من العام 2020 حتى اليوم: القطبة المخفية في الملف المالي من يتحمل الخسائر؟

حصل لبنان، في أوائل العام 2020، على فرصة ذهبيّة لإصلاح وضعه الإقتصادي والمالي، لو كان سار بخطة التعافي المالي التي طرحتها حكومة حسان دياب والتي عملت عليها شركة لازارد وسميت بخطة “لازارد”، وهي عمليًا نتاج عمل مشترك بين وزارة المالية ومستشار الحكومة المالي لازارد، فمن وجهة نظر من أعدوا تلك الخطة، كانت تتضمن أرقامًا شفافة وافق عليها صندوق النقد الدولي، ولكن “لوبي” سياسي كبير ومصرفيين إتحدوا من اجل تطييرها… فهل هذه حقائق؟.

عناوين وأرقام الخطة

ليس سهلاً أن تتحدّث مع مدير عام وزارة المالية السابق آلان بيفاني بموضوع خطة لازارد، وهي التي شكّلت مفترق طريق أساسي بالنسبة للدولة وله شخصيًا، فتلك الخطة التي أعدها مع فريق من وزارة الماليّة ووافق عليها الوزراء في الحكومة بالإجماع، نُسفت لسبب رئيسي ألا وهو تضمنها إجراء تحقيق مالي بكيفية صرف الأموال، رُغم أن صندوق النقد الدولي أكد أن أرقامها صحيحة.

ويشرح بيفاني أن الودائع في المصارف التي تتراوح قيمتها ما بين الصفر إلى 500 ألف دولار تكون محميّة، وما هي فوق ذلك يحصل فيها تدرج في Bail in، أي كان هناك شطور بحسب الفجوة الموجودة لردّ الودائع. بدوره يشير مستشار وزير الاقتصاد الذي شارك في إعداد الخطة ميشال فياض، إلى أن “الفكرة في الخطة تتركز على توزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان ومساهمي البنوك ونحو 931 حسابًا تزيد قيمتها عن 10 ملايين دولار، وهو ما كان سيحمي المودعين البالغ عددهم 2.7 مليون”. هنا يعود بيفاني ليشير إلى أن “الهدف من الخطة هو أن لا يخسر لا الفقير ولا متوسط الدخل أمواله، والأثرياء يصبحون مساهمين لإعادة رسملة القطاع، ولكن ما حصل حقيقة هو أن الخطّة “طارت” والفقراء ومن هم من متوسطي الدخل والأثرياء خسروا كل شيء”.

“هذه الخطة تسمح بإعادة انطلاق العجلة الاقتصادية، وزيادة الرساميل بما نسبته 23 مليار دولار”. هذا ما يؤكده بيفاني، لافتًا إلى أنه “لو طبقت لتمّت حماية 98% من المودعين ولما كانوا خسروا أيّ شيء، كذلك فإن هذه الخطة كانت سمحت بعدم تدهور الليرة، بالإضافة إلى أنها تخلق شبكات وخدمات إجتماعية، وتؤمن القيام بإصلاحات مالية وبنيوية، وإعادة هيكلة الدين العام والمصارف“. من جانبه، يشدد فياض على أن “الخطة تضمنت وضع قانون بشأن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإلزام الموافقة على الموازنة، وتعديل قانون السرية المصرفية، والتشريعات المنظمة للسحوبات والتحويلات، وتوحيد سعر التحويل، والتدقيق الجنائي لمصرف لبنان والوزارات وهيئات الدولة، التي تم إنشاؤها بعد الحرب، والخدمات الإدارية، وكذلك لأكبر 14 مصرف”.

الإطاحة بالقطاع المصرفي!

