير المشروع الناجمة عن الاقتصاد النقدي غير الرسمي الكبير في البلاد، كما أن السلطات المختصة تقلّل بشكل كبير من دور الاقتصاد اللبناني غير الرسمي.

وضعت الدولة خطة عمل استراتيجية تتضمّن العديد من الإجراءات والتدابير للتخفيف من المخاطر التي حددتها هيئة المخاطر الوطنية وتحديثها، وقد تم بالفعل تنفيذ بعضها والبعض الآخر إما قيد التنفيذ أو سيتم تنفيذه في المستقبل. نظراً لظروف الأزمة الاقتصادية التي يمرّ فيها لبنان، وبسبب فقدان الثقة في التعامل مع البنوك، انتشر التعامل النقدي بكثافة عالية، ما يزيد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبدأت البلاد باتخاذ بعض الإجراءات ضمن حدود الوضع الحالي.

منظمة شبه عسكرية

لا تأخذ هيئة التنظيم الوطنية في لبنان في الاعتبار مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب الناجمة عن أنشطة منظمة شبه عسكرية محلية كبرى (المقصود حزب الله) لها سجل موثق جيداً في ارتكاب «الأعمال الإرهابية» على النحو المحدد تعريفه من قبل مجموعة العمل المالي.

النيابة العامة التمييزية

اتخذت العديد من السلطات (هيئة التحقيق الخاصة، ووكالات إنفاذ القانون، والسلطات الأمنية، والجيش اللبناني) جهوداً وتدابير إضافية للتخفيف من المخاطر التي تم تحديدها. إلا أن النيابة العامة التمييزية لم تتخذ الإجراءات المطلوبة لتوجيه الموارد الكافية لارتفاع مخاطر الجرائم. هناك تعاون وتنسيق جيد بما في ذلك من خلال اللجنتين الوطنيتين لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وورش عمل تدريبية مشتركة بين هيئة التحقيق الخاصة وسلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية لضمان فهم متّسق للمخاطر والتعاون الفعال بين السلطات الوطنية. إلا أن هناك ضعفاً في تفعيل النيابة العامة التمييزية للتعاون والتنسيق في تحقيقات جرائم غسل الأموال بشكل خاص.

مشاركة القطاع الخاص

شارك القطاع الخاص في عملية التقييم الوطني للموارد وتحديثها، وتم تعميم نتائجها عليهم. أصدرت السلطات اللبنانية عدداً من المبادئ التوجيهية في ما يتعلق بالتهديدات والمخاطر العالية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأنشأت البنوك وحدات/إدارات لمكافحة الفساد استجابةً لنتائج التقييم الوطني للمخاطر. وقد دعمت وحدة الاستخبارات المالية جهود البنوك في هذا الصدد. ومع ذلك، كان من الواضح أن العديد من كيانات القطاع الخاص (شركات الصرافة من النوع «ب»، وشركات التأمين، وكتاب العدل، ووسطاء العقارات والتجار) لم تكن على علم بنتائج هيئة التنظيم الوطنية أو بوجود هيئة التنظيم الوطنية في المقام الأول.

الإجراءات الموصى بها

أ) يجب على الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز فهم مخاطر غسل الأموال بين الجهات المختصة المعنية مثل مكتب الجرائم المالية وغسل الأموال، وزارة العدل – مراقبة كتاب العدل، والمكتب المركزي لمكافحة المخدرات. وقد يساعد ذلك في تزويد كل من سلطات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بنسخ مفصلة عن نتائج وتحديثات التقييم الوطني للمخاطر وفقاً لاختصاصاتها، ما يعزّز اتخاذها التدابير المناسبة للتخفيف من هذه المخاطر.

ب) ينبغي تحديث القواعد التنظيمية الوطنية في لبنان لتعكس فهماً أقوى لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب الناشئة من الفساد الحكومي الرفيع المستوى في البلاد. وينبغي أن يشمل هذا التقييم جميع السلطات المختصة الرئيسية.

