اذا أردنا أن نختصر الكلام في الاقتصاد، فإن ما وصلنا إليه في لبنان كان متوقعاً، لا بل طبيعاً كنتيجة حتمية لفشل سياسات لبنان الاقتصادية والمالية، والتراكمات المالية الداخلية والخارجية. بالتالي، هذا أقل ما يمكن أن نصل اليه، بعدما أمعنت الحكومات السالفة في إهمال هذا الفشل، والبقاء على نمط الاقتصاد الريعي الذي استنزف الدولة، وجعلها بلا خيارات أخرى في مواجهة الأزمات المالية والتجارية والاقتصادية. الآن، كل هذا الشرح والاسترجاع لا ينفع، بعد أن لامسنا الانهيار. فما هي ملامح الاقتصاد اللبناني في العام 2020؟ وما هي أخطر تركات العام 2019 الاقتصادية؟ وماذا عن الدولار، وسعر صرف الليرة؟ كل ذلك في هذه البانوراما الاقتصادية السنوية:
* من 2019 إلى 2020
أربعة مؤشرات اقتصادية أساسية مرت على لبنان عام 2019:
أولاً- قمة اقتصادية عربية بلا مضمون عملي.
ثانياً- موازنة مالية بلا رؤية اقتصادية.
ثالثاً- تصنيفات مالية واقتصادية دولية سلبية من وكالات مالية.
رابعاً- ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وما تلاه من انعكاسات.
ربما هو التوقيت السياسي الأصعب لتحكّم المرض الاقتصادي – المالي بالجسد اللبناني المنهك. كانت كل الأمور مهيأة للسقوط دفعة واحدة. من العجز الانتاجي، والضياع الاقتصادي، والانكسار التجاري، والفوضى النقدية، وموت السوق السريري، وغيرها من معالم الأزمة، إلى أن انفجر الشارع في 17 تشرين الأول، ثم استقالت الحكومة في 29 تشرين الأول. هنا، بدا واضحاً أن لبنان دخل في نفق اقتصادي أسود وبلا أفق، لا يمتلك شيئاً من أدوات المواجهة والتصدي ومقاومة السقوط في نار العجز، والأسعار، والتخبط المالي والنقدي وحتى الاجتماعي. الآن، صار السؤال ماذا بعد مشهد 2019 الاقتصادي؟ وماذا عن معركة الليرة أمام وحش الدولار؟ وأي خيارات نقف أمامها؟
من الدولار إلى الاستقرار .. لا بد من تبدل نمط العيش:
لرسم صورة اقتصادية بانورامية للعام الجديد، طرحنا قراءة مالية واقتصادية شاملة، بنتيجتها، يخلص الخبير المالي والاقتصادي شربل قرداحي في حديثه لموقع “العهد” الى أننا “في 2020 سنكون أمام عام اقتصادي – مالي صعب ومعقد، مهما كانت الخيارات التي ستعتمدها الدولة أو الحكومة المقبلة سنكون أمام وقائع صعبة. حتى لو تم السير بمسار الاصلاحات لن تكون الأمور سهلة أو سريعة التبدل ايجاباً. اذاً نحن أمام مسارين: عام صعب ولكن يؤسس لنمو في الأعوام المقبلة، أو عام صعب، ويؤسس لمزيد من الانهيارات والتعقيدات المالية والاقتصادية”.
في هذه النقطة تحديداً، يتلاقى قرداحي مع الخبير المالي والاقتصادي د. حسن مقلد الذي يجزم لموقع “العهد” أننا أمام تبدل في أنماط العيش والسلوك الاجتماعي.. يشرح المتمرس في قراءة تفاصيل الاقتصاد اللبناني لموقعنا كيف أن “النمط اللبناني في العيش منفصل تماماً عن الواقع الاقتصادي والمالي الحقيقي في البلد”. ثم يعطي “مقلد” بعض الأرقام مثالاً لتوضيح الصورة:
“نحن بلد نستورد المال والدين، وغير مرتبط بعملية انتاجية وهذا أمر غير طبيعي، تخيلوا معي، نحن نستورد 24 مليار دولار بينما صادراتنا 2 مليار دولار فقط .. ليس هذا فقط، مثلاً يستورد لبنان معسل للنرجيلة بـ 250 مليون دولار، والألبان والأجبان من السعودية بـ 210 ملايين دولار، عملياً وعلمياً هذا غير طبيعي”.
لا يحمّل مقلد سيئات هذا النمط في العيش للمواطن “بل للدولة التي نشرت ثقافة اجتماعية غير مرتبطة بالعملية الانتاجية المحلية، من هنا نصل الى النتيجة الحتمية: نعم نحن أمام استحالة ان نكمل بنفس نمط العيش والسلوك”.
أما في ما يتعلق بسعر صرف الدولار، فيتفق “مقلد” و”قرداحي” في قراءتهما الاقتصادية البانورامية لموقعنا على قواعد ثابتة، هي أن “أزمة الدولار مفتعلة، وخطرة، ولكن يمكن السيطرة عليها عبر استخدام الإجراءات الإدارية والقضائية والنقدية ما بين مصرف لبنان والمصارف، ووزارة الاقتصاد”. يكشف “مقلد” لموقع “العهد” أن “التعاملات المالية بالدولار على أساس سعر الصرف الرسمي أي 1515، هي الأكبر والأوسع وتشكل ما يقارب 85% من هذه المعاملات، لكن هناك الدولار الذي تحتاجه الناس في التعاملات المحدودة والذي يصل سعر صرفه في سوق الصيرفة إلى ما فوق الـ 2000 ليرة لبنانية”.
أما عن سعر صرفه في المقبل من أيام، فإن الأرقام غير محسومة، يقول مقلد لموقعنا، مضيفًا “جواب حاكم مصرف لبنان بأنه “لا يعرف” “هو في غير محله، ولا يحق له أن يصرح بهكذا كلام في هذا التوقيت تحديداً، خصوصاً أن الحاكم لديه أدوات الحل والضبط”.
لا يبتعد قرداحي في قراءته المالية والاقتصادية عن قراءة مقلد، لكنه يرسم هوامش أكثر لسعر صرف الدولار في السوق المصرفية: “اذا تبدلت الامور ممكن ان يتراوح سعر صرف الليرة بين 1750 و 1800 ل.ل، أما اذا تدحرجت التطورات سوءاً فقد يصل سعر الصرف الى 2250 او 2500 ل.ل.”
من المؤكد أن ضبابية المشهد السياسي تنعكس غشاوة على صورة الاقتصاد اللبناني في 2020، ولا شك أن الأمر متوقف على عدة عوامل، منها الداخلية ومنها الخارجية، لكن المحسوم، أن لبنان بات يقف أمام منزلق اقتصادي مالي دقيق وخطير جداً، وهو – في هذا العام – لا يملك ترف الخيارات.