من الدعم الى «اقتصاد التسوّل» هرباً من الإصلاحات

يضيع ملف ما يُسمّى «ترشيد الدعم» في مقدار كبير من اللامنطق واللادقة مع شيء من التسرّع وأشياء من سوء التصرف.

وثمة ثلاثة محاور لهذه الصورة:

● اولاً: في المبدأ، فإنّ التحديد المتداول رسمياً يختصر الدعم، بما يعني سلعاً محدّدة هي المحروقات والادوية والقمح، واصناف من المواد الغذائية الاساسية وبعض نفقات القطاع العام الاخرى (فيول…) توفّر لها الحكومة ـ والأصح مصرف لبنان ـ العملات الاجنبية لاستيرادها بسعر مخفّض هو 1507,5 للدولار الاميركي (3900 للمواد الغذائية) وبمعدلات تتراوح بين 85 و 100 في المئة من الفاتورة الإجمالية.

●ثانياً: انّ التقديرات المتداولة لـ»الترشيد» غير دقيقة وتنطوي على تخبّط، وربما ادّت الى نتائج عكسية والى مشكلة جديدة تشبه مشكلة الدعم الحالية. وبكلام أوضح، فإنّ الخطة الرسمية تقترح خفضاً جزئياً جداً للدعم، خصوصاً في السنتين الاولى (2021) والثانية يشمل الخفض غالبية السلع الاستهلاكية (باستثناء المازوت مبدئياً)، ووعود بمعالجة مشكلات معلّقة منذ زمن كالكهرباء و»وقف» التهريب. وتقترح الخطة دفع مساعدة مالية شهرية بالدولار النقدي (ولماذا بعملة غير وطنية) (نحو 120$ شهرياً في السنة الاولى كمتوسط للأسرة) وبواسطة بطاقات الدفع المصرفية للعائلات الفقيرة والمتوسطة الحال، التي قُدّر عددها بنحو 700 الف ثم 800 الف وربما لاحقاً 900 الف. كل ذلك مع استمرار الدعم بتقدير اولي لأكلافه قد يتجاوز 60 -70 في المئة من المبالغ المدفوعة حالياً.

● ثالثاً: لكن ما الحل؟ الحل ببساطة ممكن واساسه:

1. صدمة نفسية على شكل تأليف حكومة توحي الثقة للبنانيين وللخارج اولاً، ويمكن ان تنعكس تحسناً في المؤشرات المعيشية تتجاوز في وضوح التحسن الموعود عبر المساعدات المالية.

2. خفض جذري وتدريجي ومستمر لكل جوانب الدعم الاستهلاكي، بما فيها المازوت والفيول وأصناف المواد الغذائية والادوية «المحمية» بعد اختصارالاصناف بمقدار كبير.

3. وقف كل انواع الدعم غير الاستهلاكي حالاً، بما فيها التوظيف للاوظائف والمساعدات المختلفة والهدر، ومن شأن كل ذلك توفير تمويل يزيد حتماً عن المبالغ التي نطمح لتوفيرها اليوم.

4. عدم التسليم بـ»اقتصاد التسوّل والإعاشات» المطروح، بدعم قطاعات الانتاج، ولاسيما منها الصناعية والزراعية. ويفترض ان يخضع هذا الدعم الإنتاجي لشروط صارمة تتناول الاسعار والنوعية وحقوق العمال وسواها.

5. الانطلاق فوراً في اتجاه اصلاحات جذرية في السياسات الاقتصادية العامة والاجتماعية والمالية (ولاسيما منها الموازنة والضرائب)، توفر شروط اعادة النمو والتنمية، وتنطلق الى معالجة المشكلات الاساسية في الهجرة والسكن والنقل والطبابة، والشروع في بناء عقد اجتماعي جديد يصحّح الاجور ويحمي ديمومة الوظائف ويحدّ من مشكلات الاستقرار العائلي.

وهذه طريق ممكنة وواجبة لإصلاح بعيد عن الاوهام.

مصدرجريدة الجمهورية - غسان الشلوق
المادة السابقة“ارتفاع غير مسبوق في عمليات البيع والشراء”… القطاع العقاري مزدهر!
المقالة القادمةالفواتير ترتفع 30%… والمولّدات قد تتوقّف