في المقابل، هناك رأي مخالف تمامًا، إذ يشرح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن “هدف الخطة كان الاطاحة بالقطاع المصرفي واستبداله بخمس رخص جديدة”، مشيراً إلى أن “الكلام عن أن الخطة تعيد 500 ألف دولار لكل مودع غير صحيح، ولا يوجد أيّ دليل على هذا الشيء، إلا أنّه وفي أواخر شباط من العام 2020، وقبل أسبوع من إعلان التعثّر عن الدفع، كان هناك 30 مليار دولار بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان، وهم يعتبرون أنّها كانت لتسديد الودائع”، لافتاً إلى أن “الحكومة نفسها إتخذت قرار دعم المواد المستوردة، والتي أدّت إلى استنزاف 14 مليار دولار من إحتياطي مصرف لبنان، بمعدل 800 مليون دولار شهريًا، على السلع المستوردة“.
ويعتبر غبريل أنهم “أرادوا تحميل الخسائر كلها للمودعين، والدولة كانت تتصرف وكأنها مراقب عن بعد، حيث اكتشفت ما بعد 17 تشرين 2019 أن هناك أزمة حقيقية”، أما بيفاني فيرى أن “المشكلة في الخطة هي أنهم لا يريدون أن يحصل تحقيق مالي في كيفية صرف الأموال، كذلك لا يريدون الاعتراف بأن الهندسات المالية هي أساس المشكلة، كما يرفضون فكرة ردّ الفوائد للمؤسسات، إضافة الى هذا فإن هناك قضية تحميل المصارف الخسائر، إذ أنّ المصارف، طيلة السنوات الثلاثين الماضية، جنت أرباحًا طائلة وبالمليارات، وما حصل فعليًا هو أنهم يريدون الربح لهم وحدهم، وتحميل الخسارة للمودعين. فهل يجوز ذلك”؟.

البند 113؟

في الوقت عينه، يشدد غبريل على ضرورة احترام البند 113 من قانون النقد والتسليف، الذي يقول إنه إذا تكبد مصرف لبنان خسائر على وزارة المالية تغطيتها. هنا تسأل الخبيرة القانونية في الشؤون المصرفية الدكتورة سابين الكيك: “هل فعلاً مصرف لبنان يسجّل خسائر؟، هو في الحقيقة لا يسجل عجزاً بل يسجل ديوناً على عاتق الدولة، ولكن هذه الديون ليست ثابتة بقوانين صادرة وفق الأصول عن مجلس النواب”.

وتوضح أن “العجز بميزانية مصرف لبنان، الناتج عن الفرق بين صندوق تسديد القطع والفرق بسعر العملة والتغطية التي قام بها مصرف لبنان، تسدده الدولة إذا زاد عن 25% وإذا كان هناك ربح تأخذه الدولة”. وتشير إلى أن “هذا البند غير الديون وغير العجز لم يسجل فيه خسائر”، لافتة إلى أن “المشكلة أن أرقام مصرف لبنان لا تشبه أرقام المصارف المركزية في العالم، ولا تتضمن تفصيلاً من أيام رياض سلامة، وهذا كله لأننا نحتاج إلى تدقيق محاسبي”، مشيرة إلى أن “ميزانية المصرف المركزي لا تشبه جدول مصرف لبنان الذي يصدر شهرياً، وصندوق النقد وشركة “الفاريز اند مارسال” أثبتا أن هناك إمكانية في التلاعب بالأرقام، وطرقا محاسبية وتراكما من سنوات إلى اليوم”.

الخسائر وكيفية النهوض

يختصر الخبير الاقتصادي خليل جبارة كلّ الكلام بالتأكيد أن “النقاش الذي كان دائراً هو حول تفسير خطة لازارد لخسائر مصرف لبنان”، لافتاً إلى أن “التأخير بتطبيق الإصلاحات أثّر على فرضية إستعادة أموال المودعين، وإذا كان لايزال هناك اليوم قدرة على استعادتها ستكون أقل من التي كانت في العام 2020، بسبب انخفاض الأموال وصرفها على الدعم”، مشدداً على أنه لو طبقت الإصلاحات في العام 2020-2021، لكان حجم الناتج المحلي أكبر وكانت نسبة التضخّم أقلّ وأيضاً معدلات Cash economy أقل”.

“كلما تأخر الإصلاح كلما كان أصعب وأخذ وقتاً أكثر، ولكن لا يمكن القول إننا إنتهينا ولا نستطيع أن نفعل أي شيء”. هذا ما يراه جبارة، لافتاً إلى “وجود مسارين يجب الاختيار بينهما: إما ابقاء الأمور على ما هي عليه إلى حين التوصل إلى تسوية تؤدّي إلى الحصول على مساعدات خارجيّة، أو وضع بعض الخطوات في المعالجة، وتبدأ باعادة هيكلة المصارف، ومن ثمّ إعادة هيكلة القطاع العام، وعندما نفعل كل ذلك نكون على الطريق الصحيح”.

بحسب المطلعين، فإن كل القصّة تتوقف على من يتحمّل الخسائر، ويعتبرون أن العجلة الاقتصادية في البلد ستبقى متوقفة إلى حين جلاء هذا الموضوع…

مصدرالنشرة - باسكال أبو نادر
المادة السابقةشركات الاستثمار الخاصة الكبرى تضع قيوداً على إبرام الصفقات في الصين
المقالة القادمةتكلفة غذاء عائلة متوسطة تقارب 80 مليون ليرة شهرياً