انا مِن مؤيّدي اعتماد اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة توَخّياً لزيادة النمو الاقتصادي المتوازن مناطقيّاً وقطاعيّاً، وبما يحقق هدف التخفيف من اللاعدالة ومن التبعيّة للزعامات التي ثبت فشلُها في ادارة الشأن العام على مدى ثلاثة عُقود زادت خلالها معدلات الفقر وعدم الانتاج لا سيّما في المناطق.
في اللامركزية الإداريّة والماليّة الموسَّعة، يساهم الناس في ادارة شؤون مناطقهم ويتحملون مسؤولياتهم تجاهها، بعد اعادة النظر في تحديدات تلك المناطق اذا اقتضى الأمر. ولندع كل منطقة تدير شؤونها لأنها أدرى بحاجاتها والأقدر على تحقيق طموحات سكانها والمقيمين فيها.
في مشروع اللامركزيّة، يَعود للمناطق 20 إلى 25 في المائة من اجمالي ايرادت الخزينة العامة. علماً بأن النظام الفيدرالي يلحظ نسباً تُقارب 50 في المائة من مجمل الايرادات تخصّص للمقاطعات كما في المانيا وكندا واسبانيا والنمسا وغيرها من الدول التي نمت وتطورت في ظلّ الفيدرالية.
بالعودة الى اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة المطروحة للبنان، نذَكّر بانها وفقاً لاتفاق الطائف نصّاً وروحاً. والغاية المنشودة منها هي الانماء المتوازن فِعلاً لا قَولاً. وهذا ما فشلت الدولة المركزية منذ اكثر من 30 سنة في تحقيقه. نحن الآن في حالة خطيرة من اللاتوازن سياسياً واقتصادياً وبطبيعة الحال تنموياً، إذ نعيش حالة شبه انعدام للانماء و/أو التنمية.
عبر المجالس المحلية المنتخبة، يرتفع منسوب المساءلة والمحاسبة مباشرة من المواطنين. وتزداد شفافية ومعرفة أين تذهب الايرادات المحصلة. تلك الايرادات يتحكم بها راهِناً “المركز” وفقاً للتوزيع الذي يناسب منظومته الحاكمة او المتسلطة.
ما نطرحه ونؤيده يرفع الغبن عن البلديات والمناطق التي لا تحظى حالياً الا بما نسبته 5 الى 7 في المائة بسبب هيمنة البعض في “المركز” على قرار التوزيع.
في اللامركزية تحصل الادارات المحَليّة المنتخبة على نَحو 20 في المائة (اكثر قليلاً او اقل قليلاً) على أن يعاد توزيع الـ 80 في المائة الباقية وفق معادلات عادلة وفعالة.
سبق وكتبت مقالاً في جريدة النهار في نيسان 2007، اي قبل 15 عاماً، تناولت فيه كيفية توسيع النطاق البلدي ليشمل عمل البلديات قطاعات المدارس والمستوصفات والطرقات وبنى تحتية وفوقية أخرى.
طروحات كهذه سنظل نتابعها ونصرّ عليها في مواجهة من يصرون على التسَلُّط والتحكم بالمال العام في “المركز”. تلك الجهات معروفة لدى اللبنانيين، وعلى كافة الاطراف السياسية الأخرى ان تعلن مواقفها مما هو مطروح راهِناً لأن الوضع الذي نعيشه منذ التسعينات هو،عمليّاً، خرق فاضح ومستمر للدستور، وتَهرّب من تطبيق ما ورد في اتفاق الطائف الذي ارتضيناه ولا نزال منذ 32 سنة. والأنكى انهم يتشدَّقون بالانماء المتوازن ويعملون عكسَه ويتمسّكون بالصلاحيّات خوفاً على نفوذ او مصلحة لم تعد خافية على أحَد.
حان وقت الخروج الفعلي من دهاليز الطائفيّات والمذهبيّات والولوج الى الدَولَة المدنيّة بكامل مُندرجاتها بما فيها الزواج المدني، مَع تطبيق اللامركزيّة الاداريّة والماليّة الموَسَّعة إستناداً الى مشروع متكامل كانت أعدّته لجنة تشكّلت رسمياً برئاسة الوزير السابق زياد بارود.