قال حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أمس في مؤتمر صحافي جملة واضحة وصريحة تحمل تحذيراً مباشراً من السلطة النقدية الى السلطة السياسية: «أنا أدقّ ناقوس الخطر»، مشدداً على خطورة عدم إقرار الاصلاحات التي صار يعرفها القاصي والداني، وتكرارها أضحى ممجوجاً طالما لا نية حقيقية للإقدام على تشريعها في المجلس النيابي. وحذّر من «تنامي الاقتصاد النقدي المؤثّر سلباً في الاستقرار الاقتصادي، والذي يعرّض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي العالمي».
حدّد منصوري ما يمكن مصرف لبنان ان يقوم به، وما لا يمكنه القيام به، مثل تأمين كل حاجات وزارات الصحة والأشغال والخارجية والتربية وكهرباء لبنان من الدولارات، مؤكداً قدرته المحدودة جداً، ومحذّراً من استحقاقات الأشهر المقبلة.
وتناول بإسهاب المشكلة العويصة التي تعانيها وزارة المالية، بما فيها عجز الوزير يوسف خليل عن إعداد موازنة متوازنة، فإذا به يقرّ مشروع موازنة 2023 بعجز قيمته 46 الف مليار ليرة وبنسبة 24%، علماً أنّ مصرف لبنان أبلغ الى «المالية» أنه «لن يموّل العجز لا بالليرة ولا بالدولار»! ولم يكتفِ منصوري بهذه التعرية، بل توجّه الى خليل من دون تسميته وأمطره بوابل من الأسئلة، مثل: «من أي موارد ستتم تغطية العجز؟ هل يعتقد أحد أنه بالإمكان الاستمرار في هذه السياسة المالية؟ ومن أين ستؤمن الحكومة حاجاتها بالعملات الأجنبية؟».
ووضع منصوري برنامج عمل صارماً مقترحاً على وزارة المالية المتقاعسة تنفيذه بسرعة قياسية، مثل: «تفعيل الجباية، وتوزيع عادل للضرائب، وتوسيع شريحة المكلفين، وفتح دوائر الميكانيك والدوائر العقارية وغيرها. وعلى الصعيد الجمركي: ضبط مرافئ الدولة والحدود الشرعية وغير الشرعية».
وبالرغم من أنه ينأى بنفسه عن السياسة طالباً من السياسيين تحييد السياسة النقدية عن المصالح والصراعات، إلا أنّ منصوري أكد أنّ مصرف لبنان سيدفع رواتب موظفي القطاع العام هذا الشهر وربما لاحقاً بالدولار، وتأمين حاجات الجيش والقوى الأمنية. وفي تحديد هذه الأولويات دون غيرها كثير من السياسة بشكل غير مباشر تحت غطاء الأمن الإجتماعي والأمن عموماً، ما يؤدي الى شراء وقت للمنظومة الحاكمة وتجنيبها خضّات واضطرابات في المرحلة المقبلة.
بيد أنّ منصوري الحريص على الاستقرار النقدي، لم يضمن استدامة هذا الاستقرار، مؤكداً «أنّ له حدوداً في الزمان والظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية». فمصرف لبنان الآن قادر على ذلك بفعل أدوات ضبط الكتلة النقدية بالليرة ودفع الرواتب بالدولار والاستعانة بالأجهزة الأمنية والقضائية للضرب على أيدي المضاربين بالعملات. أما إذا لم تحصل صحوة سريعة لإقرار الاصلاحات، فإنّ الأشهر المقبلة ستشهد ما لا يمكن تصوره كله اليوم!
ختاماً، وعن مصير الودائع، قال منصوري: «لا أملك إجابة واضحة وصريحة ومحددة للبنانيين بشأن مصير الودائع!». وأثار ذلك حفيظة جمعيات المودعين التي سألت: «كيف له أن يقول ذلك ؟ فاذا كان هو لا يعرف، فمن يعرف اذاً؟!