عززت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مبادراتها الداعمة للمزارعين اللبنانيين بهدف تذليل العقبات أمام اختناق قطاع حيوي للكثير من الأسر بعد أن طالته تبعات الأزمة المالية والاقتصادية. وكان أغلب المزارعين يعتقدون أن زيادة كمية الأسمدة الكيميائية كفيلة بزيادة غلات محاصيلهم، غير أن الأزمة الاقتصادية والمالية سريعة التفاقم في لبنان حاليا حدت بهم إلى إعادة النظر في الوضع القائم. ومعظم المدخلات الزراعية، كالبذور والأعلاف الحيوانية واللقاحات والمواد البيطرية وغيرها، من الصعب الحصول عليها جراء هبوط قيمة الليرة؛ إذ باتت خارج متناول المزارعين الذين لم يعد بوسعهم تحمل ارتفاع التكاليف. وقالت فاو في بيان “نظرا إلى هذه الحالة من العوز والعديد من الجوانب السلبية للمواد الكيميائية صار المزارعون الآن أكثر اقتناعا بضرورة استخدام كميات أقل من الأسمدة والمبيدات وإيجاد سبل أفضل لإدارة أراضيهم، وتحسين غلاتهم والحفاظ على مياههم”.
ويقوم أحد مشاريع منظمة فاو بمساعدة المزارعين على التقليل من اعتمادهم على المبيدات والأسمدة الكيميائية فيما يعالج مشكلة تلوث حوض نهر الليطاني الأعلى بسبب المواد الكيميائية الزراعية. ويروج المشروع للإدارة المتكاملة للمحاصيل التي هي عبارة عن تقنية تقيم التوازن بين المتطلبات الزراعية والمسؤولية البيئية.
وخصص المشروع أراضي للقيام بالتجارب في بعلبك بهدف المقارنة بين الممارسات التقليدية وبين ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل. ففي كل قطعة أرض تتم زراعة حقلين متجاورين، يتولى أحدهما ميسّر للمشروع مستعينا بالممارسات المعتمدة من قبل الإدارة المتكاملة للمحاصيل. وعلى امتداد موسم زراعة البطاطس يقوم المسؤول عن قطعة الأرض بمتابعة تطور المحصول وإجراء التغييرات في مستويات الري وإدارة الآفات وتغذية المحصول. ويمسك صاحب كل مشروع سجلا بجميع التدخلات المنفذة في قطعة الأرض المخصصة للمزارع وقطعة الأرض الخاضعة للإدارة المتكاملة للمحاصيل، بما في ذلك كميات المبيدات والأسمدة المستخدمة وأنواعها. وفي نهاية الموسم الزراعي يتم حساب غلتي الحقلين (حقل المزارع وحقل الإدارة المتكاملة للمحاصيل) والمقارنة بينهما.
وبحسب فاو أثبتت النتائج أنه بالإمكان التقليل من استخدام الأسمدة الكيميائية بنسبة 50 في المئة في المتوسط، وخفض رش المبيدات بنسبة 60 في المئة على الأقل مع الحفاظ على الإنتاجية نفسها. وخفض مصطفى استخدامه للأسمدة بمقدار مئة كيلوغرام لكل دونم (0.1 هكتار)، وهو ما يمثل انخفاضا بقيمة 130 دولارا من حيث كلفة الإنتاج عن كل دونم. ويقول لوكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إنه “بدعم من فريقي منظمة فاو ووزارة الزراعة، أصبحنا نعرف كم من المياه يتعين علينا أن نضيف إلى المحاصيل، وكيفية اختبار التربة. لقد أصبحنا الآن أكثر خبرة”. وأضاف “هذا العام لم أستخدم المبيدات الكيميائية سوى مرة واحدة. فأنا كنت أرش أرضي بها مرتين في العام. أما في العام المقبل فلن أرش المبيدات الكيميائية على الإطلاق”. والآن أصبح مزارعو البطاطس على اقتناع بأن استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية بكميات أقل أمر ممكن دون التسبب بأي انخفاض في إنتاجية هذا المنتج.
وطبّق المزارعون أمثال مصطفى ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل على محاصيل أخرى كالعنب الذي يزرعونه عادة بموازاة زراعة البطاطس. ويقول أبونزيه، وهو مزارع آخر مشارك في المشروع، “لقد كنا بالكاد نستطيع العمل، بيد أننا نجحنا في ذلك عبر اتباع تعليمات فريق المشروع”. وبغية ضمان استمرار دعم المزارعين قامت فاو بتدريب ميسرين للمشروع وموظفين فنيين من وزارة الزراعة على ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل. وبفضل ذلك أصبح الميسرون أكثر ثقة بأنفسهم وتمكنوا من كسب ثقة المزارعين الذين يتشاورون معهم بانتظام بشأن التحديات التي يواجهونها على أراضيهم. ويعتزم المشروع أيضا تعميم استخدام هذه الممارسات على إنتاج محاصيل أخرى في المنطقة خلال الفترة المقبلة.