ج) ينبغي للدولة تحديث تقييم المخاطر للمتعاملين في المعادن والأحجار الكريمة، للنظر في خصائصه كملاذ آمن للادّخار والاستثمار أثناء الأزمات، والامتناع عن الاعتماد فقط على الأهمية النسبية لهذا القطاع، وذلك لجعل تقييم المخاطر المرتبطة بهذا القطاع أكثر شمولاً ومنطقية.

د) ينبغي أن تتضمن عملية التقييم الوطني للمخاطر في لبنان تقييماً أكثر شمولاً وحديثاً لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب الناشئة عن القطاع المالي غير المنظم. ينبغي على لبنان إعطاء الأولوية لتنفيذ الأجزاء ذات الصلة من خطة عمل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في هذا المجال، بما في ذلك خطط إلغاء نظام الحوالة غير الرسمي.

هـ) ينبغي على لبنان إجراء تقييم لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبطة بمنظمة شبه عسكرية محلية كبرى والتأكد من تخفيف هذه المخاطر. و ينبغي على لبنان تسريع الإجراءات لضمان تركيز السلطات المختصة على أعلى مخاطر غسل الأموال، بما في ذلك تلك المتعلقة بالفساد على مستوى عالٍ والاتجار بالمخدرات، بما في ذلك تفعيل التوصيات التي حدّدتها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.

ز) ينبغي على لبنان تعزيز الإجراءات الرامية إلى تطوير واعتماد السياسات والإجراءات المناسبة لجلب الأفراد والأنشطة إلى القطاع المالي الرسمي، للحد من المخاطر المرتبطة بالتعامل النقدي الموجود بشكل كبير في البلاد في ظل الظروف الحالية.

ح) وضع الإجراءات المناسبة لدعم قدرات كافة الجهات المختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على استخراج الإحصائيات المطلوبة وحفظها وتحليلها واستخدامها في الوقت المناسب وبطريقة فعّالة، بما يعزز جهود تلك الجهات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ط) ينبغي للنيابة العامة التمييزية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوجيه الموارد بشكل مناسب نحو الجرائم العالية الخطورة، ما يمكّن النيابة العامة من توظيف التحقيقات المالية في مكافحة جرائم تمويل الإرهاب وينعكس إيجاباً على نشاطها في التحقيق في هذه الجرائم ومصادرة عائداتها، فضلاً عن تعزيز دورها في التعاون والتنسيق المحلي في التحقيقات المتعلّقة بغسل الأموال.

المقابلات والنتائج

تستند نتائج فريق التقييم في ما يتعلق بالنتيجة المباشرة إلى مراجعته الوثائق المقدمة من لبنان، ولا سيما ملخص وتحديث التقييمات القطاعية التي أجرتها بعض السلطات التنظيمية، والتقييمات الذاتية التي أجرتها بعض السلطات التنظيمية والمؤسسات المالية، وخاصة البنوك، بالإضافة إلى مخرجات المقابلات خلال الزيارة الميدانية مع جهات إنفاذ القانون، والمشرفين على القطاعات المالية وغير المالية، وأجهزة المخابرات، وهيئة التحقيق الخاصة (وحدة المعلومات المالية)، والجهات القضائية، عدد من الوزارات المعنية، وأعضاء اللجنتين الوطنيتين لمكافحة غسل الأموال وقمع تمويل الإرهاب، والقطاع الخاص.

أوضح ممثلو بعض الجهات (السجل التجاري، الجهات القضائية، النيابة العامة، نقابة المحامين) خلال اللقاءات مع فريق التقييم، أن هناك مشاكل تحدّ من قدرتهم على استخراج بعض الإحصائيات التي يطلبها الفريق. وترتبط هذه المشاكل إما بعدم القدرة على استخلاص أي إحصائيات أصلاً أو الاعتماد على الطريقة اليدوية لاستخراجها وبالتالي سيستغرق توفيرها وقتاً طويلاً ما تسبّب في عدم حصول فريق التقييم على عدد من الإحصائيات ما يساعدهم على الحكم على مدى فعالية هذه الكيانات في تنفيذ متطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةالبنك الدولي: أموال المغتربين شريان لبنان
المقالة القادمةجديد “الكهرباء”.. فيّاض يُطمئن اللبنانيّين: شحنة الفيول ستصلُ